نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

أيام من حياتي
د . زهير أحمد السباعي
مكتبة العبيكان
.........................................
كتاب جميل جداً من أجمل ما قرأت من كتب
سوف نبحر معه بإذن الله
............................
- تمهيد –
هذه قطوف من الذكريات سميتها أيام من حياتي ، آمل أن استعرض فيها لمحات من حياتي ، ترددت كثيراً قبل أن أقدم على كتابتها
، إلى جاءت زيارتي إلى الولايات المتحدة الأمريكية في صيف عام 2نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعيم لتحسم هذا التردد
إذ أثارت في نفسي من الخواطر و الذكريات ما جعلني أقرر البدء في كتابة مذكراتي عل في بعض جوانبها شيئا من الفائدة .
ماذا سأقول ؟ و هل أقول كل ما عندي ؟
ذلك أمر مستحيل ، فلكل منا جوانب في حياته يحرص على أن يبقيها لنفسه .
لا أقل إذن من أن يتسم حديثي بالصدق و الموضوعية ، هذا إذا كان في الحديث عن النفس قدراً كافٍ من الموضوعية .
يبقى سؤال آخر يطرح نفسه ، لِمَ أكتب ذكرياتي ؟
الإجابة هنا سهلة و ممتنعة في آن واحد ، من السهل أن أدعي بأن دافعي للكتابة هو إلقاء الضوء على تجربتي في الحياة ،
حلوها و مرها ، و ما قد يكون فيها من العظة و العبرة للشباب ، و أصعب من ذلك أن أقول إن فيها شيئاً من تحقيق الذات .
سوف أقسم ذكرياتي إلى مراحل : نشأتي في مكة المكرمة ، و دراستي في مصر و ألمانيا و أمريكا ،
ثم و أنا في معترك الحياة الوظيفية .
و لا يسعني إلا أن أشكر الزميلين و الصديقين الدكتور راشد بن راجح الشريف و الدكتور صالح المالك على مقترحاتهما القيمة
التي أبدياها على مسودة ( أيام من حياتي ) .
***
الفصل الأول
نشأتي في مكة المكرمة
( رزق الأستاذ الشيخ أحمد السباعي مدير الشركة العربية للطبع و النشر بمولود أسماه زهير ،
أقر الله به عيون والديه و رزقه العمر الطويل .
و يلاحظ أن الأستاذ السباعي من دعاة إحياء الأسماء العربية التليدة ، فقد أسمى ولده الأول أسامه ،
فحبذا لو شاعت هذه الفكرة في بلادنا العربية ) .
نشر هذا الخبر يوم الأربعاء 24 المحرم سنة 1357هـ الموافق 15 مارس 1939م في جريدة صوت الحجاز التي كانت تصدر في مكة المكرمة ،
يوم أن كان والدي الأستاذ احمد السباعي يرحمه الله يرأس تحريرها .
تزامن قدومي مع هذه الحياة مع بداية الحرب العالمية الثانية ، و ترددت على سمعي و أنا أدرج بعد في طفولتي المبكرة كلمات متناثرة عن الحرب
لا يربطها رابط ، و لا تجسد لي معنى ، و اقترنت بها في الوقت نفسه أسماء غامضة لعوالم لا أدري كنهها ، برزت من بينها كلمة البحر .
و كان إلى جوار بيتنا ( بازان ) يستسقي منه سكان الحي ، فكنت أتساءل بيني و بين نفسي هل البحر مثل البازان ؟
في سن الخامسة رأيت البحر لأول مره و تدريجيا تفتحت بعض مداركي المغلقة .
سنواتي الأولى قبل أن التحق بالمدرسة ضبابية المعالم لا أملك أن أحدد ملامحها إلا بالقدر اليسير .
سبقني إلى الدنيا ثلاثة إخوة ابنتان و صبي هو أخي أسامه .
جميعهم إخوتي من أبي فقد تزوج أبي بثلاث نسوة قبل أمي أنجب من كل منهن ولداً و كانت أمي الأخيرة تغمدهم الله جميعاً بوافر رحمته .
صورة والدي غائبة عن ذاكرتي في فترة طفولتي الأولى فقد كان مشغولاً بعمله في جريدة صوت الحجاز و مفتشاً في وزارة المالية ،
و مطوفاً كثير الترحال إلى مصر ، لا أحتفظ في ذاكرتي إلا بصورة أمي و إخوتي و سيدات العائلة من عمات و خالات و قريبات .
ذكرياتي الأولى تتداخل مواقف و أحداث أذكر بعضها بشيء من الوضوح ، منها ما اختزنته الذاكرة ، و البعض مما سمعته من حكايات .
لعل من أبرز ذكريات طفولتي صوراً من حنان أمي المفرط علي و حزم أبي .
أذكر موقفين يتمثل فيهما طرفا النقيض من تدليل أمي و حزم أبي .
كنا نسكن بيتاً من بيوت مكة القديمة في حارة الشامية ، بيتاً من خمسة طوابق ، أراني و أنا بعد في الثلاثة من العمر أصعد درجات البيت
من أسفله إلى أعلاه أنادي أمي حتى إذا ما سمعت ندائي عدت أهبط الدرج إلى أسفله ،
و تهرع أمي ورائي قلقلة فزعة و أنا أدّعي البكاء فتحملني إلى أعلى البيت .
في المقابل كان للوالد أسلوب في التربية يميل إلى الحزم و لا أقول القسوة .
كان له مجموعة من الأصدقاء ( بشكة ) يسهرون عنده كل مساء في مجلس له أسفل البيت ، و يعن له أن يطلب مني و أنا بعد في سني تلك الغضة
أن أرقى إلى أعلى البيت لأحضر له شيئاً ما ، أصعد الدرج متلمساً طريقي في ظلام دامس لأحضر له ما أراد ،
و أمي من رائي تبسمل و تحوقل خيفة ما قد يخبئه لي الظلام من عوالم سفلية .
و لما كانت شخصية الإنسان تتبلور معالمها في السنوات الأولى من حياته ، فإني لأرجو صادقاً أن يكون تأثير حزم أبي علي أكبر من تدليل أمي لي .
نشأت طفلاً هزيلاً ضعيف البنية ، تخشى علي أمي من لفحة الهواء و أعين الحساد ، لو ترك لها الأمر لما تركتني أغادر البيت .
البخنق ( غطاء يلف الرأس و الرقبة ) لا يكاد يفارقني ، و أحجبة تحيط عنقي حماية لي من الحسد و الجن .
من حسن حظي أني رزقت طبيعة تنفر من القيود ، و لا تتقبل الأمور قضايا مسلمة ،
فكنت أغافلها و أتخلص من ( البخنق ) و الأحجبة في احتجاج تسمح به طفولتي ، و أقابل حرصها الشديد على سلامتي باستغراق أشد في اللعب ،
و قد أعود إليها بجروح و كدمات فأتجلد لأبدو أمامها رجلاً .
مرضت بالحصبة و اشتدت علي وطأتها حتى وصلت إلى مرحلة المضاعفات ، و ارتفعت درجة حرارتي حتى إن الرغيف لو وضع على جسمي لنضج ( هكذا قيل لي !) فتولتني أمي برعايتها و طببتني بما تعرف من ألوان الطب الشعبي ، و بما نصحت به جاراتها .
لفتني بكمادات الماء و الخل و سقتني أمزجة من الأعشاب و رقتني بما تحفظ من تعاويذ ، و لم تفلح محاولاتها فاشتدت علي وطأت المرض .
و عاد أبي من سفرةٍ له فوجدني مشرفاً على الهلاك ، أسرع إلى صديقه الدكتور حسني الطاهر فعالجني بطبه ، و شفيت بقدرة الله .
لم يكن في مكة يوم ذاك علاج إلا في مستشفى أجياد و التكية المصرية ، و بضع محدودة من عيادات الأطباء من مصريين و هنود ،
و لم يكن بينهم طبيب سعودي واحد .
إضافة إلى ما كان يمارس من ألوان الطب الشعبي من كي و حجامة و رقية و أعشاب طبية .
ذكريات الطفولة تتضح معالمها مع دخولي المدرسة الابتدائية ....
نكمل غداً بإذن الله