احبتي في الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته


هل يستطيع العرب مقاطعة امريكا .... وهل يمكن ان تخرج دعوات المقاطعة العربية لامريكا الي حيز التنفيذ .... اعتقد ان الاجابة ستكون سلبية وساقدم هنا تحليلا يعزز هذا الاتجاه
اذ يرى عدد من العرب وانا من بينهم ، أن مقاطعة الولايات المتحدة خاصة في المجال الاقتصادي سيؤثر سلبا على حجم الصادرات الأمريكية إلى المنطقة العربية مما سيكون له تأثير على بعض الشركات الأمريكية والمدخولات الأمريكية بصورة عامة. في هذا ما يشكل ضغطا على الولايات المتحدة شعبا وحكومة ويدفع باتجاه التفكير جديا في تغيير السياسات الأمريكية المنحازة ضد العرب ولصالح إسرائيل. يؤدي التأثير على مستويات الدخل في الولايات المتحدة إلى التفكير بالمصالح، وربما يقود الأمريكيين إلى الاستنتاج بأن مصالحهم الاقتصادية والمالية مع العرب تقتضي إحداث تغيير في سياساتهم الخارجية والبحث عن وضع يتناسب مع هذه المصالح. هذه رؤية لها مصداقية في التاريخ السياسي للأمم من حيث أن الأمة لا تغامر بمصالحها ولا تضعها موضع تهديد لصالح أمة أو دولة أخرى.
..... الا انه على الرغم من كل الكلام المنطقي والعلمي الذي يمكن أن يصاغ حول هذه المسألة، يبقى السؤال الهام يدور حول إمكانية الفعل وتطبيق المقاطعة فعلا. حتى تتضح الصورة، من المهم تصنيف ما نأخذه أو ما نستورده من الولايات المتحدة عل في ذلك ما يساعد في كيف نتخذ القرار الذي يمكن تطبيقه فعلا. نحن نأخذ ونستورد ما يلي:

أولا: الفكر. الجهود متواصلة في الوطن العربي لاستيراد الفكر الرأسمالي وما يتبعه من فكر ديمقراطي. المساعي كثيرة نحو استيراد الفكرين الاقتصادي والسياسي واللذين تقول عنهما الولايات المتحدة أنهما أفضل ما توصلت إليه الإنسانية وأنه لا منافس لهما إن أراد الإنسان الاستمرار في التقدم والعطاء. يعج الناس في الوطن العربي الآن بالمؤسسات المدعومة غربيا وأمريكيا على وجه الخصوص والتي تدعو إلى تطبيق الديمقراطية والتعددية والتي ترى أن حرية رأس المال أساسية في إحداث نقلات اقتصادية نوعية مؤدية إلى الانتعاش والازدهار. وقد نشأت عبر السنين فئة أو شبه طبقة من المثقفين تتلقى أموالا أمريكية وتروج للفكر الأمريكي، ويتربع هؤلاء المثقفون الآن على مؤسسات إعلامية واقتصادية هامة، وعدد لا بأس به منهم يحظون بتغطية إعلامية واسعة ويتصدرون العديد من البرامج الثقافية في محطات التلفاز العربية. ومن هؤلاء من انخرط في الماسونية ويقود عملية التطبيع مع إسرائيل.

ثانيا: الثقافة. يتلقى العرب الكثير من برامجهم التثقيفية والترفيهية من الولايات المتحدة الأمريكية. ويعرضونها على شاشاتهم الصغيرة الموجودة في البيوت. بات أبناء الأمة العربية متأثرين بالأنماط الأمريكية المختلفة مثل ترتيب البيوت وسلوك الاستهلاك والفهلوية الشرطية (البوليسية) وطراز اللباس، الخ. غزت الملابس الأمريكية الأسواق العربية وأنواع الأطعمة وأشرطة الأغاني والموسيقى وغير ذلك. تدخل الثقافة الأمريكية بطريقة تبهر جزءا لا بأس به من أبناء الأمة، وهي تزحف على حساب الأصالة العربية والتطلعات إلى تطويرها.

ثالثا: التحصيل العلمي. عدد كبير من أبنائنا يتلقون تعليمهم وتدريبهم في الولايات المتحدة الأمريكية. شئنا أو لم نشأ، الولايات المتحدة تقود العالم علميا وتقنيا في الكثير من المجالات وهي محط أنظار الكثيرين في العالم الراغبين في الحصول على تحصيل علمي متقدم. نحن خلف الولايات المتحدة علميا، هذا إن جازت المقارنة أصلا، ونحن بحاجة إلى التقنية الأمريكية وإلى المدربين الأمريكيين. ربما نستطيع سد بعض احتياجاتنا العلمية والتقنية من دول أخرى مثل اليابان وألمانيا، لكنني لا أظن أننا نستطيع التخلي تماما عما تقدمه الولايات المتحدة من علم وتقنية.

رابعا: الغذاء. يستورد العرب جزءا كبيرا من احتياجاتهم الغذائية من الولايات المتحدة. نحن لا ننتج القمح الذي يسد الرمق ولا البقوليات الكافية ولا الزيوت واللحوم. من المؤسف أن العرب يستوردون أكثر من ثلثي احتياجاتهم الغذائية، والنسبة تزداد مع السنين. أمريكا مصدر أساسي للمواد الحيوية الضرورية لحياة البشر، وهي تقدم مساعدات غذائية لبعض الدول العربية الفقيرة نسبيا. وإلى جانب هذه المواد الضرورية يستورد العرب مواد غذائية غير ضرورية مثل رقائق البطاطا ورقائق الذرة والمشروبات.

خامسا: المواد الاستهلاكية الدائمة مثل البرادات والأجهزة الكهربائية المختلفة والسيارات والرافعات والجرافات وغير ذلك. المنتجات الأمريكية موجودة في كل ركن وزاوية في الوطن العربي وتقبل البيوت على شرائها إلى درجة أن هناك هوسا بها. يفخر البعض في المجالس والنوادي أنهم اشتروا بضاعة أمريكية يصفونها بالمتينة والمعبر الحقيقي عن الرفاهية.

سادسا: المواد الحربية. نحن نستورد من الولايات المتحدة الدبابات والمدافع والطائرات والصواريخ ومختلف أسلحة الدمار، وربما ترغمنا أمريكا على شرائها. ليس واضحا تماما لماذا نشتري هذه الآليات واللعب الحربية أو نُرغم على شرائها، لكن من الواضح أن الولايات المتحدة هي مصدرنا الرئيس، وهي التي تحقق الأرباح الهائلة.

سابعا: المعلومات والاتصالات. أمريكا هي خزان المعلومات الأول في العلم وهي الرائدة في تقنية نقل هذه المعلومات وفي سرعة الاتصالات ودقتها وأيضا مراقبتها. طورت الولايات المتحدة شبكة اتصال عالمية اعتمدت بشكل رئيسي على تطورها التقني في عالم الفضاء، وكذلك شبكة معلومات سهلة التناول وسريعة وتشكل شبكة المعلومات (الانترنيت) عمودها الفقري. وعلى الرغم من أن العرب ما زالوا خلف العديد من الأمم في الاستفادة من هذه الشبكات العالمية إلا أن نطاق استخدامها يزداد مع الزمن.

..... إلى جانب هذه الأمور الهامة في اعتمادنا على الأمريكيين أو تأثيرهم فينا، هناك قضايا متعلقة بنا وهي على جانب كبير من الحيوية عند البحث في المقاطعة . من هذه الأمور:

1- الأمة العربية الآن ليست محصنة أمنيا سواء على الصعد العسكرية أو الغذائية أو الفكرية أو الثقافية.

2- هناك انفصام بين الفرد والحكومة أو المؤسسة العامة. الثقة المتبادلة غائبة إلى حد كبير، والعلاقات تعاني من الشكوك والريبة. الأنظمة لا تلبي الطموحات ولا تتمتع بتمثيل حقيقي والفرد لا يجد طريقا حرا نحو المشاركة في صنع القرار.

3- يعاني الفرد في الوطن العربي من الاغتراب ويعاني من قمع سلطات ثلاث كفيلة بإصابته بعدم التوازن وهي السلطة الاجتماعية المتمثلة بالنظام الاجتماعي المدعوم بتقاليد وعادات بالية والسلطة السياسية المدعومة بأجهزة القمع والسلطة الدينية التي تختفي وراء كم هائل من التفصيلات الفقهية التي تحاصر الإبداع الإيماني. وبالتالي لا يجد الفرد نفسه مبادرا أو قادرا على المبادرة.

4- الأمة العربية ليست ذات قرار واحد أو موحد، وتفرض التجزئة عليها الضعف الذي يبقي الدولة القطرية عاجزة أو تابعة للآخرين. ويبدو في أحيان كثيرة أن القرار العربي لا يتم اتخاذه في الوطن العربي.

5- بصورة عامة هناك انفصال بين الوعي النظري والوعي العملي أو بين الوعي النظري والإرادة. يعبّر المواطن عن فهم لما يجري على الساحة العربية ويتحدث عن طروحات تخرج العرب من مآزقهم لكنه لا يملك قوة الدفع الكافية أو الإرادة للإصرار على ما يعتقد أنه الحق أو الطريق الصحيح الذي يجب اتباعه.

.....إذا تفاعلت عناصر اعتمادنا على الولايات المتحدة مع عوامل ضعفنا نجد أن تنفيذ المقاطعة ليس بالأمر الهين أو البسيط. قضية المقاطعة لا تتطلب مجرد إعلانات في الجرائد أو تصريحات في وسائل إعلام أو حوارات، ولا يمكن أن تستند إلى رغبات آنية وانفعالات سياسية. المقومات التي صاحبت مقاطعة العمال العرب لسفن الشحن الأمريكية في الموانئ العربية عام 1960 كعقاب على مقاطعة سفينة شحن مصرية في ميناء نيويورك لم تعد موجودة إلى حد كبير. لا مجال هنا للبحث في أسباب هذا الغياب، إلا أن العرب اليوم غير عرب الأمس، وهمة الإنسان العربي في التصدي اختلفت عما كانت عليه

لذا اعتقد انه ليس بامكان العرب مقاطعة امريكا في ظل المعطيات انفة الذكر
وهي عملية لتنفيذها يتوجب علي الامة القيام باجراءات طويلة وعرريضة وتهيء نفسها اقتصاديا وعلميا وقبل ذلك ثقافيا لمثل هذه العملية
.... قد يستطيع العرب تنفيذ مقاطعة جزئية مثل مقاطعة "بعض" المنتوجات التي لها بديل عربي او اسلامي لكن يبقي ذلك في اطار المحدود ذو التاثير المحدود

اسف علي الاطالة
تحياتي
ناصر