الكاتب( محمد بن علي الهرفي)

في مقالة (أتضيع لغتنا أيها "القاضي" حمد؟ )

على صفحات جريدة الوطن العدد(2552) في يوم الثلاثاء الموافق13/09/1428هـ

الأخ العزيز "القاضي حمد" حسب لغة بني "إنجليز" أو "حمد القاضي" حسب لغة بني "يعرب" كتب قبل سنوات مقالاً جميلاً يتحدث فيه عن انتشار استعمال اللغة الإنجليزية في المحلات التجارية والفنادق ومزاحمتها للغة الأساسية لأبناء الوطن وكيف أن الواحد منا يضطر للحديث باللغة الإنجليزية ـ إن كان قادراً ـ مع موظف الفندق ـ مثلاً أو البائع وكيف يضطر لاستلام فاتورته بذات اللغة الأجنبية من كثير من أصحاب المحلات التجارية التي يملكها سعوديون، وأشار الصديق لخطورة هذا الوضع وطالب وزارة التجارة بالتدخل لإنهاء هذه "المهزلة" التي لا تتفق مع توجهات الوطن ولا أنظمته.
بطبيعة الحال لم تتحرك وزارة التجارة ولا أظنها ستفعل، ولكن المشكلة لم تقف عند هذه الوزارة بل تجاوزتها إلى ما هو أسوأ من ذلك بكثير!
لست أدري ماذا يصنع قاضينا "حمد" وهو يرى الزحف المرعب على اللغة من أصحاب الاختصاص القائمين على أهم مرافق الوطن وهو التعليم... لست أدري كيف سيحكم "القاضي" على الأوضاع المختلة التي لم تعد مفهومة وهو يرى المطالبات بتحويل لغة التعليم في القطاع الخاص إلى لغة أخرى لا تمت إلى لغتنا بصلة.
هل سيصمت "القاضي" مطبقاً قول الشاعر:
ولو كان سهماً واحداً لاتقيته: ولكنه سهم وثان وثالث. أم إنه سيتحرك وكل "القضاة" الآخرين ليقولوا كلمة الفصل في هذه المسألة التي غمزت ثقافتنا حتى وإن كان الحديث عنها ما يزال في بداياته؟
تذكرت مقالة العزيز حمد القاضي وأنا أقرأ في "الشرق الأوسط" تاريخ 29/6/2007م أن الكنيست الإسرائيلي مرر مشروع قانون بالقراءة الأولية يلزم أصحاب المحلات التجارية بكتابة اللافتات باللغة العبرية الواضحة وإلا كان جزاؤهم سحب تراخيص المحلات.
وقد أكدت صحيفة "معاريف" أن الكنيست يعارض كتابة اللافتات باللغة الإنجليزية حتى لا تزاحم أي لغة أخرى اللغة الأم لليهود. وقد نسبت "الشرق الأوسط" لعضو الكنيست "وافي لارنر" عن حزب "المفدال" قوله "لا يوجد عندي أدنى شك بأن المجتمع الإسرائيلي إذا أراد الحفاظ على طابعه اليهودي عليه أن يعزز منزلة اللغة العبرية".
وقال هذا العضو "كمجتمع ودولة فإن اللغة العبرية تشكل استمرارية لسلالة أجيال بدأت قبل الآلاف من السنين".
اللغة كما يقول هي التي تجعل الأجيال في استمرار متواصل، والاستمرار هنا يعني التواصل الثقافي والحضاري الذي يمد الوطن بأجيال متناغمة تحافظ عليه دائماً..
ليتنا نتوقف قليلاً لنفهم عمق هذه المسألة كما يفهمها الآخرون! وفي هذا السياق ما زلنا نتذكر المقالات الكثيرة التي كتبت عن جامعاتنا ومراكزها المتأخرة ضمن الجامعات العالمية الأخرى، وبغض النظر عن دقة هذا التصنيف من عدمها إلا أن التأخر العلمي في الجامعات أمر لا يمكن تجاهله قياساً على جامعات أخرى كان يجب ألا تكون أفضل حالاً من جامعاتنا..
الجامعات الإسرائيلية كان من بينها عدد من الجامعات الألف المصنفة رغم أنها الأفضل عالمياً بينما لم نجد جامعات عربية تدخل ضمن هذا التصنيف، ومعروف أن التعليم الإسرائيلي كله سواء أكان في الجامعات أم في المدارس الحكومية أو الأهلية باللغة العبرية، بل إن الجامعة الأولى في إسرائيل تسمى "الجامعة العبرية" نسبة إلى لغة القوم كل ذلك كان اهتماماً واضحاً بلغتهم وحرصاً على إعطائها القوة والحياة والاستمرار ذلك أن هذه اللغة كانت قد ماتت منذ قرون ولم يكن لها وجود إلا في بطون الكتب المقدسة فلما أدركوا أنها سر وجودهم واستمرارهم كان لابد لهم من إحيائها بكل الوسائل..
لم ينقص من مكانة "الجامعة العبرية" أنها تدرس طلابها بلغة بلادهم ولم ينقص مكانة إسرائيل العلمية والصناعية تدريسها بلغتها الأم وكلنا نعرف تقدمها العلمي وتصدرها لمعظم أنواع الأسلحة وسواها، وما كانت اللغة حائلاً بينها وبين المعرفة، بل إن السبب الأهم في هذا التقدم هو محافظتها على لغتها..
أذكر هذا كله لأقول لكل المنادين في بلادنا باستبدال لغتنا بلغة أخرى بحجة البحث عن التقدم العلمي إنكم واهمون وإن الضعف كل الضعف سيكون حليفاً لكل ما تفعلون..
لقد كتبت سابقا عن مسألة التعريب في الجامعات عندما كنت أقول إن جامعاتنا يجب أن تدرس بلغتنا، واستشهدت آنذاك بما تفعله الجامعات اليهودية التي تكلف أساتذتها بترجمة كل الكتب ومهما كانت لغاتها إلى اللغة العبرية وتجعل ذلك من قواعد ترقية الأساتذة، ثم تقرر الصالح من هذه الكتب على طلبتها ليستفيدوا من كل العلوم ولكن بلغتهم.
ولكنني اليوم أتمنى ألا ننزلق نحو هاوية أكثر خطورة ليس على التعليم وحده ولكن على الوطن كله..
نتحدث عن الاختلاف المذهبي والتعددية بكل أشكالها ونقول إن الاختلاف يجب ألا يقود إلى التشرذم ولكن يجب أن نضعه في إطار التعددية وحرية الرأي التي تقوي الوطن والمواطنة والمواطن، ولكن الحديث عن الاختلاف الثقافي بين طبقات المجتمع وإيجاد فوارق فكرية أمر يؤدي إلى الصراع بين هذه الطبقات التي ستتشكل بفعل الفوارق الفكرية وهذا الصراع - في خطورته - لا يختلف عن الصراع المذهبي والطائفية وكل أشكال الفرقة البغيضة، بل إنه يزيد عليها بكثير لأن أصحابه لن يستطيعوا التلاقي مع سواهم لأنهما يسيران في خطين متوازين لا يلتقيان أبدا..
من المؤسف أننا نعرف أن كل المستعمرين أول عمل يبدؤون به في الدول التي يستعمرونها تغيير المناهج واللغة، ومن المؤسف - أيضا - أننا نعرف أن كل دول العالم لا تقبل أن يتحدث أبناؤها في مدارسهم وبيوتهم بغير لغتهم الأصلية ويجدون ذلك عارا يجب ألا يقع..
ومن المؤسف - أيضا - أننا نعرف أن كل الدول المتقدمة تدرس بلغتها ولم يحل ذلك بينها وبين الصدارة العلمية المنتجة..
كل ذلك - من المؤسف - ولكن الأكثر أسفا أننا لا نحب أن نتعلم ونحب أن نصنع مآسينا بأيدينا..
وأخيرا ماذا سيصنع "القاضي" في هذه الأزمة التي قد تأكل الأخضر واليابس؟ هل يتحرك مع "قضاته" أم إن طعن الحراب سيوقفه عن الحراك؟.
"قاضينا" حمد أتعبته "العربية" فتركها فأحزننا ذلك كما أحزن معظم أحبابه، فهل تركه لـ "العربية" يعني نهاية المرحلة أم إنه بداية لمرحلة جديدة؟ لست أدري.



* أكاديمي سعودي