أبوضحى
بارك الله فيك يالغالي على الطرح الراقي أنت الأبداع .,..
لك الود .. والتقدير ..!
مالك بن الريب وأعظم مرثية في التاريخ
اسمه : مالك بن الريب بن حوط بن قرط بن حسيل بن ربيعة بن كابية بن حرقوص بن مازن بن مالك بن عمرو بن تميم بن مر
كان من الفتاك الفرسان لصاً يقطع الطريق مع شظاظ الضبي الذي يضرب به المثل فيقال :ـ ألص من شظاظ
وأخباره مع شظاظ الضبي وغيره من قطاع الطرق كثيرة
وهو شاعر مقل لم يشتهر من شعره إلا هذه القصيدة وبعض الأبيات المنثورة في كتاب الأغاني
بداية العهد الجديد :
وفي يوم مر عليه سعيد بن عثمان بن عفان وهو متوجه لإخماد تمرّد في خُرسان
وكان مالك من أجمل الناس وجهاً ، وأحسنهم ثياباً ، فلما رآه سعيد أعجبه
فأغراه بالجهاد في سبيل الله بدلاّ من قطع الطريق حيث قال له ويحك مالك تفسد نفسك بقطع الطريق ؟
وما يدعوك إلى ما يبلغني عنك من العبث والفساد وفيك هذا الفضل ؟
قال : يدعوني إليه العجز عن المعالي ومساواة ذوي المروءات ومكافأة الإخوان ، قال 00
فإن أنا أغنيك واستصبحتك ، أتكلف عما كنت تفعل ؟ قال : إي والله أيها الأمير
أكف كفاً لم يكف أحدٌ أحسن منه ثم ذهب معه وأبلى بلاءً حسناً
بداية النهاية :
وفي طريق عودته إلى وادي الغضا في نجد وهو مسكن أهله أناخ الركب / نزل مالك للقيلولة
ولما هموا بالرحيل أراد أن يلبس خفه فلسعته أفعى كانت قد اندست فيه فلما أحس بالموت أنشأ يرثي نفسه
بهذه القصيدة وقد توفي في نهايتها
وفاته :
توفي في مرو سنه ست وخمسن56هـ وهي اليوم إحدى دول الاتحاد السوفيتي [ روسيا حاليا]
تأثر الناس بهذه القصيدة :
سمع أعرابي هذه المرثية تنشد فقال إن قائل هذه الأبيات يحتضر ويعالج سكرات الموت ولابد انه مات في نهايتها
فقيل له كيف عرفت هذا
قال إن البيت الأول اقوي من الثاني والثاني أقوى من الثالث وهكذا
انظر أخي كيف كان العرب ومع أن اغلبهم لا يقرأ ولا يكتب ولكنهم متمكنين من لغتهم وعارفين أسرارها
ذكرني هذا بالأعرابي الذي سمع من يقرا سوره التوبة فقال ينبغي أن تكون هذه آخر ما نزل من القرآن
فقيل له كيف عرفت
فال إني أرى عهود تنبذ ووصايا تنفذ
وعدد أبيات القصيدة 52 بيتا
وهذا نصها
أَلاَ لَيْـتَ شِعـري هَـلْ أبيتَنّ ليلةً * * * بجَنبِ الغَضَا ، أُزجي القِلاص النّواجِيا
فَلَيتَ الغَضَا لم يقطَعِ الركبُ عَرضَهُ * * * وليـتَ الغَضَا مَاشىَ الـركابَ لَياليِا
لقد كان في أهل الغضا، لو دنا الغضا * * * مـزارٌ، ولكـنّ الغضـا ليْسَ دانيا
أَلمْ تَـرَني بِـعتُ الضّـلالةَ بالهُـدى * * * وَأَصْبَحْتُ فـي جيشِ ابنِ عفّان غازيا
دَعاني الهَوى من أهل وُدّي وصُحبتي * * * بِـذِي الطَّبَسَـين ، فالتفـتُّ وَرَائِيا
أَجَبْـتُ الهَـوَى لَمّا دَعَاني بِـزَفْرَةٍ * * * تَقَنّعْـتُ مِنْـهَا ، أن أُلامَ ، ردائيـا
لَعَمْري لئـن غالتْ خُراسانُ هامَتي * * * لقـد كُنْـتُ عن بابَيْ خراسان نائيا
فللّـه درّي يَـوْمَ أَتْـرُكُ طـائعاً * * * بَنـيَّ بأَعْلـى الـرّقمَتَيـْنِ، وماليا
ودَرُّ الظّبـاءِ السّـانِحـاتِ عَشِيّةً * * * يُخَبّـرْنَ أنـي هالِكٌ مِن وَرَائِيا
وَدَرُّ كَبيـرَيَّ اللّـذين كِـلاهُمَا * * * عَلـيّ شَفيـقٌ ، ناصِحٌ ، قد نَهانِيا
وَدرُّ الهَوَى من حَيْثُ يدعو صِحَابَهُ * * * وَدَرُّ لَجـاجـاتي ، ودَرُّ انتِهـائيا
تَذَكّرْتُ من يَبْكي عليّ ، فلمْ أَجِدْ * * * سِوَى السَيْفِ والرّمحِ الرُّدَينيِّ باكيا
وَأَشْقَـرَ خِنْـذِيذٍ يَـجُرّ عِنـَانَهُ * * * إلى الماء، لم يتْـرُكْ لَهُ الدهْـرُ ساقيا
ولَكِـنْ بِأَطْـرَافِ السُّمَيْنَة نِسْـوَةٌ * * * عَـزيزٌ عَلَيْهِـنّ العـشيّةَ ما بيا
صَـرِيعٌ على أيْدِي الـرّجَالِ بِقَفْرَةٍ * * * يُسَـوُّوْنَ قَبْـري، حَيْثُ حُمَّ قضائيا
وَلَمّـا تَـرَاءَتْ عِنْـدَ مَـرْوٍ مَنيّتي * * * وَحَـلَّ بِهَا جِسْـمي، وَحَانَتْ وَفَاتِيا
أَقـولُ لأصْـحابي ارْفعـوني لأنّني * * * يَقِـرّ بِعَيْـني أن سهَيـلٌ بَـدَا لِيا
فيا صاحبَي رحلي! دنا المَوْتُ، فَانزلا * * * بـِرابِيَـةٍ ، إنّـي مُـقِيـمٌ لَيـاليِا
أَقيما عليّ اليَوْمَ ، أو بَعْـضَ ليلةٍ * * * ولا تُعْجِـلاني قـد تبيّـنَ ما بِيا
وَقُوما ، إذا ما استُلّ روحي ، فهيِّّئا * * * ليَ القـبرَ والأكفـانَ، ثُمّ ابكيا ليا
وخُطّا بأطْـرَافِ الأسِنّةِ مضجعي * * * ورُدّا علـى عَيْنَـيَّ فضـلَ ردائيا
ولا تحسُـداني ، باركَ اللَّهُ فيكما * * * من الأرْضِ ذَاتِ العَرضِ أن توسِعا ليا
خُـذَاني ، فجُـرّاني بِبُرديْ إليكما * * * فقـد كُنْتُ ، قبل اليوم ، صَعباً قِياديا
فقد كنتُ عطَّافاً، إذا الخيلُ أدْبَرَتْ * * * سَـريعاً لـدى الهَيْجا، إلى مَن دعانِيا
وقد كُنْتُ محموداً لدى الزّاد والقِرَى * * * وعـنْ شَتْـمِ إبنِ العَمّ وَالجارِ وانِيا
وَقد كُنْتُ صَبّاراً على القِرْن في الوَغى * * * ثَقِيـلاً على الأعـداء، عَضْباً لسانيا
وَطَوْراً تراني فـي ظِلالٍ وَمَجْمعٍ * * * وَطَـوْراً تَـراني ، والعِتَـاقُ ركابيا
وَقُوما علـى بِئْرِ الشُّبَيكِ ، فأسمِعا * * * بها الوَحْشَ والبِيضَ الحسانَ الروانيا
بِأَنَّكُمـا خَلَّفْتُمَـانـي بِقَفـْرَةٍ * * * تُهيـلُ علـيّ الـرّيحُ فيها السَّوافيا
ولا تَنْسَيا عَهْدي ، خَليليّ ، إنّني * * * تقطَّع وصـالي وَتَـبْلـى عِظـامِيَـا
فلنْ يَعْـَدم الـوالون بيتاً يَجُنُّني * * * وَلَـنْ يَعْـدَمَ المـيراثَ منّي الموالِيا
يقولون :لا تَبعُدْ ، وهُم يدفِنونني * * * وأيْـنَ مَـكانُ البُعْـدِ إلاّ مَـكانِيا؟
غَدَاةَ غَدٍ، يا لَهْفَ نَفْسي على غدٍ ٍ* * * إذا أَدْلجـوا عـني ، وخُلّفتُ ثاويا
وَأَصْبَحَ مالي ، من طَريفٍ ، وتالدٍ * * * لِغَيْـري وكان المالُ بالأمـسِ ماليا
فيا ليْتَ شعري، هل تغيّرَتِ الرَّحى * * * رحى الحْرب،أو أضْحت بفَلج كماهيا
إذا القـْومُ حلّـوها جميعاً، وأَنْزَلوا * * * لها بَقـراً حُـمَّ العيـونِ، سواجِيا
وَعِـينٌ وَقَـدْ كان الظّلامُ يَجُنّها * * * يَسُفْنَ الخُـزامي نَورَها والأقاحيا
وَهَلْ تَرَكَ العيسُ المَرَاقيلُ بالضّحى * * * تَعَالِيَهَـا تَعلـو المُتـونَ القَيـاقيا
إذا عَصِـبَ الـرُّكْبَانُ بَيْنَ عُنيزةٍ * * * وبُولانَ ، عاجُـوا المُنْقِياتِ المَهَاريا
ويا لَيْتَ شعري هل بَكَتْ أُمُّ مالكٍ * * * كمـا كُنْـتُ لَوْ عَالَوا نَعِيَّكَ باكيا
إذا مُتُّ فاعْتَادي القُبُورَ ، وسلّمي * * * على الرَّيمِ ، أُسقيتِ الغَمامَ الغَواديا
تَرَيْ جَدَثاً قد جَرّتِ الرّيحُ فوقَه * * * غُبـاراً كلـونِ القسْطَـلانيّ هَابِيا
رَهِينـة أَحْجَـارٍ وتُرْبٍ تَضَمّنَتْ * * * قَـرارَتُها منّـي العِظَـامَ البَوالِيا
فيـا راكِباً إمّا عَـرَضتَ فبلّغَنْ * * * بني مالكٍ والـرَّيْبِ أنْ لا تـلاقِيا
وَبَلّغ أخي عِمران بُردي وَمِئزَري * * * وبلّغ عَجُوزي اليومَ أن لا تـدانيا
وَسَلّمْ على شيخيّ مِنيّ كِلَيْهِما * * * وبلِّغ كَثـيراً وابْنَ عمّـي وخَاليا
وعطِّل قَلوصي في الرِّكاب، فإنّها * * * ستُـبرِدُ أكباداً وتُبكـي بَواكِيا
أُقَلِّبُ طَرْفي فَوْقَ رَحْلي، فلا أرَى * * * بِهِ مـن عُيُونِ المُؤْنِساتِ مراعِيا
وبالرَّملِ منّي نِسْـوَةٌ لـو شَهِدنَني * * * بَكَيْنَ وَفَـدّيْنَ الطّـبيبَ المُداويا
فمِنْهـُنّ أُمّـي، وابْنتاها، وخالتي * * * وباكِيَةٌ أُخـرى تَهِيـجُ البَواكِيا
وما كانَ عَهْـدُ الرّمْل منّي وأهلِه * * * ذميما ً، ولا بالـرّمْل ودّعْتُ قَاليا
شرح بعض المفردات
* الرديني : الرمح القوي نسبه إلى ردينه وهي قبيلة كانت تجيد صنع الرماح
* أشقر محبوك: يعني حصانه الأشقر القوي
* تراءت :ظهرت وبدت. مرو:عاصمة خرسان .خل:ضعف
* سهيل : نجم لامع يطلع من الجنوب كان العرب يحبونه ويكثرون من ذكره
* ياصحبي رحلي: ياصاحبي في سفري
* السدر: ورق السدر العرب يستخدمونه بدل الصابون
* فضل ردائيا : الزائد من ثوبي
* بردي :ثوبي
* عطافاً: انعطف نحو الأعداء مهاجماً.أحجمت:تراجعت
* باكيه أخرى :يعني زوجته
الشرح:
ياترى هل تعود أيامنا مع الأحباب بوادي الغضا فأبيت فيه ليله أسوق النياق السريعة .
كم كنت أتمنى لو أن الغضا مشى معنا ونحن مسافرون فلم تقطع المطايا عرضه.
إن أهل الغضا أحباب مخلصون لو كانوا قريبين منا لواصلونا وزارونا ولكنهم للأسف بعيدون.
لقد كنت ضالاً فاهتديت وأصبحت في الجيش الغازي بقيادة سعيد بن عفان .
وحين أتذكر موتي ومن سيبكي عليّ لا أجد إلا رمحي وسيفي وهذا الفرس المضمّر القوي ألذي يجرٌ رسنه إلى الماء دونما فارس يسقيه .
حينما شعرت بالموت عبد مدينة مرو وضعف جسمي قلت لأصحابي : ارفعوا راسي لأرى نجم سهيل
فهو نجم محبوب لدي لأنه يطلع من نحو أهلي ، وقد لا تنتظران عندي إلا يوماً أو بعض ليله لأن أمري قد اتضح
فإذا خرجت روحي فاغسلاني بالسدر وجهزا أكفاني وأبكيا لوفاتي واحفرا قبري برؤؤس الرماح
وغطيا وجهي بالزائد من ثوبي .
ووسعا لي في قبري لأن أرض الله واسعة واسحباني إليكما بثوبي
فقد كنت أيام قوتي لايستطيع أحد أن يجرّني .وكنت انعطف على الأعداء إذا تقهقرت الخيل
وأسرع إلى نجدة من يدعوني .
آه على الرمّل بوادي الغضا إن فيه نساء لو رأينني لبكين لحالتي وفدّين الطبيب بأنفسهن
منهن أمي وأختاي وخالتي وزوجتي .ما كان أحسن أيام الرمل لقد كانت حميدة وكان أهل الرمل محبين لنا
مخلصين في ودادنا 0
التعليق
إذا تأملت هذه القصيدة العظيمة اتضحت لك فيها الخصائص الآتية:
1. أن العاطفة فيها في أوج الصّدق والحرارة لأن الشاعر حين يرثي نفسه يكون منفعلاً بإحساس لا مثيل له
إذ نفسه أغلى عليه من كل غالٍ .وهذه الخاصة جعلت هذه القصيدة من أشهر المراثي في الشعر العربي
2. المعاني فيها ابتكار وروعه كحديثه عن سيفه ورمحه وحصانه وهي تبكي بطولته وفروسيته
وفي توصياته لرفاقه تأثير موجع حقاً ومن معانيه الطريفة : قوله (( خُطّا بأطراف الأسنّة مضجعي)) .
ومن أجمل معانيه مقارنته بين حالته وهو ميت يسهل على أصحابه أن يجرّوه
وبين حالته وهو في كامل صحته حين كان من الصعب على أصحابه أن يجرّوه ،كما أنّ في ذكره لزوجته
ووالدته وقريباته ،وتصوير شعورهنّ حين يبلغن النبأ إبداعاً مميزاً .
3.الصور والأخيلة الواردة في معظم القصيدة بدويه ولكنّ بعضها يوضح جوّ ألفتوح الإسلامية
ومن الإشارات البدوية ((أزجي القلاص النواجيا / لم أجد سوى السيف والرمح الرديني باكيا /
وأشقر محبوك / سهيل / ياصاحبي رحلي / هيئا السدر / .
4.في القصيدة تكرار بليغ الوقع والتأثير ،فقد كرر كلمتي الغضا والرّمل عدة مرات
لشدت حبه لهذين الموضعين .حتى لقد كرر كلمة الغضا ثلاث مرات في بيت واحد وهو البيت الثالث ..
ثلاث لا يغل عليهن قلب امرئ مسلم إخلاص العمل لله والنصح لأئمة المسلمين، ولزوم جماعتهم. فإن دعوتهم تحوط من ورائهم وفي لفظ إن دعوتهم تكون من ورائه
ومن كان همه الآخرة جمع الله شمله وجعل غناه في قلبه وآتته الدنيا وهي راغمة ومن كان همه الدنياءفرّق الله أمره وجعل فقره بين عينيه ولم يأته من الدنيا إلا ما كتب له
بارك الله فيك يالغالي على الطرح الراقي أنت الأبداع .,..
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)
المفضلات