جدة: محمد الزايد، سامية العيسى، براء العتيق
نجت مدينة جدة من كارثة محتملة جديدة بفضل فاعلية أداء السد الاحترازي الأسمنتي أسفل بحيرة المسك والذي استطاع استيعاب أكثر من 15 مليون متر مكعب من مياه السيول والأمطار، كادت تهدد سلامة أكثر من 17 حيا سكنيا في شرق ووسط وشمال المحافظة.
وقرر أمير منطقة مكة المكرمة رئيس لجنة الحج المركزية الأمير خالد الفيصل بن عبدالعزيز، التعجل ومغادرة المشاعر المقدسة حرصا منه على متابعة أوضاع مدينة جدة بعد تعرضها للأمطار الشديدة يوم الأربعاء الماضي، ووقوع خسائر في الأرواح والأموال.
وسيكون أول عمل للأمير خالد الفيصل بعد أدائه فريضة الحج وإشرافه الكامل على الخدمات المقدمة لضيوف الرحمن، القيام بجولة على جميع الأماكن المتضررة في محافظة جدة، وسيرافقه في الجولة جميع مسؤولي الخدمات المباشرة من أجل الوقوف على الأوضاع ومعالجتها فوراً.
إلى ذلك، استمرت أمس عمليات البحث عن مفقودين من ضحايا السيول التي ضربت جدة الأربعاء الماضي.
وأكد الناطق الرسمي للدفاع المدني بمنطقة مكة المكرمة النقيب عبد الله العمري، أن عدد ضحايا السيول ارتفع أمس إلى 103 قتلى، ما بين نساء وأطفال وشباب ومسنين.
وتواصلت أمس القصص المأساوية لعوائل المفقودين في كارثة السيول التي حدثت في جدة يوم أربعائها الحزين في الوقت الذي تبذل فيه الجهات الحكومية جهوداً حثيثة لإسكان المتضررين وتدبير حاجياتهم.
شهود عيان أبلغوا الوطن أمس عن قصص الرعب التي عاشوها أثناء الكارثة حيث يقول جابر سلطان المطيري من سكان شرق الخط السريع إنه شاهد جثثاً لجيرانه تطفو فوق سطح الماء.
وقال ساعد المالكي إنه فوجئ بصيحات الأطفال يحذرون المصلين من الغرق وسط المسجد التابع للحي ولولا عناية الله ورجال الدفاع المدني الذين أنقذوهم من فوق الأسطح بواسطة الطائرات العمودية لكان هو وأسرته المؤلفة من 12 شخصاً في عداد الموتى.
الناجون من كارثة السيول: فقدنا الغالي والنفيس ولم يبق لنا إلا الذكريات الأليمة
تسكين 204 أسر مكونة من 1360 فردا في الشقق المفروشة
أبناء إحدى الأسر تم تسكينهم في شقة مفروشة
جدة: سامية العيسى
في الوقت الذي تبذل فيه الجهات الحكومية جهودها الحثيثة لإسكان المتضررين بالشقق المفروشة، ورفع السيارات التي جرفها السيل المرعب الذي ضرب الأحياء الشرقية بمدينة جدة ظهر الأربعاء الماضي وراح ضحيته 103 أشخاص بحسب بيان إدارة الدفاع المدني أمس .
وقد وصل عدد الأسر التي تم تسكينها حتى الآن بالشقق المفروشة بحسب إحصائيات الدفاع المدني مساء أمس 204 أسر،وعددهم 1360فردا ، كما تم توزيع المساعدات والأغذية عليهم، والتي وفرتها وزارة المالية وقدمها الدفاع المدني للسكان المتضررين.
الوطن زارت الناجين الذين حكوا لها ظروف نجاتهم من واقع المأساة واللحظات العصيبة التي عاشوها، مؤكدين أنهم كتبت لهم أعمار جديدة لدرجة أنهم لا يصدقون أنفسهم من فرط ما شاهدوا، خلال ساعات طويلة بعمر الدهر، حتى وجدوا أنفسهم فجأة بلا مأوى فقد فقدوا الغالي والنفيس بعدما بعثرتهم المياه في كل مكان.
وقال أبو عبدالإله إنه تلقى اتصالا من عائلته بعد حدوث السيول بغرق مدخل المنزل الذي يسكنه مع 11 من أبنائه وزوجتيه،وطالبوا في استغاثة سرعه إنقاذهم فوجههم إلى الصعود سريعا إلى سطح المنزل.
وأضاف أنه كان يفرك عينيه من شدة المفاجأة حيث استطاعت المياه في ساعات قليلة مداهمة جميع سكان حي قويزة دون أن يتلقى ساكنوه أي إشارة من هيئة الأرصاد أو البلدية عبر الجوال بسرعة الخروج أو الهرب.
وأكد جابر سلطان المطيري أنه من سكان شرق الخط السريع،وفي يوم الأربعاء كانت الأمور تسير بشكلها الاعتيادي، وقال شاهدنا جثثا لجيراننا تطفو فوق سطح الماء، ولا يزال بعض جيرانه مفقودين إلى أول يوم من عيد الأضحى، مشيرا إلى أنه انتقل مع عائلته إلى الشقق المفروشة بناء على خطابات تسكين من الدفاع المدني .
وقال شخص رفض ذكر اسمه إن مسجد العروة غرق مع مصليه لكن عناية الله أنقذتهم بالهرب إلي سطح المسجد،متوقعا أن تكون أعداد السيارات التي جرفتها المياه ما يقارب الـ 5000 سيارة معطلة، يقوم الدفاع المدني برفعها حاليا من الطرق المغلقة.
وقال أبو مطر إن عناية الله هي من أنقذت الناس المتواجدين في الشقق المفروشة حاليا.
وكشف أنه انتقل إلى شقق ليالي بشارع قريش مع زوجته وأبنائه ووالدته المسنة، وكان الطيران قد أنقذهم وخرجوا بملابسهم من دون حمل بطاقات هوية أو أي أوراق ثبوتية ولا أموال.
وقال ساعد المالكي إنه كان يؤدي الصلاة في المسجد القريب من بيته، وفؤجئت بصيحات الأطفال الذين جاءوا مسرعين للنداء علينا وتحذيرنا من الغرق، واستطعنا السباحة داخل المياه وأخرجنا كل سكان البيت البالغ عددهم 12 شخصا فوق سطح منزلنا ثم توجهت مع أخي إلى منزل شقيقتي وأمي وأخي وأخرجناهم إلى أن جاء رجال الدفاع المدني الذي أنقذ بعضنا من فوق الأسطح بالمروحيات والقوارب المطاطة.
وتحدث عبد الرحمن الأحمدي من الأسر المنكوبة بتعجب عن بعض ملاك الشقق الذين يرفضون تسكين من هم في مثل موقفه، وقال: إن بعض الشقق ترفض تسكين المحولين إليها وقال إنه ذهب لشقق بشارع الستين رفضوا تسكينهم مع أنهم حصلوا على موافقة من مسؤول الدفاع المدني بتسكينهم.
فيما قال ممدوح خالد : تلقيت اتصالا أن والدي وبعض المسنين عددهم 40 شخصا يصلون في المسجد وغمرته المياه وأن اثنين من أشقائي مفقودين، فتوجهنا سباحه إلى المسجد ومعنا حوالي 10 شبان من شباب الحي منهم أمام المسجد رشيد الكثيري وعبدالرحمن المطيري واحمد الشهري وأنس وغيرهم من الشباب الشجعان وأنقذنا المسنين المحتجزين بمسجد التوفيق، و فقدنا بيوتنا و7 سيارات كلها ملك لإخواني ووالدي.
الرقيب العتيبي الجندي المجهول الذي ينبغي أن يكون معلوما
القدر ساقه و أخاه و 18 عسكريا آخرين لإنقاذ الكثير من الأطفال و العائلات
جدة: براء العتيق
سطر وكيل الرقيب في قوات الأمن الخاصة محمد عوض الله العتيبي مأساته مع سيل حي قويزة والخط السريع في ورقة بالحبر والدموع ليحاسب بها حسب قوله المسؤولين وذلك بعد أن يرفع عدة برقيات للجهات المعنية عن المأساة، والتي نتج عنها فقدانه لأخيه
عويض أمام عينيه والذي يعمل معه في نفس القطاع، وهما يحاولان مع 18 عسكريا آخرين من الحرس الوطني والجيش تواجدوا عن طريق الصدفة بالمنطقة المنكوبة وقضوا وهم يحاولون إنقاذ المحتجزين أثناء مرور السيل.
وقال محمد العتيبي لـالوطن بدأت المأساة عندما كنت متجها مع أخي بسيارتنا إلى منزلنا بالكيلو 14، حيث نعمل بقطاع واحد، وفي تمام الحادية عشرة صباحا أغلق الخط السريع المتجه للجنوب وتكدست السيارات في 8 مسارات، وعندما تساءلنا عن السبب كان الجواب من أصحاب السيارات المتوقفة، بوجود حادث تحت كوبري الجامعة وان الطريق سيفتح بعد قليل.
وتابع العتيبي أنه بعد 3 ساعات تقريبا وصل فيها تكدس السيارات إلى كوبري ولي العهد ولم يصلنا تحذير واحد بوجود السيل من أي قطاع أو جهة كانت، حيث كنا مطمئنين بالجو الذي لم يكن مغيما بطريقة مخيفة، بالإضافة إلى أن الطريق لم يكن يدل على وجود سيل لان الإسفلت كان ناشفا.
وأضاف أنه في تمام الساعة الواحدة والنصف كان موعدنا مع منظر مخيف، حيث شاهدنا أكواما من السيارات الكبيرة تتحرك باتجاهنا بسرعة كبيرة، فتجمعنا عدد من العسكر 20 شخصا واتفقنا أن نقوم بعمليات انقاد لمن نستطيع وسط أصوات صراخ النساء والأطفال وتوسلات الآباء بالمساعدة بإنقاذ عائلاتهم.
وقال كونا جسرا بشريا وبدأنا نوصل الناس إلى جدار الحرم الجامعي، وما هي إلا لحظات وبدا السيل يشتد وكان هناك البعض يرفضون أن نساعدهم ويقولون سنحتمي بسياراتنا، نسأل الله أن يحسبهم مع الشهداء.
وأضاف: سحب السيل زملاءنا الـ17 الذين كانوا يقومون بالإنقاذ معنا، وبقينا أنا وأخي وأحد أفراد الحرس الوطني، وشاهدنا عائلة باكستانية مكونة من السائق وزوجته وأمه وطفلتين 12سنة وثلاث سنوات وطفل عمره سنة، فقررنا إكمال مهمتنا بإنقاذهم، فسحبنا السيل عندما حاولت إنقاذ المسنة ،وأخي رحمه الله وهو يمسك بالطفلة ذات الثلاث سنوات.
ويقول: قوة السيل لم تمكني من التحكم بنفسي فشاهدت أخي يستشهد أمامي ووكلت أمري إلى الله، وجرفني السيل حتى شارع عبدالله السليمان حيث سحبني شخص سوداني لينقذني ولكن السيل جرفنا سويا حتى سحبنا مواطن كانت سيارته من نوع وانيت عالقة بعمود إنارة قام بسحبنا إلى مؤخرة سيارته.
ويعود العتيبي للتساؤل بعدما دفن أخاه الذي وجده احد المواطنين وسلمه لثلاجة مستشفى الملك عبدالعزيز، بمقبرة الحي الشمالي بالكيلو 14 بعدما صلوا عليه في مسجد الدعوة والإرشاد في نفس الحي، عن دور الدفاع المدني الذي كانت خطوطه مشغولة طوال فترة مرور السيل أو ترن دون مجيب رد، يتساءل عن المسؤول الرئيس خصوصا أنهم حجزوا قرابة الثلاث ساعات وهي فترة كافية لإخلاء من ساقتهم أقدارهم على الطريق السريع وقت وقوع الكارثة قبل أن يجرفهم التيار ، ويذهبوا ضحايا بلا ذنب أو جريرة ، تاركين وراءهم الكثير من علامات الاستفهام التي تحتاج إلى سنين للإجابة عليهم لعلها تنقذ غيرهم قد يواجهون نفس المصير.
ويمضي العتيبي بقوله: بعد أن أفقت من الصدمة الأليمة ، وتيقنت أنني مازلت على قيد الحياة وأن ما مضى ليس كابوسا ، أو فيلم رعب تمر صوره البشعة أمامي وتطاردني باستمرار، فكرت في أن أسجل تلك اللحظات التي عشتها وعمرها بميزان الوقت قصير لكنها في مخيلتي ،وقياسا على مرارتها وبشاعتها في الواقع كعمر طويل، لقد كانت صورة من تسونامي الذي كنا نسمع عنها من الصحف والتليفزيونات، وبالفعل تمالكت واستجمعت قواي وكتبت ما حدث بالورقة والقلم لمن يريد.
