مظاهر التعصب القبلي
في البداية قدم المستشار القانوني الأستاذ ماجد بن طالب وصفاً لظاهرة التعصب القبلي وأسبابها وقال: الحديث عن التعصب القبلي لا يعني بحال عدم وجود غيره، فهناك أيضاً (التعصب غير القبلي)، ولكن لكبر الشريحة القبلية نجد أن التعصب القبلي هو الظاهر للعيان، ولأن مجتمعنا بطبيعة تكوينه قبلي، لذا كان الحديث عن التعصب القبلي وآثاره السلبية على المجتمع، ثم لا يفهم من ذلك أننا ضد القبيلة، بل الاستشراف بالقبيلة والنسب أمر لا ضير منه، ولكن دون تعصب، أو تفاخر على الآخرين، ودون انقاص من قدر الآخرين، أو أن يكون مؤدياً للكبر والبطر، فالرسول الكريم عليه افضل الصلاة واتم التسليم يقول (انا خير ولد ابن آدم ولا فخر) أو كما قال عليه الصلاة والسلام.
وأضاف: لقد عنى ديننا القويم بالترابط بين أفراده، ومنع كل ما من شأنه المساس بهذه الوحدة، ولكنه هذب سلوك الصحابة وذم التفاخر والتنابز بالألقاب، بل إنه جعل ذلك من التمسك بخصال الجاهلية، حينما عنّف الرسول صلى الله عليه وسلم أبا ذر رضي الله عنه بقوله "إنك أمرؤ فيك جاهلية"، لأنه نال من أحد الصحابة الكرام، لأن أمه أعجمية، بل إن النبي صلى الله عليه وسلم بين لنا أبعد من هذا عندما أخبرنا بأن هذه الخصلة إحدى ثلاث خصال التي لا تزال في الأمة، وذلك على سبيل التحذير منها، وهذا دافع كبير للحذر وبيان بأن كثيراً من الناس يقعون فيها، مشيراً الى ان العصبية القبلية ليست قاصرة على العرب بل هي في جميع الأعراق، فحتى العرق الواحد بينه عنصريات وأثنيات، ونبينا الكريم لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى، فها هو مجتمعنا المعاصر يعج بأنماط مختلفة متنوعة بالعنصريات العرقية التي أزكمت رائحتها أنوف الغيورين على المجتمع السعودي، فعلى المستوى الوظيفي برزت القبلية في الترقيات والميزات والحوافز التي من شأنها اثارة الاحقاد والضغينة بين أفراد الشعب السعودي مما يؤثر على اللحمة الوطنية، وفي جانب العلاقات الاجتماعية كذلك وغيرها من الجوانب الاخرى في جميع مناحي الحياة.
واشار إلى ان مظاهر التعصب القبلي تتجلى كثيراً في أوساط المراهقين أكثر من غيرهم، وفي أوساط الاقل تعلماً أكثر من المتعلمين، وفي القرية أكثر من المدينة، ولدى العوام أكثر من الخاصة، فهي قد تكون هنا وهناك ولكن بنسب متفاوتة.
وقال ان التعصب القبلي يأخذ اشكالا كثيرة وهو مرض يتجذر ويمتد إلى كل نقطة في حياتنا، فحتى بين أبناء القبيلة الواحدة تجده حاضراً ناهيك عما سواه، وكلٌ يرى انه أعلى شأناً وأفضل مرتبة، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: "من أبطأ به عمله لم يسرع به نسبه"، فالتعصب هو أساس الطبقية العرقية وهضم حقوق الآخرين والظلم والتعدي، مشيراً إلى انه في البيت يتربى ابناؤنا على التمييز بين الأجناس، سواء ما يعرض على الفضائيات والمسلسلات من التقليل من دور وفهم وادراك بعض الأجناس، أو ما يجده من أبيه أو أمه من رفع شأن من ينتمون اليه ومصطلح نحن وهم التي هي بداية وبذرة التعصب في كل شيء، كذلك في المدرسة يتضح التمايز وترتفع وتيرة التعصب بين القبلية وأبناء الحاضرة، وبين "خطوط الكهرباء 110و220" والتي لا تنير لنا مصباحاً نهتدي به في حاضرنا ومستقبلنا، أيضاً في العمل نجد المروءة والشهامة وتيسير الاجراءات والمساعدة فقط لمن توافقت اصولهم القبلية، أو الانتمائية، وبالمقابل نجد ان الاتهام بالمحاباة أو الانحياز قائم وحاضر في الاذهان، وذلك لأننا تربينا على المعنى الظاهر، والمفهوم الخاطئ لحديث الرسول صلى الله عليه وسلم: "أنصر أخاك ظالماً أو مظلوماً"، كما يكون في الحياة العامة أظهر واقوى.
وأضاف أن اسباب التعصب القبلي في المجتمع السعودي تعود إلى تدني الفكر المعرفي، وضعف الوازع الديني بسبب الابتعاد عن تعاليم ديننا الحنيف وهدي الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، والانغلاق والتقوقع على الذات، والعيش على صدى الأزمان الماضية، وافلاس النفس وانهزامها أمام متطلبات المرحلة، وعدم القدرة على اكتساب ادوات المنافسة، مشيراً إلى أن وسائل تغذيتها هي أسباب وجودها في المجتمع، أضف إلى ذلك انتشارها عبر الفضائيات ببرامج ومسابقات واعمال فنية كثيرة.
قضايا التعصب في المحاكم والسجون
وعن أبرز القضايا التي انتهت إلى المحاكم والسجون بسبب التعصب القبلي، أوضح المستشار ابن طالب ان الجرائم التي ارتكبت بسبب التعصب القبلي كثيرة، حيث كان شيطان التعصب محرضاً ودافعاً لها، فقبل بضعة أيام طالعتنا احدى الصحف المحلية بخبر: اقدام أربعة مواطنين على قتل أحد الاشخاص بالرصاص أمام أحد المساجد عندما كان يهم بالنزول لاداء صلاة الظهر، بسبب أن المقتول انتقص من قدر قبيلتهم.
ومنها أن أحد الشباب كان ماراً في شارع من شوارع الحي إذ حصلت مشاجرة بين أحد من بني قبيلته مع شخص آخر من غير قبيلته وكانت الغلبة لمن لا ينتمي لقبيلته فاستغاث به ابن أخيه باسم القبيلة، فما كان من ذلك الشاب إلا أن تناول خشبة غليظة (مربوعة) فضرب بها رأس خصم ابن أخيه عدة ضربات اردته قتيلاً.
ومنها أن ذلك الشاب الذي كان في جلسة مع زملائه من بني قبيلته ووجدهم يتآمرون لسرقة (السوبر ماركت) القريب من حارتهم ، وعندما أراد الانصراف من عندهم اسدوا إليه دور إيصالهم (للسوبر ماركت ) وعندما رفض ذلك استعانوا بالحمية والرجولة إلى ان خضع لهم واستجاب لفعلهم وبعد أن نفذوا فعلتهم جرتهم يد العدالة واحداً تلو الآخر ولم تكن الحمية مانعاً لمحاكمته شرعاً لقاء اشتراكه معهم.
وقال ان المسلسل لا يتوقف، فالحال أن هناك حالات كثيرة ونزلاء سجون كثر بأسباب تلك العصبية، وغير خاف على أحد، ما تتناقله المنتديات، من مقاطع تدمي القلوب، وتنذر بفوضى وتقوض الأمن والاستقرار، وذلك كله بسبب التعصب القبلي.
لماذا اثارة القبلية الآن؟
وقال الأستاذ الدكتور عبدالرحمن بن محمد عسيري أستاذ علم الاجتماع بجامعة الامام محمد بن سعود الإسلامية إن البناء الوحدوي الشامخ الذي ارسى اركانه الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن - رحمه الله - فاصبحت فيه القبائل دولة واحدة، وأصبح ابناؤها اخوة في العقيدة يسعون إلى هدف واحد هو رفعة الوطن، ذلك البناء يتعرض اليوم إلى "حرب خفية" تدار بأيد مجهولة وربما معلومة، وذلك من خلال اذكاء روح العصبية القبلية وتأجيجها في نفوس الناشئة، بهدف الوصول إلى تفكيك الوطن واعادته للوراء مئات السنين.
شاعر المليون
واشار إلى ان الإعلام العربي يحمل اليوم لواء معول الهدم، من خلال تبنيه لبرامج ذات توجهات عصبية قبلية، فبالأمس القريب كان برنامج "شاعرالمليون" ناقوس اذكى العصبية القبلية بكل أبعادها في كافة ارجاء المجتمع الخليجي، حيث أصبح شعراء المسابقة لا هم لهم الا مدح قبائلهم والتفاخر بأمجادها وانتصاراتها، في حين يقلل من شأن القبائل الاخرى، وقد باركت القبائل هذه "الحرب الكلامية" وأصبحت كل قبيلة ملزمة بدعم شاعرها ليس مهما أن يكون بارعاً في الشعر، فالأهم ان لا يتدنس شرف القبيلة بخروج شاعرها من المسابقة. وقال الدكتور عسيري: لم يقتصر الأمر على برنامج يتيم بل ظهرت في الساحة الإعلامية العديد من القنوات الشعبية التي تقوم على تمجيد القبيلة، والفخر بالانساب والاحساب، مما جعل المراهقين والغوغاء يرابطون عند شاشات التلفاز، ويذودون عن حمى القبيلة من خلال رسائل الشات التي لا تعدو عن كونها سهاماً تطعن في جسد الأمة ووحدتها، فتولد الأحقاد، وتذكي العصبية القبلية بشتى صورها، حيث بدأت ظاهرة تشجيع القبلية بعد السماح بعرض مهرجان القبائل لمزاين الابل، والسماح بظهور رسائل المدح والتفاخر والانتقاص من بقية القبائل في شريط الشات في تلك القنوات.
المفضلات