و الآن مع إجابة الشيخ و أتمنى أن تقرأ بتمعن و عدة مرات /



قلت مره لتلاميذي : لو جاء رجل أجنبي فقال لكم : إن لديه ساعة من الزمن ، يريد أن يفهم فيها ما الإسلام ، فيكف تفهمونه الإسلام في ساعة ؟
قالوا : هذا مستحيل ، و لابد له أن يدرس التوحيد و التجويد و التفسير و الحديث و الفقه و الأصول ، ويدخل في مشكلات و مسائل لا يخرج منها في خمس سنين . قلت : سبحان الله ، أما كان الأعرابي يقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فيلبث عنده يوماً أو بعض يوم ، فيعرف الإسلام و يحمله إلى قومه ، فيكون لهم مرشداً و معلماً ، ويكون للإسلام داعياً و مبلغاً ؟ و أبلغ من هذا ، شرح الرسول الدين كله في حديث : ( سؤال جبريل ) بثلاث جمل ، تكلم فيها عن : الإيمان و الإسلام و الإحسان ؟ فلماذا لا نشرحه اليوم في ساعة ؟
فما الإسلام ؟ و كيف يكون الدخول فيه ؟
كل نحلة من النحل الصحيحة و الباطلة و كل جمعية من الجمعيات النافعة و الضارة و كل حزب من الأحزاب الخيرة و الشريرة ، لكل ذلك ( مبادئ ) و أسس فكرية ، و مسائل عقائدية ، تحدد غايته و توجه سيره و تكون كالدستور لأعضائه و أتباعه .
ومن أراد أن ينتسب إلى واحد منها ، نظر أولاً إلى هذه ( المبادئ ) ، فإن ارتضاها واعتقد صحتها ، وقبل بها بفكره الواعي و بعقله الباطن ، و لم يبق عنده شك فيها ، طلب ( الانتساب ) إلى الجمعية ، فانتظم في سلك أعضائها و متبعيها ووجب عليه أن يقوم بالأعمال التي يُلزمه بها دستورها ، ويدفع رسم الاشتراك الذي يحدده نظامها و كان عليه – بعد ذلك – أن يدل بسلوكه على إخلاصه لمبادئها ، فيتذكر هذه المبادئ دائماً ، فلا يأتي من الأعمال ما يخالفها ، بل يكون بأخلاقه وسلوكه ، مثالاً حسناً عليها ، وداعيةً فعلياً لها .
فالعضوية في الجمعية هي : ( عِلمٌ ) بنظامها و ( اعتقاد ) بمبادئها ، و (طاعة ) لأحكامها ، و( سلوك ) في الحياة موافق لها . هذا وضع عام ، ينطبق على الإسلام ، فمن أراد أن يدخل في دين الإسلام عليه أولاً أن يقبل أسسه ، و أن يصدق بها تصديقاً جازماً ، حتى تكون له ( عقيدة ) .
و هذه الأسس تتلخص في أن يعتقد أن هذا العالم المادي ليس كل شيء ، و أن هذه الحياة الدنيا ليست هي الحياة كلها ، فالإنسان كان موجوداً قبل أن يولد ، و سيظل موجوداً بعد أن يموت ، و أنه لم يوجد نفسه ، بل وُجد قبل أن يعرف نفسه ، ولم توجده هذه الجمادات من حوله ، لأنه عاقل و لا عقل لها ، بل أوجده و أوجدها و أوجد هذه العوالم كلها من العدم إله واحد ، هو وحده الذي يحيي و يميت ، و هو الذي خلق كل شيء ، و إن شاء أفناه ، و ذهب به ، و هذا الإله لا يشبه شيئاً مما في العوالم ، قديم لا أول له ، باق لا آخر له قادر لا حدود لقدرته ، عالم لا يخفى شيء عن علمه ، عادل و لكن لا تقاس عدالته المطلقة بمقاييس العدالة البشرية ، هو الذي وضع نواميس الكون التي نسميها : ( قوانين الطبيعة ) ، وجعل كل شيء فيها بمقدار و حدد من الأزل جزئياته و أنواعه ، و ما يطرأ عليه ( على الأحياء و على الجمادات ) من حركة وسكون ، وثبات و تحول ، وفعل و ترك و منح الإنسان عقلاً يحكم به على كثير من الأمور ، التي جعلها خاضعة لتصرفه أعطاه عقلاً يختار به ما يريد ، و إرادةً يحقق بها ما يختار ، و جعل بعد هذه الحياة المؤقتة حياة دائمة في الآخرة ، فيها يُكافأ المحسن في الجنة ، ويعاقب المسيء في جهنم .
و هذا الإله واحد أحد لا شريك له يعبد معه ، ولا وسيط يقرب إليه و يشفع عنده بلا إذنه ، فالعبادة له وحده بكل مظاهرها .
له مخلوقات مادية ظاهرة لنا ، تُدرك بالحواس و مخلوقات مغيَّبة عنا ، بعضها جماد و بعضها حي مكلف و من الأحياء ما هو خالص للخير المحض ( وهو الملائكة ) و منها ما هو مخصوص بالشر المحض ( وهم الشياطين – وهم من الجن ) و ما هو مختلط منه الخيّر و الشرير و الصالح و الطالح ( وهم الإنس و الجن ) .
و أنه يختار ناساً من البشر ينزل عليهم المَلَك بالشرع الإلهي ليبلغوه البشر ، وهؤلاء هم الرسل . و أن هذه الشرائع تتضمنها كتب و صحائف أنزلت من السماء ، ينسخ المتأخر منها ما تقدمه أو يعدله ، و أن آخر هذه الكتب هو القرآن ، و قد حُرِّفت الكتب و الصحف قبله ، أو ضاعت ونُسيت ، وبقي هو سالما من التحريف و الضياع ، أن آخر هؤلاء الرسل و الأنبياء هو محمد بن عبدالله العربي القرشي ، ختمت به الرسالات و بدينه الأديان فلا نبي بعده صلى الله وسلم عليه و بارك .
فالقرآن هو دستور الإسلام ، فمن صدق بأنه من عند الله ، و آمن به جملة و تفصيلاً سمي : ( مؤمناً ) . و الإيمان بهذا المعنى لا يطلع عليه إلا الله لأن البشر لا يَشُقّون قلوب الناس و لا يعلمون ما فيها لذلك وجب عليه – ليعده المسلمون واحداً منهم – أن يعلن هذا الإيمان بالنطق بلسانه بالشهادتين .
و هما : ( أشهد أن لا اله إلا الله و اشهد أن محمداً رسول الله ) .
فإذا نطق بهما صار مسلماً ، أي ( مواطناً ) أصيلاً في دولة الإسلام و تمتع بجميع الحقوق التي يتمتع بها المسلم ، وقبل بالقيام بجميع الأعمال التي يكفله بها الاسلام .
و هذه الأعمال ( أي : العبادات ) قليلة ، سهلة ، ليس فيها مشقة بليغة و ليس فيها حرج .
أولها : أن يركع في الصباح ركعتين يناجي فيهما ربه ، يسأله من خيره و يعوذ به من عقابه و أن يتوضأ قبلهما أي يغسل أطرافه أو يغسل جسده كله ( إن كانت به جنابة ) .
و أن يركع في وسطه أربعاً ( الظهر ) ، ثم أربعاً ( العصر ) و أن يركع غياب الشمس ثلاثاً و في الليل أربعاً .
هذه هي الصلوات المفروضة ، لا يستغرق أداؤها كلها نصف ساعة في اليوم ، لا يشترط لها مكان لا تؤدى الا فيه و لا شخص معين ( أي : رجل دين ) لا تصح إلا معه و لا واسطة فيها ( و لا في العبادات كلها ) بين المسلم وربه ( وتحديد وقتها و بيان كيفيتها يكون بعد ) .
الثاني : أن في السنة شهراً معيناً يقدم فيه المسلم فطوره فيجعله في آخر الليل بدلاً من أن يكون أول النهار ، و يؤخر غداءه إلى ما بعد غروب الشمس و يمتنع في النهار عن الطعام و الشراب و معاشرة النساء فيكون من ذلك شهر صفاء لنفسه و راحة لمعدته و تهذيب لخُلُقه و صحة لجسده و يكون هذا الشهر مظهراً من مظاهر الاجتماع على الخير و التساوي في العيش .
الثالث : أنه إذا فضل عن نفقات نفسه و نفقات عياله مقدار من المال محدود بقي سنة كاملة لا يحتاج إليه لأنه في غنى عنه كُلف أن يُخرج منه بعد انقضاء السنة مبلغ (2.5 ) في المئة للفقراء و المحتاجين لا يحس هو بثقلها و يكون فيها عون بالغ للمحتاج و ركن وطيد للتضامن الاجتماعي و شفاء من داء الفقر الذي هو شر الأدواء .
الرابع : أن الإسلام رتب للمجتمع الإسلامي اجتماعات دورية :
اجتماع بمثابة مجالس الحارات يعقد خمس مرات في اليوم مثل حصص المدرسة هو ( صلاة الجماعة ) يوثق كل عضو فيه عبوديته لله بالقيام بين يديه و يكون من ثماره أن يعين الأقوياء الضعيف ، و يعلم العلماء الجاهل ، و يسعف الأغنياء الفقير و مدة انعقاده ربع ساعة فلا يعطل عاملاً عن عمله و لا تاجراً عن تجارته ، و إذا تم الاجتماع و تخلف عنه مسلم فصلى في بيته لم يُعاقب على تخلفه و لكن فاته ثواب حضوره .
واجتماع لمجالس الأحياء يُعقد مرة في الأسبوع هو ( صلاة الجمعة ) و مدة انعقاده أقل من ساعة و حضوره واجب على الرجال .
و اجتماع كمجالس المدينة يعقد مرتين في السنة و هو ( صلاة العيد ) و حضوره ليس على سبيل الإلزام و مدة انعقاده أقل من ساعة .
و اجتماع هو كالمؤتمر الشعبي العام يعقد في السنة في مكان معين هو في الحقيقة دورة توجيهية و رياضة فكرية يكلف المسلم بأن يحضره مرة واحدة في العمر إذا قدر على حضوره و هو ( الحج ) .
هذه هي ( العبادات ) الأصلية التي يكلف بها .
و من العبادات أن يمتنع عن أفعال معينة ، أفعال يُجمع عقلاء الدنيا على أنها شر ، و أن الواجب الامتناع عنها ، كالقتل بلا حق و التعدي على الناس و الظلم بأنواعه و المُسكِر الذي يغيّب العقل و الزنا الذي يذهب الأعراض و يخلط الأنساب و الربا و الكذب و الغش و الغدر و الفرار من الخدمة العسكرية التي يراد منها إعلاء كلمة الله و منها ( بل من أشدها ) عقوق الوالدين و الحلف كاذباً و شهادة الزور و أمثال ذلك من الأعمال القبيحة الشريرة التي تجمع العقول على إدراك قبحها وشرها .
و إذا قصَّر المسلم في القيام ببعض الواجبات أو ارتكب بعض الممنوعات ثم رجع و تاب وطلب العفو من الله فإن الله يعفو عنه و إن لم يتب فإنه يبقى مسلماً معدوداً في المسلمين و لكنه يكون ( عاصياً ) يستحق العقاب في الآخرة و لكن عقابه مؤقت لا يدوم دوام عقاب الكافر .
أما إذا أنكر بعض المبادئ أي: العقائد الأصلية أو شك فيها أوجحد واجباً مجمعاًعلى وجوبه أو حراماً مجمعاً على حرمته أو أنكر ولو كلمة واحدة من القرآن الكريم فإنه يخرج من الدين و يعتبر مرتداً تُنزع عنه الجنسية الاسلامية .
و الردة أكبر جريمة في الاسلام فهي كالخيانة العظمى في القوانين الحديثة جزاؤها – إن لم يرجع عنها و يتنصل منها – الموت .
قد يترك المسلم بعض الواجبات أو يأتي بعض الممنوعات و هو معترف بالوجوب و الحرمة فيبقى مسلماً و لكنه يكون ( عاصياً ) ، أما الايمان فلا يتجزأ فلو آمن مثلاً بتسع و تسعين عقيدة و كفر بواحده كان كافراً .
و قد يكون المسلم غير مؤمن ، كمن انتسب الى حزب أو جمعية و حضر اجتماعها و دفع اشتراكها و قام بواجب العضو فيها و لكنه لم يقبل بمبادئها و لم يقتنع بصحتها ، بل دخل فيها لتجسس عليها أو إفساد أمرها .و هذا هو ( المنافق ) الذي ينطق بالشهادتين و يؤدي العبادات ظاهراً و لكنه غير مؤمن بالحقيقة و لا ناج عند الله و إن كان عند الناس معتبراً من المسلمين لأن الناس لهم الظواهر و الله وحده يطّلع على السرائر و القلوب .
فإذا آمن الانسان بالأسس الفكرية للاسلام و هي التصديق المطلق بالله و تنزيهه عن الشرك و الوسيط و آمن بالملائكة و بالرسل و بالكتب و بالحياة الآخرة و بالقدر و نطق الشهادتين و صلى الفرائض و صام رمضان و أدى زكاة ماله إن وجبت عليه الزكاة و حج مرّة في العمر إن استطاع و امتنع عن المحرمات المُجمع على حرمتها ، فهو مسلم مؤمن و لكن ثمرة الايمان لا تظهر منه و لا يحس بحلاوته و لا يكون مسلماً كاملاً حتى يسلك في حياته مسلك المسلم المؤمن ، و لقد لخص رسول الله صلى الله عليه وسلم ، منهاج هذا السلوك بجملة واحدة ، كلمةٍ من جوامع الكلم و من أبلغ ما نطق به بشر ، كلمةٍ تجمع الخير كله ، خير الدنيا و ما في عَقِبِه من خير الآخرة .
هي : أن يتذكر المسلم في قيامه و قعوده و خلوته وجده و هزله و في حالاته كلها أن الله مطلع عليه و ناظر اليه فلا يعصيه و هو يذكر أنه يراه و لا يخاف أو ييأس و هو يعلم أنه معه و لا يشعر بالوحشة و هو يناجيه و لا يحس بالحاجة الى أحد وهو يطلب منه و يدعوه ، فإن عصى – و من طبيعته أن يعصي – رجع و تاب ، فتاب الله عليه .
كل ذلك من قوله صلى الله عليه وسلم في تعريف ( الإحسان ) : " أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك " .
هذا هو دين الاسلام بالقول المجمل .