استمطار السحب يفتح جدلاً جديداً في الوسط الشرعي
تحقيق - نعيم تميم الحكيم
أثارت فكرة استمطار السحب لإنزال المطر جدلاً جديداً في الوسط الشرعي السعودي ، بعدما تناقلت الأنباء عزم المملكة على دراسة هذا الأمر وتطبيقه، فقد وقف بعض طلبة العلم أمام هذا النوع الجديد وأفتى بحرمته متكئاً إلى أن ذلك من ادّعاء علم الغيب ومناقض للآية الكريمة ( إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث..) فضلا عن تعطيل الأحكام الشرعية الموجبة لنزول الغيث ، وغير ذلك من الحجج، فيما رد جملة من العلماء هذا القول الشاذ وأفتوا بإباحة هذا النوع من الاستمطار ، وقالوا إن ذلك لا يتعارض مع قدرة الله تعالى ، وليس فيه أي ادّعاء للغيب ، وإلى تفاصيل التحقيق:
بداية تحدث الداعية الإسلامي الدكتور عوض القرني قائلاً: لا أرى بأساً في استخدام طريقة الاستمطار الصناعي من الناحية الشرعية فالأمر واضح ومبني على العلم وبعيد كل البعد عن المحظورات الشرعية مشيرا إلى أن بعض الاعتراضات التي قد تصدر من بعض طلبة العلم ضد بعض المستجدات العلمية الحديثة بسبب نقص العلم مضيفا أن هناك كثير ممن في الساحة الشرعية قد يتقول على بعض العلماء ما لم يقله وينسبون إليهم أحكاماً وفتاوى غير صحيحة فيضلوا الناس مبينا أنه لا يمكن الجزم بصحة ما يقال ضد طريقة الاستمطار الصناعي خصوصا بالصفة التي عليها مؤكدا أنه لا يمكن لعالم يدرك أهمية هذه الطريقة أن يقف بوجهها خصوصا أن أمتنا بحاجة إلى إبداعات العقول البشرية في مجال العلم والتقنية، لافتا إلى أن طريقة الاستمطار قائمة على تحفيز السحب عن طريق رشح مواد تساعد على تماسك بخار الماء ولا شئ في هذا وليس فيه أي مضار. وأضاف الشيخ القرني قائلا : يجب أن نسابق لمثل تلك الأساليب العلمية التي تعود بالخير على البشرية كخطوة أولية لنتحول فيما بعد لأمة مصنعة للتطوير والنهضة لا مستهلكة لها .
* إدعاء الغيب
أما الدكتور سعود النفيسان عميد كلية الشريعة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية سابقا فقال: الاستمطار الصناعي أمر مباح نظراً لعدم وجود دليل من الشرع يحرمه أو يمنعه أو حتى من العقل، مضيفا أن هذه الطريقة من العلوم المدنية والتي يعتبر الاطلاع عليها عبادة , لافتا إلى أن هذا الأمر أمر محسوب ومعلوم عند علماء المناخ والأرصاد والفلك ومبني على دراسات علمية دقيقة وليس في ذلك شيء من ادّعاء علم الغيب وإنما هو جزء من العلم الذي علمه الله لكل البشر , وأضاف الدكتور سعود قائلا والتجارب حاصلة في كثير من دول العالم وإن كانت النتائج مختلفة, مبينا أننا نعيش في بلاد صحراوية ذات مناخ جاف مما يجعلنا بحاجة لمواصلة الدراسات في هذا المجال وإجراء التجارب العلمية للخروج بأفضل نتيجة ممكنة في مجال الاستمطار الصناعي الذي أثبت علميا مدى نفعه للبشر, ورأى الدكتور النفيسان أن سبب تحريم بعض العلماء وطلبة العلم لهذه الطريقة يرجع لسبب غياب التصور الواضح لديهم عن هذه الطريقة العلمية الحديثة وقصر فهمه فقط للعنوان دون معرفة كاملة لطريقة الاستمطار وهذا في نظرهم يخالف إرادة الله وهذا أمر غير صحيح لأن كل شئ في هذا الكون مخلوق ومسخر بأمر الله والعلم الحديث يحاول أن يتقدم البشرية لما فيه خيرها ونفعها فالتصور كان لدى بعض إخواننا كان ناقصا مؤكدا أنه لو علم هؤلاء حقيقة الاستمطار لما كان هناك عالم أو طالب عالم أن بحرم ذلك أو يرده .
أمر مباح
ورأى فضيلة الشيخ الدكتور عبدالفتاح البزم مفتي دمشق أن طريقة الاستمطار الصناعي بعيد تماما عن التحريم وأنه أمر مباح ولا شئ فيه كونه لا يعتمد على موضوع الإيجاد من العدم وإنما هو عبارة علم تقديري قائم على التجربة والدراسة والاستمطار حقيقته هو عبارة عن رش الغيوم بمحرض للتكثف وبالتالي تكون فرصة نزول المطر أكبر , وأضاف قائلا : من يرى حرمة ذلك فإنه وجهة نظر له ونحن نحترم كل وجهات النظر, مشيرا إلى أن للفتوى ضوابط شرعية ومنها أن لا تصدر بسرعة وأن تصدر من أهلها بشروطها , لافتا إلى أن العلم الشرعي أصل لكل المسلمين ولكن يجب ألا نكتفى به فلابد من الإحاطة بكل العلوم ومنها العلوم الدنيوية حتى إذا وقعنا في مثل هذه الأمور الحديثة لا نستغربها بسبب عدم فهمنا لها, وأضاف يجب لنا أن نغير نظرة الغرب لنا بأننا أمة ذات نظرة قاصرة وغير حضارية بإعطاء اهتمام كبير بهذه العلوم خصوصا من طلبة العلم فالأمر يتعلق بالتجربة والبحث العلمي والتوقع وبعيد تماما عن ادّعاء الغيبيات ومخالفة أوامر الله والدليل أن عملية الاستمطار قد تصيب وقد تخيب فهي مجرد تحريض لبعض السحب التي من الممكن أن تهطل أمطارا وقد تبدل الرياح اتجاهها فلا ينزول المطر، فهذه الطريقة ليست من علم الغيب وإنما هي استخدام المعطيات الحديثة، والشرع قد أحل لنا ذلك مشيرا إلى موضوع الهلال مثلا يؤخذ بالرؤية الشرعية ولكن هذا لا يجعلنا نهمل العلم الحديث بترقب رؤية الهلال عبر المراصد الفلكية فهي مجرد وسائل مصنوعة بشرية تساهم في سعادة البشرية ودفع عجلة التنمية البشرية للأمام.
*خدمة جليلة للبشرية
وبين الدكتور وليد الطبطبائي المفكر الإسلامي المعروف وعضو في مجلس الأمة الكويتي أن الاستمطار الصناعي طريقة صحيحة ولاغبار عليها، مبينا أن الله سبحانه وتعالي يرسل الرياح لتحريك هذا السحاب وعندما يتعرض للشرارة فإنه يؤدي إلى تساقط الأمطار مبينا أن هذه الطريقة تقوم بتسهيل نزول المطر بناء على دراسات علمية بعيدة عن الدجل والكذب وإدعاء علم الغيب مؤكدا إباحة كل ما يخدم البشرية فالمجهود العلمي ما هو إلا جهود بشرية بقدرة الله عز وجل باستخدام العقل والتفكير والمنطق , مشددا على ضرورة أن يكون هناك اجتماع بين الدعاة والعلماء والمشائخ والمختصين بالأرصاد الجوية حتى يتعرفوا على أهمية الاستمطار وفوائده دون أن يحكموا على الأمر عن بعد , مشددا على أن الاستمطار لا يتعارض مطلقا مع قدرة الله وعلم الغيب وإنما هو عبارة عن تسخير القدرات العقلية في سبيل خير البشرية وهو عبارة عن رش على السحب لتحفيزه كي يتحول لقطرات مطرية وهي معادلة كيميائية مثبتة علميا وليس في ذلك أي شك مطلقا .
* دور المجامع الفقهية
وقال المفكر الإسلامي الدكتور محمد عمارة إن مسألة الاستمطار الصناعي مسألة علمية بحتة يجب العودة فيها لأهل العلم والذكر والفقهاء لبيان حلالها من حرامها وأن على المجامع الفقهية أن تقوم بدورها في توضيح تلك المسائل لأنه بذلك تتحقق الفائدة ولا تتضاد الفتوى مطالبا بضرورة وجود اجتماع بين علماء الأمة الإسلامية وعلماء المناخ والفلك والجغرافية لتوضيح فكرة الاستمطار الصناعي وفوائده على البلاد والعباد وطريقته وأسلوبه حينها يمكن للعلماء أن يصدروا فتاواهم بعد دراسة معمقة ومستفيضة للاستمطار الصناعي أما أن تكون الفتوى متعلقة بالظاهر فهذا أمر غير محمود لافتا إلى ضرورة بحث الموضوع قبل إصدار الفتوى النهائية خصوصا أنه أمر يتعلق بالعالم الإسلامي بأسره .
* سد الذرائع
أما الدكتور سليمان الضحيان عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم فقال ابتداء لا أظن أنه يوجد عالم أو طالب علم يحرم الاستمطار , وإن وجد أحد يرى بحرمته فأكثر الظن أن عمدته في هذا استناده على قاعدة سد الذرائع خوفا من إثارة شبهة الاستغناء بالاستمطار عن صلاة الاستسقاء لكن هذه الشبهة منتفية لأن الذي أمرنا بصلاة الاستسقاء أمرنا كذلك بفعل الأسباب , والاستمطار من بذل السبب فدعاؤه لإنزال المطر لا ينافي بذل الوسع والحيلة في تكثيف السحاب لينزل المطر إلا بمشيئته سواء بالاستسقاء أم بالاستمطار إذ لو شاء لما أنشأ السحاب والاستمطار لا يكون إلا بوجود سحاب ثم إن الذين يحرمون الاستمطار يلزمهم تحريم تجميد الماء وتحويله إلى ثلج لأن البرد والثلج يسقط من السحاب أيضا , فالاستمطار والتثليج من جنس واحد وهو تحويل المادة من حالة إلى أخرى فالتثليج تحويل الماء إلى ثلج والاستمطار تحويل الضباب إلى بخار الماء وتحويل المواد من حالة إلى حالة مما أقدر الله البشر عليه منذ فجر البشرية فقد حولوا الماء إلى بخار والخشب إلى نار ودخان وغير ذلك مما لا يحصى , وكل ذلك من تسخير الله الطبيعة للإنسان وفقا لقوله تعالي ( وخلق لكم مافي الأرض جميعا ).
http://www.almadinapress.com/index.a...ticleid=204351
المفضلات