الحمد لله الذي وفق قلوب أوليائه لشرعه المتين00 وملأها ذكرا فنهلت من أصفى معين و اهتدت بهديه للإيمان و الحق المبين أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له00 شهادة المخلصين له الدين العاملين بأمره00المتبعين لهدي الصادق الأمين00 وأشهد أن سيدنا و حبيب قلوبنا00و أسوتنا وقدوتنا محمدا عبده و رسوله00 سيد الأولين والآخرين00و خاتم الأنبياء و المرسلين و الرحمة المهداة للخلق أجمعين00 اللهم صل عليه وعلى آله الأكرمين الأطهرين00و على صحابته السادة الغر الميامين و على التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين00
أما بعد أيها الإخوة0
أعز ما في الإنسان قلبه الذي بين جنبيه00 جعل الله لهذا القلب إرادة فاعلة00 وخصه بالقدرة على توجه الإنسان في هذه الحياة00فإن كان قلبا ذاكرا0 شاكرا .00 خاشعا 0 منفتحا على طاعة الله00و عمل الصالحات00سعد صاحبه في الحياة الدنيا و في الآخرة00وإن كان قلبا غافلا00 لاهيا00جشعا منصرفا إلى المعاصي و المحرمات0 لا يزن أعماله إلا بميزان الربح و الفائدة ولو كان ذلك على حساب إيمانه و أمانته00جر صاحبه إلى شقاء الدنيا و عذاب الآخرة00أورد الإمام البخاري في صحيحه00قول رسول الله صلى الله عليه وسلم00إِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً 00 إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ00 وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ00 أَلا وَهِيَ الْقَلْبُ0 هذا القلب القائد00 و المتحكم0حدثنا عنه الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم فقال إِنَّمَا سُمِّىَ الْقَلْبُ مِنْ تَقَلُّبِهِ00 إِنَّمَا مَثَلُ الْقَلْبِ0 كَمَثَلِ رِيشَةٍ مُعَلَّقَةٍ فِى أَصْلِ شَجَرَةٍ0 يُقَلِّبُهَا الرِّيحُ ظَهْراً لِبَطْنٍ رواه الإمام أحمد ولا يثبت القلب إلا بالإيمان0 و لا يصلح القلب إلا بالدين00فالقلب الثابت0هو القلب الذي عمر أرجاءه الإيمان بالله00 والقلب الثابت هو القلب الذي طهرته شرائع هذا الدين00 لكنّ الإنسان0 شديد النسيان كثير الغفلة0 منسوب إلى الخطأ0 فيخطئ00وتتسرب إلى القلب المعاصي فيضعف الإيمان قال رسول الله صلى الله عليه وسلم0 إِنَّ الْمُؤْمِنَ إِذَا أَذنَبَ كَانَتْ نُكْتَة ٌ سَوْدَاءُ فِي قَلْبِهِ فَإِنْ تَابَ وَنَزَعَ وَاسْتَغْفَرَ صُقِلَ قَلْبُهُ وَإِنْ زَادَ زَادَتْ حَتَّى يَعْلُوَ قَلْبَهُ ذَلكَ الرَّانُ الَّذِي ذَكَرَهُ اللَّهُ فِي الْقُرْآنِ ( كَلاَّ بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ) رواه الإمام أحمد و يقول الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم0و الحديث من صحيح كنوز السنة0 إن الإيمان ليخلق في جوف أحدكم كما يخلق الثوب 00الإيمان يبلى00 فاسألوا الله أن يجدد الإيمان في قلوبكم00ونسألك اللهم أن تجدد الإيمان في قلوبنا0 و من هنا فإن الإيمان يزيد بالطاعة و ينقص بالمعصية00فإذا توالت المعاصي على القلوب00 قست القلوب0 و الله جل جلاله توعد أصحاب القلوب القاسية بالويل و الثبور 00فقال جل جلاله00( فَوَيلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ أُولَئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) فما هي صفات القلوب القاسية تعالوا نستعرضها لكي نحذر منها0 وإن وجدنا بعضها في قلوبنا 0طهرنا قلوبنا منها0
من صفات القلوب القاسية عدم التأثر بالقرآن0 فلا ينشرح القلب عند سماع آيات النعيم00وذكر الجنة و لا يعرف الخوف و لا الخشية من ذكر عذاب النار و أهوال الجحيم0 فكأن الأمر لا يعنيه0 فانظر أيها المؤمن لعلاقتك بالقرآن0 هل تخشع عند قراءته0هل تبكي عند تلاوته0هل تتأثر عند سماعه0فالله عز وجل حدد عباده المؤمنين بقوله (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ) فإن وجدت في قلبك خشية فالزمها و قوّها و كثـّرها وإن لم تجد فافتح لك صفحة جديدة مع كتاب الله و اعلم أنك أمام كلام الله و أنه الحق هو الحق وأنه الصدق عين الصدق و تذكر أنك ملاقيه و راجع إليه0
و من صفات القلوب القاسية0عدم شغفها بالعبادة إذا سمع نداء الصلاة حي على الصلاة حي على الفلاح ان لم يكن لديه ما يشغله تراخى في الذهاب إلى أن تقام الصلاة وإن شغله أمر فيؤخرها لوقت فراغه والله جل جلاله فرض الصلاة على المؤمنين في أوقات محددة فقال تبارك و تعالى (إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا) وجعلها رسول الله صلى الله عليه وسلم في المساجد وحبب إليها برفع الدرجات و حط الخطيئات و زيادة الحسنات00 و لما علم صلى الله عليه وسلم أن أناسا لا يحضرون الجماعة00 غضب و أقسم أمام أصحابه و الحديث من صحيح الإمام البخاري قال وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ آمُرَ بِحَطَبٍ فَيُحْطَبَ ثُمَّ آمُرَ بِالصَّلَاةِ فَيُؤَذَّنَ لَهَا ثُمَّ آمُرَ رَجُلًا فَيَؤُمَّ النَّاسَ ثُمَّ أُخَالِفَ إِلَى رِجَالٍ فَأُحَرِّقَ عَلَيْهِمْ بُيُوتَهُمْ كلمات سمعها الصحابة و أطاعوا0 و بلغت إلى سلفنا الصالح00 فحدثنا التاريخ عن حرصهم على الصلاة في بيوت الله سيد التابعين سعيد بن المسيب رحمه الله رحمة واسعة يوم حضرته الوفاة إلتفت إلى بناته فرآهن يبكين0 قال لهن علام البكاء0 والله ما فاتتني تكبيرة الإحرام مع الإمام أربعين عاما0 وما رأيت ظهر مُصلٍّ في الصلاة أبدًا0 ثابت بن عامر بن عبد الله بن الزبير0 كان كثيراً ما يدعو الله فيقول اللهم أمتني الميتة الحسنة قالوا له وما الميتة الحسنة قال أن يتوفاني ربي وأنا ساجد واشتد به المرض0 وحان وقت صلاة المغرب0 وسمع النداء0 الله أكبر0الله أكبر0 حي على الصلاة حي على الفلاح 0 قال لأبنائه أقعدوني واحملوني إلى المسجد قالوا يا أبانا عذرك الله 0أنت في أشد المرض0 قال أو أسمع حي على الصلاة حي على الفلاح و لا أجيب0 فحملوه على أكتافهم وأوصلوه إلى المسجد فصلى معهم صلاة المغرب حتى الركعة الأخيرة فسجد مع الساجدين ورفع المصلون من السجود00 وبقي ثابت ساجدا00 فحركوه بعد الصلاة00 فعلموا أن الله استجاب دعاءه00و توفاه ساجدا0 فكيف حالنا مع الجماعة00 و كيف حالنا مع النداء00 هل إذا سمعنا الآذان0 قلنا لبيك00يا نداء الرحمان0 هل عمرنا بيوت الله 0كما أمر الله0 (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ)00أن ترفع في القلوب00أن تحتويها الأفئدة00 أن تحن إليها الأنفس أن يأتيها المؤمن يحمل شوقه إليها00 فانظر لحالك أيها المؤمن فإن وجدت خيرا و إقبالا و محبة لبيوت الله و حضورا مستمرا للجماعات فاحمد الله و ادع من الله الثبات وإن وجدت دون ذلك00 فاعلم أن الله سيسألك00أيهما أحب إليك بيتي أم بيتك00شغلك بلقائي00أم شغلك بالدنيا00 سيسألك0 ناديتك من سابع سماء فعصيتني ولم تجبني و لو أجبتني لأتيت بك إلى بيتي تحفك ملائكتي ولرفعت لك بكل خطوة درجة في الجنة و لغفرت لك بكل خطوة سيئة00 ولشهدت لك الديار و الأشجار و الأحجار و الشمس و القمر و النجوم و كل من رآك في مسعاك00و في مصلاك0 أنك أجبتني00و أنك أطعتني و أنك صليت لي0 فاعمل أيها المؤمن على طاعة الله و محبة بيوته00و رفعها في القلوب00
ومن صفات القلوب القاسية00الغفلة عن ذكر الله00 فلا يذكر الله عند قيام00ولا عند طعام00و لا يذكر الله في قول و لا يذكر الله في عمل0 تحمله الغفلة ليله و نهاره و من الناس من لا يذكر الله إلا في الصلاة0 و من الناس من لا يذكر الله إلا في المسجد00 والله بماذا أمرو الأمر في قرآنه و طاعته واجبة على كل مؤمن و مؤمنة0 هل قال لنا أذكروا الله في بعض الأحيان ؟ هل قال لنا أذكروا الله عند الحاجة ؟00قال لنا وقوله الحق0( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا 00 وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا) فيا أيها المؤمن لك في كل لحظة ذكر وفي كل وقفة ذكر وفي كل جلسة ذكر0 و في كل عمل ذكر وفي كل راحة ذكر0وعند كل منام ذكر و عند كل يقظة ذكر ولذلك مدح الله المؤمنين من عباده بقوله00 (الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ )00و بشرهم بما أعد لهم عنده فقال جل جلاله0(وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا) هذا الذكر سماه رسول الله صلى الله عليه وسلم بخير الأعمال سماه بأطهر القربات إلى الله سماه برافع الدرجات خيـّره عن الصدقة بالذهب و الورق و فضـّله عن الجهاد في سبيل الله فقال فيما أورده الإمام أحمد في المسند00ألا أنبئكم بخير أعمالكم وأزكاها عند مليككم وأرفعِها في درجاتكم وخير لكم من إعطاء الذهب والورق وخير لكم من أن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم؟ قالوا 00 و ذلك ما هو يا رسول الله قال 00 ذكر الله عز وجل فهل أنت من الذاكرين00هل تذكر الله في كل حين فانظر لحالك أيها المؤمن00فإن وجدت خيرا وتذكـّرا و ذكرا فاحمد الله و زد في ذكره واعلم أن ذكر الله حصنه الحصين في الدنيا و الآخرة و إن وجدت دون ذلك فتذكر أن لا سعادة للقلب00 و لا هناء و لا اطمئنان إلا بذكر الله00 فالله الذي خلقك0 وبالذكر أمرك0 وعن ذكره أخبرك بقوله عز وجل ( أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوب) فرطب لسانك بذكره و زين أوقاتك بتسبيحه و حمده وشكره ليسلم قلبك لتلقى الله غانما سالما ( يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ 00 إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ)
اللهم سلم قلوبنا من كل غفلة00وبعد قلوبنا عن كل جفوة0و اجعلنا من عبادك الذاكرين واجعل قلوبنا لينة بطاعتك هانئة مطمئنة بحسن بعبادتك واكتبنا من الصالحين0000 هذا والله اعلم واقدر وصلى الله وسلم
