الياباني فؤاد كوئيتشي هوندا وفهد البلوي
في معرض الرياض للكتاب الدولي في هذه السنة اختارت وزارة الثقافة والإعلام اليابان لتكون ضيف المعرض وأعدت لها جناح خاص بها استطعت من خلاله الاطلاع وللمرة الأولى في حياتي على بعض ثقافتهم وعلى نماذج من تراثهم حيث شاهدت نماذج مجسمة لبيوتهم ومزارعهم وعرض تلفزيوني عن بلاد اليابان وحصلت على بعض الكتب التعريفية باليابان ولغتهم وأدبهم وتراثهم وكذلك أكلاتهم وألتقطت صورا لما يلبسه المحاربون القدامى (الساموراي) على رؤوسهم .
وكان أكثر ما أثار انتباهي في الجناح المخصص لليابان ازدحام الناس حول أحد اليابانيين وقلت في نفسي لعلهم لم يروا ياباني من قبل كما هو الحال معي ، اتجهت إليهم والفضول يدفعني كان رجلا يابانيا في الستين من عمره وكان يخط لهم ما يشاءون من عبارات بخط جميل بديع إنما ليست بالخط الياباني بل العجب أنه يخطها بخط عربي جميل ، يا لهؤلاء اليابانيين لم يكتفوا بأن أتقنوا كل صناعة حتى يزاحموننا في ما هو من أخص خصائصنا .
كتبت له اسمي وطلبت منه أن يكتبه بالياباني ثم بالعربي وأكدت له أن المهم عندي هو أن أرى كيفية كتابة اسمي بالياباني تلميحا إلى أنني لست بحاجته لكتابتها بالعربي لعلي ومن حولي نتدارك بعض ماء وجوهنا مع هذا الياباني الذي أحسن من شأننا ما لم نحسنه نحن .
عندها شرع في كتابة اسمي بأسلوب بديع ولمسة سريعة متقنة دون انزعاجٍ من كثرة الطلبات أو ازدحام الناس حوله ، طلبت منه كذلك كتابة اسمه كنوع من الذكرى وإظهارا لإعجابي به فكتب اسمه فؤاد هوندا سألته فورا وكان يتقن العربية هل أنت مسلم فقال الحمد لله سررت أيما سرور بهذه الإجابة وازددت محبة له فهو الآن أخا لي في الله .
تسلمت منه لوحتي وغادرت المكان وكثير من التساؤلات تملأ رأسي عن هذا الياباني الذي يتقن الخط العربي ويتقن اللغة العربية و عن قصة إسلامه ، وبدر في ذهني أن وراء هذا الياباني قصة تستحق أن ينقب عنها وأن تكشف أسرارها ولحسن الحظ أقيمت عدة محاضرات عن اليابان ضمن فعاليات المعرض وكانت منها محاضرة لفؤاد كوئيتشي هوندا بعنوان تجربتي مع الخط العربي استطعت من خلالها إشباع فضولي عن هذه الشخصية الفريدة والتعرف على قصة نجاحه ونضاله في تعلم الخط العربي.
كانت البداية كما يقول قبل ثلاثين سنة حينما أرسل إلى السعودية للعمل مترجما(وكان من القلائل في اليابان الذين تعلموا اللغة العربية في جامعة طوكيو) لشركة يابانية للمساحة ورسم الخرائط تعاقدت معها الحكومة السعودية لتسجيل وتوثيق جميع مظاهر السطح وأسماء جميع المدن والقرى والتجمعات السكانية في جميع مناطق المملكة .
يقول فؤاد هوندا كانت تجربة مثيرة وشاقة استمرت أكثر من خمس سنوات عبر الوديان والجبال والصحاري التي تشتد فيها حرارة الشمس وحتى أن معرفته للسعودية ومناطقها أكثر من السعوديين أنفسهم كما يقول .حيث مر بكل التجمعات السكانية في المملكة مهما كان صغرها وسجلها مع الشركة على الخرائط كما هي مهمة الشركة.
من تبوك الخط العربي يغير مسار حياته
أشار فؤاد هوندا أن بداية تغير حياته وتعلقه بالخط العربي كانت في عام 1975 م في المنطقة الشمالية الغربية وتحديدا في تبوك عندما كان يقوم بتسليم أحد المشاريع لقسم المساحة الجوية وقد رأى بعض الخطاطين الذين يقومون بكتابة أسماء مظاهر السطح على الخرائط فأنبهر بجمال خطوطهم التي تنساب مع مظاهر السطح على أوراق الخرائط فطلب منهم تعليمه الخط العربي فرحبوا بالفكرة وقاموا بتعليمه الأساسيات وأرشدوه إلى شراء بعض الكتب التعليمية لتساعده في تعلم الخط العربي .
ويضيف هوندا بأنه ومنذ ذلك الحين وهو مهتم بالخط العربي وعازم على تعلمه وذكر أنه وحتى عندما كان في صحراء الربع الخالي كان يتدرب على الكتابة على ضوء السراج عندما ينتهي من عمله في الليل.
إسلام هوندا
رجع فؤاد إلى اليابان بعد أكثر من خمس سنوات قضاها في السعودية وقد حاول أصدقائه السعوديين تعريفه بالإسلام وهناك ومن شدة حبه للخط ورسم القرآن الكريم واصل دراسته للإسلام عن طريق القرآن وبعض الكتب المترجمة وتأثر بعقيدة الإسلام ووحدانية الله أعلن بعدها إسلامه وتسمى بفؤاد وكان ذلك في سنة 1984م .
هدف لا حياد عنه مهما طال الزمان
قدم فؤاد استقالته من عمله متفرغا لهوايته المحببة وبإصرار لا يعرف الملل والسأم تابع لوحده تعلم فنون الخط وكانت الكتب التي أحضرها معه من السعودية هي مصدره الوحيد للتعلم .حتى اشتهر فؤاد على نطاق واسع في اليابان وأغرقته الشركات اليابانية والسفارات بطلبات عدة لكتابة نصوص وعبارات دعائية بالخط العربي ولم يكن أحد أفضل منه في ذلك.
وعشر سنوات أخرى للإتقان
في عام 1988م, دعته الحكومة العراقية للمشاركة في مهرجان كبير للخط العربي في بغداد حيث يجتمع مئات من كبار محترفي الخط العربي ليعرضوا أفضل أعمالهم. وهناك تعرف هوندا على حسن شلبي كبير خطاطي تركيا وطلب منه دون تردد التدرب على يديه فوافق له . وعلى الرغم من بعد المسافة بينه اليابان وتركيا إلا أنه استمر لمدة عشرة سنوات يكتب بالخط العربي مقلداً لبعض اللوحات ثم يقوم بإرسالها عبر البريد لتركيا حيث يقوم معلمه بتصحيح الكتابة بالأحمر ويعيدها له بالبريد وطوال هذها لمدة لم يقم بكتابة أية لوحة فنية من عنده بل كلها كانت تقليداً حتى حصل في عام 2000م على إجازة في فنون الخط العربي .
فؤاد هوندا الخطاط الياباني العالمي المسلم
اليوم وبعد مضي ثلاثين عاما على زيارته للسعودية فؤاد هوندا معروف حول العالم كأحد أفضل فناني الخط العربي المعاصرين وهو أرفع مرجع ٍ في اليابان فيما يتعلق بفن الخط العربي. كما حاز على العديد من الجوائز والشهادات التقديرية ومنحت بعض أعماله ولوحاته شرف انضمامها للمجموعة الدائمة للمتحف البريطاني في لندن .وهو الآن أستاذ العلاقات الدولية في إحدى الجامعات اليابانية ورئيس الجمعية اليابانية لفنون الخط العربي .
دعته وزارة الإعلام للمشاركة في جناح اليابان في معرض الكتاب لتكون فرصة لي للتعرف على هذا الخطاط الياباني وليثبت للجميع أنه مهما صعب هدفك وبعد مقصدك ومهما واجهتك من صعاب إذا كنت متحليا بعزيمة صادقة وثباتا لا تزحزحه العقبات وتركيزا للجهود فانه كل هدف يمكن بلوغه وكل غاية يمكن تحقيقها .
وتأكدت لدي حكمة كثيرا ما كنت ارددهــا أن:
النجاح يعتمد على بذل الجهد .
والسلام عليكم
أخوكم فهد المعلا
