وعندما عزم البلوي على الرحيل عن بلده في رحلته التي دونها في تاج المفرق وذلك في ضحوة يوم السبت الثامن عشر لصفر من عام736هـ/ 1335م مودعاً للأهل والأصدقاء, نجده يتجرع آلام الفراق لا بل انه عندما غادر بلده وودع أهله كأنه فارق روحه ففي تلك اللحظات العاطفية الجياشة قال:
ودعت قلبي يوم ودعتهم
وقلت يا قلبي عليك السلام

وقلت للنوم انصرف راشداً
فإن عيني بعدهم لا تنام
محرم يا عين ان ترقدي
وليس في العالم نوم حرام
وهاهو يعبر نثراً وشعراً عن هذا الموقف مرة أخرى فيقول: وقد أعدت الركاب, وطاشت الألباب, وحضر للوداع جميع الأحباب, وأنا أصبر كصبر ميت على النزاع, وأقول ما خلق الله من عذاب أشد من وقفة الوداع, أعالج السياق, وأعاين المنايا بين أخفاف النياق, ثم يقول:
أقول لصحبي حين ساروا ترفقوا
لعلي أرى من بالجناب الممنع
وألثم أرضاً ينبت العز تربها
وأسقي ثراها من سحائب أدمعي
وينظرطرفي أين أترك مهجتي
فقد أقسمت أن لا تسير غداً معي
وما أنا إن خلفتها متأسفاً
عليها وقد حلت بأكرم موضع
ولنعش مع أشعار البلوي الشجية عندما ارتحل عن بلده, وأخذت تنازعه وساوس النفس, هل سيمتد به العمر ويعود مرة أخرى اليها, إنه شعور المسافر الذي لا يعلم ماذا يخبئ له القدر أثناء ترحاله, فقد عبر عن تلك الهواجس شعراً حين قال:
ليت شعري أنلتقي بعد هذا
أم وداعاً يكون هذا اللقاء
فاذكروني وزودوني دعاء
خير زاد تزودوني الدعاء
وتتكرر الصورة في كل موقف وداع في معظم المناطق التي زارها في رحلته وهي كثيرة فقد أنشد أبياتاً معبرة عن الفراق حين قال :
ماذا وقوفك والركاب تساق
أين الجوى والمدمع المهراق
ألغير هذا اليوم يخبأ أو ترى
بخلت عليك بمائها الأماق
حتى لقد رحلوا بقلبك والكرى
إن النواظر لا الدموع تراق
وتتدفق عاطفة البلوي الايمانية فياضة رقراقة عندما تتراءى له المدينه المنورة ، فتتوارد لدية الأفكار تجيش به العواطف المفعمه بحب المصطفى صلى الله علية وسلم ، فيا له من موقف مؤثر صوره أبو البقاء البلوي اجمل تصوير حين خط ببنانه ارتجالا قصيدة هي أشبة بلوحات عاطفيه مجسدة تصور لقاء المحبوب مع حبيبه ذلك اللقاء المفعم بالحرقة والشوق ، والاعتراف بالذنب لطول الفراق وعدم التعجيل بالقاء مع كبير الامل والرجاء بأن يصفح المحبوب الزله ويقيل العثرة فقد قال :
الله أكبر حبذا إكباره لاح الهدى وبدت لا أنواره
لاحت معالم يثرب وربوعها مثوى الرسول وداره وقراره
هذا النخيل وطيبة ومحمد خير الورى طرا وها أنا جاره
هذا المصلى والبقيع وهاهنا ربع الحبيب وهذه آثاره
هذي منازله المقدسة التي جبريل ردد بينها تكراره
هذا مواضع مهبط الوحي الذي تشفى الصدور من العمى أسطاره
هذه مواطىء خير من وطىء الثرى وعلا على السبع العلا استقراره
ملأ الوجود حقيقة أشراقه فأضاء منه ليله ونهاره
والروضة الفيحاء هب نسيمها والبان بان ونم منه عراره
وتعطرب سلع فسل عن طيبها لم لا تطيب وحولها مختاره
بشرك يا قلبي فقد نلت المنى وبلغت ما تهوى وما تختاره
قد أمكن الوصل الذي أملته وكذاك حبي أمكنت اسراره
قد كان عندي لوعة قبل اللقاء فالآن ضاعف لوعتي ابصاره
رفقاً قليلاً يا دموعي أقصري فالدمع يحسن في الهوى أقصاره
قد كانت العين الكريمة في غنى عن أن يفيض بتربها تياره
أيضيع من زار الحبيب وقد درى ان المزور بباله زواره
أيخيب من قصد الكريم وعنده حسن الرجاء شعاره ودثاره
أيؤم بابك مستقبل عاثر فيرد عنك ولا تقال عثاره
حاشا وكلا أن تخيب آملا فيعود صفراً خيبت أسفاره
يا سيد الارسال ظهري مثقل فعسى تخف بجاهكم أوقاره
رحماك الصغار وقد تعاظم وزره والعفو تصغر عنده أوزاره
شط المزار ولا قرار وشدما يلقي محب شط عنك مزاره
وافى حماك يفر من زلاته واليك يا خير الانام فراره
وأتاك يلتمس الشفاعة والرجا اقتاده وظنونه أنصاره
والعبد معتذر ذليل خاضع ومقصر قد طولت أعذاره
متسول قد اغرقته دموعه متنصل قد أحرقته ناره
قذفت به في غربه أوطانه ورمت به لعلائكم أوطاره
فامنن وسامح واعف واصفح واغتفر فلأنت ماح للخطا غفاره
صلى عليك الله ما حيا الحيا روض الربا وترنمت أطياره
أجل إن ما تقدم من اختبارات من شعر أبو البقاء البلوي تدل دلاله واضحه على شاعرية متمكنه ، وموهبه ملكت ناصية التعبير فانقادت لها الكلمات فتشكلت منها صور شعرية رائعة تنبض بالحياة والحركة .
هذا ولم تتوقف مواهب البلوي عندما ذكرنا من جمعه لتلك المعارف بل كانت له يد طولى وشأن يذكر في الموشحات ونختم الحديث عن أبي البقاء بما ختم به المقري حين قال : ومحاسنه كثيرة وفي الرحلة منها جملة
ومنهم الأديب الشاعر الأبرش البلوي ، عبدالله بن ابي العباس الأبرش البلوي ، من أهل باجة القمح ، وهو شاعر قديم معروف بحب الغريب من اللغة ، وله أراجيز كثيرة ومن نماذج شعره الذي يعتز فيه بقبيلته :
وحول بيوت الحي جرد ترى لها إذا ما علا صوت الصريخ تحمحما
وفي الحي فتيان تخال وجوههم إذا سفروا في ظلمة الليل أنجما
زنود النهى سحب الندى أنجم الهى بدور السنا عرق الوفا أسد الحمى
هم أقدم الاملاك ملكا وسؤددا ومجد وآلاء وفخراً ومسلما
فمنهم زهير بن الجناب الذي سقى كؤوس الردى حي معد وأطعما
وألبس لابني وائل ذلة وألزم دار الهون من كان أحزما
فلما سطا الجبار أبرهه الذي يصول الردى إن صال يوماً وصمما
ومنها :
ونحن مننا بالقطاقط منة بأسرى تميم بعد حولي لأكثما
معالي بني قحطان بيض زواهر يرى غيرهم بين السماكين معلما
هم تركوا في ذلك اليوم هرقلاً وأشياعه للبيض نهباً مقسما
وهم دافعوا عن نفس بهرام فارساً عداه بهم برواز لاذ وخيما
إذا ماتتوجنا فلا ناس غيرنا ونمنع من شئناه أن يتعمما
وكنا ذوي التيجان قبل محمد ومن بعده نلنا الفخار المعظما
نصرنا وآوينا ونلنا بنصرنا له شرفاً ضخماً وعزاً مقدما
فقل لمنايونا : صهٍإن عزنا جميع ملوك العجم والعرب أرغما
ألسنا ضربنا بالسيوف وجوهكم على الدين حتى قد أبنتم عن العمى
وقدناكم للحق قوداً وأنتم ترون الهدى غياً وجرماً محرما
ونحن جعلنا للبهاليل منكم على الدين من فوق العذارين ميسما
الى أن علا الاسلام وانتشر الهدى وأصبح دين الله أكرم منتهى
وأشرقت الدنيا لأحمد وارتمت بنا همة الاسلام أبعد مرتمى
ففاخر بقحطان بن هود ويعرب إذا أنت فاخرت امرءاً فهما هما
ومن شعره أيضا :
يا ذا الذي في خده جيشان من زنج وروم
هذا يغير على القلو بـ وذا يغير على الجسوم
إني وقفت من الهوى في موقف صعب عظيم
كوقوف عارضك الذي قد حار في ماء النعيم
صاح الجمال به فعرج خيفة كجناح جيم
ويعد الشاعر الاديب احمد بن محمد بن فرج البلوي المعروف بالبساري من مشاهير شعراء قبيلة بلي في الاندلس في القرن الثالث وبالتحديد في عهد عبدالرحمن بن الحكم ( 206 – 238 هـ / 821 – 852 م ) ومن نماذج شعره تلك القصيدة التي هجا بها الوزير حامد بن محمد الرجالي :
فعل اللئيم وليلته لم يفعل وأتى بفعل مثله لم يجمل
ذبح الضفادع في الصنيع ولم يدع للنمل جارحة ولا للقمل
وضع الطعام فلو علته ذبابة وقعت لتكمل شعبة لم تكمل
وكأنما خرطت صحاف طعامه من دقة ودمامة من خردل
وكأن فترة صحفه في البعد والإبطاء فترة مرسل
ومن شعراء بلي الظرفاء الشاعر أبو بكر عبدالرحمن بن سليمان البلوي السبتي وهو أديب شاعر من اهل العلم له أشعار لطيفة في ممازحة الاصدقاء
روى ابن حزم في طوق الحمامه انه كان يجتاز الطريق مع عبدالرحمن البلوي الشاعر السبتي فأنشده البلوي لنفسة :
سريع الى ظهر الطريق وانه الى نقض اسباب الموده أسرع
والى جانب هؤلاء الشعراء تذكر لنا المصادر أسماء بعض النسوة من هذه القبيلة ممن قرضن الشعر ومن هذه النسوة أم ضيغم البلويه ، وهي شاعرة من شواعر العرب ، قالت :
وبتنا يقيناً ساقط الطل والندى من الليل برداً يمنه عطران
نذود بذكر الله عنا من الشذى إذا كان قلبانا بنا يجفان
وذكر عمر رضا كحال ايضا بأن خيرة بنت أبي ضيغم شاعرة من أظرف الشواعر .
ومن الجدير بالملاحظة ان قبيلة بلي قد قدمت لنا علماء رواداً في حقل البلاغة والنثر ، فأهل البلاغة يذكرون بكل تقدير الكاتب البليغ البلوي الذي عاش في أوائل العصر العباسي الاول وعاصره ولاة أبي جعفر المنصور والمهدي وهارون الرشيد على بلاد اليمن التي عاش فيها .
لقد نصب بشر البلوي نفسه لدفع ظلم الظالمين وفجور الفاجرين وتحيز المتحيزين ، فكتب عدة رسائل الى حكام وولاة الدولة العباسية ينهج فيها اسلوبا جديداً اعتمد فيه على اقتباس من القران الكريم فجاءت كلماته درراً لامعه تأسر من يقرأها وقد وصف بعض الأدباء بلاغته بأنها كانت تتهادى في البلاد وكان فيها مأخذ لم يسبقه اليه أحد ولم يلحق فيه ، وانه فيها أوحد ، وانه لا بشابه في بلاغته البلغاء ، وانه منفرد بحسن الاقتباس من آي الذكر الحكيم .
هذا وقد نشرت هذه الرسائل اخيراً وصدرت في كتاب يحمل اسم رسائل بشر البلوي .
هذا لمحة سريعة أردنا من خلالها ان نبرز بعض اسهامات هذه القبيله في الحياة الادبية في الدولة الاسلامية عبر ادوارها التاريخية ، علماً بأنه يوجد العديد من الشعراء والادباء الذين لم نعرج عليهم .