مقال للكاتب( سعود البلوي) على صفحات جريدة الوطن السعودية

العدد (2576) في يوم الجمعة الموافق 08/10/1428هـ



تأثير "الشورى" في تغيير قناعات الرأي العام


"المبعوثان" هو مجلس النواب العثماني الذي تشكّل بعد الإصلاحات الدستورية في عهد عبدالحميد الثاني. ولفظة "المبعوثان" تعني النواب المبعوثين من ولاياتهم ودوائرهم الانتخابية إلى البرلمان العثماني في الآستانة، ويضم هذا المجلس عدداً من النواب الذين تم اختيارهم عن طريق الانتخابات، لكن العملية الانتخابية تختلف عمّا هو متعارف عليه اليوم، إذ انتُخب الأعضاء من بين موظفين سابقين في المجالس الإدارية في الولايات والألوية والأقضية العثمانية وكثير منهم ينتمون إلى أسر معروفة في المجتمع، وينوب كل عضو عن 50 ألف فرد من مواطني الدولة. ومدة العضوية فيه أربع سنوات يتمتع فيها العضو بالحصانة البرلمانية فلا يجوز القبض عليه أو محاكمته إلا إذا قرر المجلس رفع هذه الحصانة بموافقة الأغلبية. المهم أن المجلس ناقش أثناء عمله مشروعات مهمة، منها ما يتعلق بقانون الصحافة، والانتخابات، وعدم مركزية السلطة العثمانية، والموازنة العامة للدولة، لكن الحياة النيابية لم تزد عن أحد عشر شهراً بينما استمر حل المجلس وتعطيل الدستور من قبل السلطان قرابة ثلاثة عقود، ومن المفارقات أن السلطان عبدالحميد ذاته قد أمر بإعادة العمل بالدستور، لكن الحياة لم تعد كما كانت بعد موجة حروب خرجت منها الدولة العثمانية تلعق جراح الهزيمة محاولة جمع شتاتها، لكن وصف (الرجل المريض) قد انطبق عليها فعلاً حيث أسقطتها بعد حوالي خمسة عشر عاماً جمعية الاتحاد والترقي.
بعيداً عن الأحداث السياسية وقريباً من الحكايات البرلمانية: يروى أنّ نائباً حلبياً يدعى الشيخ أسعد كان يجاور مقعده في "المبعوثان" مقعد نائب بغدادي لا يجيد اللغة التركية غالباً ما يغط في نوم عميق أثناء الجلسات وحين يستيقظ يسأل الشيخَ أسعد عمّا قُرر فيخبره.. حتى ملّ الشيخ من نومه وأسئلته. وذات مرة استيقظ البغدادي من نومه على صوت تصفيق النواب، فسأل الشيخ أسعد كالعادة عمّا جرى اليوم، فأخبره مازحاً عن تخصيص (وابورين) لكل ولاية، فتساءل النائم بدهشة عن حصة بغداد، ليجيبه الشيخ بضياع فرصتها بسبب نومه، فانتصب البغدادي واقفاً وسط القاعة وأخذ يصرخ بالعربية بأعلى صوته: أربعة وابورات لدجلة والفرات! (انظر: نصرت مردان، جريدة الزمان،2501).
مع اختلاف الزمن ونمط العيش، فما حدث في "المبعوثان" العثماني ربما يحدث في "مجلس الشورى السعودي"، فالتلفزة المحلية تنقل لنا تسجيلاً لبعض الجلسات كل جمعة تقريباً ولكن لا يستطيع المواطن رسم صورة متكاملة لما يحدث في الجلسة، فالكلمات الطويلة لبعض الأعضاء قد لا تحتوي فعلياً على ما يلبي حاجات المواطن الضرورية؛ مما يؤدي إلى عدم تبني قضايا ومصالح وهموم الشارع المتعلقة بالمواطن البسيط، وهذا ما يذكرني بالفكرة التي طرحها الكاتب عبدالرحمن الوابلي، عبر مسلسل طاش ما طاش، والتي ألمحتْ إلى أنّ معظم أعضاء المجلس هم من التكنوقراطيين الذين خدموا طويلاً في كثير من الجهات الحكومية مما جعلهم يعيدون نمط الحياة الرسمية من خلال تصرفاتهم (النيابيّة) تحت قبة مجلس الشورى الذي سبق أن انضم إلى "اتحاد البرلمانات الدولي". الانتماء الذي أعنيه ليس لمبنى المجلس ولا لجهات العمل الأخرى إنما يفترض أن يكون للمجتمع، للناس، للأفراد الذين ينتظرون أن يعبِّر المجلس، بتعددية أعضائه، عن هموم المواطن.. آماله وآلامه، ونقلها لصاحب القرار في الجهة السياسية العليا المتمثلة بمجلس الوزراء.
وأنا هنا آمل من مجلس الشورى نقل جلساته على الهواء. وفضلاً عن ذلك فإن طبيعة القضايا التي يتم طرحها في الجلسات تبتعد عن القضايا الحساسة التي لا تحتمل التأخير بالنسبة للمواطن، فما أكثر "الميزانيات" التي ناقشها المجلس! لكن هل المواطن يهتم لمناقشة ميزانيات صرفت وانتهت في أعوام سابقة؟
ومن المفارقات الغريبة أن المجلس يحرص على أمور يمكن تأجيلها أمام أخرى يفترض أن تكون طارئة أو مهمة مثل تقديم دراسات موضوعية ووافية عن قضايا تضرر منها المواطن ومازال، كقضية انهيار سوق الأسهم السعودي التي لم نجد تفسيراً يوضح اختفاء 1.7 تريليون ريال حسب التقديرات. وكذلك قضية ارتفاع الأسعار دون وجود ملحوظ لضابط (الرقابة)، فقد صرّح وزير التجارة إن عدد المراقبين في المملكة لا يتجاوز 200 مراقب.
حتى الآن لم يؤثر مجلس الشورى بتغيير قناعات الرأي العام-علمياً- فيما يتعلق بحقيقة "التضخم" الشبيه بالكابوس الذي يعيشه المجتمع اليوم. فـ"هوامير" سوق الاستهلاك المحلي تفضلوا-عبر الصحافة المحلية- بإعادة صياغة التبريرات (الخارجية). ونحن نأمل أن تظهر مبررات جديدة ولكن تحت سقف مجلس الشورى هذه المرة؛ علَّ (ممثلينا) في المجلس لديهم وجهات نظر معينة يريدون إطلاعه عليها، وإن لم يكن لديهم فإننا كمواطنين لن نملّ الحديث خصوصاً إذا ما ارتبط الأمر بما نعانيه من تضخم يزداد حجمه في أذهاننا بسبب علامات استفهام تبحث عن إجابات، و"لن يعرف الشوق إلاّ من يكابدُهُ"!
بطبيعة الحال لا يجوز أن يبخس بعض أعضاء المجلس حقهم في بعض التوصيات الجيدة التي نتمنى أن ترى طريقها إلى النور. ولكن لو نظرنا فسنجد أن عدد أعضاء مجلس الشورى السعودي 150 يمثلون مختلف الطوائف والمناطق والقبائل والأسر، معظمهم من حملة المؤهلات العالية وممن خدموا في مختلف القطاعات الحكومية، وكلنا ثقة بهم غير أن من يمثلني حقاً ليس ابن طائفتي أو منطقتي أو قبيلتي، لكنه من يدافع عن مصالحي ويتبنى مشاكلي كمواطن. إلا أن بعض أعضاء مجلس الشورى لم نسمع له صوتا منذ لحظة تعيينه، وأتمنى ألا يعيد أحدهم إنتاج موقف صاحبنا النائم في "المبعوثان" بل يتذكر من يكابدون ويكدحون ويأملون فيه أن يكون كما قال المسيح عليه السلام: "إنما أنا صوت".


* كاتب سعودي