الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين ، أما بعد : ء
فعادات سيئة وأخلاق ذميمة انتشرت بين قطاع عريض من الناس ، ولعل من أخطرها عادة
أصبحت أساسية في كل مجلس لا يستغني عنها أصحابها - إلا من رحم الله - رغم أنها عادة
ذميمة ، وجريمة أخلاقية منكرة ’ وهي اعتداء على الأعراض ، وكبيرة من كبائر الذنوب
ولقد جاء وصفها في كتاب الله تعالى ، قال تعالى : (( ولا يَغتب بعضُكم بعضًًا أيحب
أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتًا فكرهتموه )) الحجرات : 12 . ء
ولعظم أمرها فقد جاء الوعيد الشديد في حق مرتكبها ، قال صلى الله عليه وسلم : (( لما
عُرج بي إلى السماء مررت بقوم لهم أظفار من نحاس يخمشون بها وجوههم وصدورهم
وصدورهم ، فقلت : من هؤلاء يا جبريل ؟! قال : هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس
ويقعون في أعراضهم )) . ء
ولعلك أخي الكريم عرفت ما هي هذه العادة الذميمة ، إنها الغيبة التي قال عنها ابن حجر
الهيثمي : إن فيها أعظم العذاب وأشد النكال ، وقد صح فيها أنها أربى الربا ، وأنها لو
مزجت في ماء البحر لأنتنته وغيرت ريحه ، وأن أهلها يأكلون الجيف في النار ، وأن
لهم رائحة منتنة فيها ، وأنهم يعذبون في قبورهم . وبعض هذه كافية في كون الغيبة من
الكبائر . ء
والغيبة كما بينها رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله : (( أتدرون ما الغيبة ؟ )) ء
قالوا : الله ورسوله أعلم ، قال : (( هي ذكرك أخاك بما يكره )) ، قيل : أفرأيت إن
كان في أخي ما أقول ؟ قال : (( إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته ، وإن لم يكن فيه
ما تقول فقد بهته )) رواه مسلم ، وهي حرام لقوله صلى لله عليه وسلم : (( كل
المسلم على المسلم حرام ، دمه وماله وعرضه )) رواه مسلم . ء
والغيبة تكون في القول كذكر صفة في البدن من حول أو عمش أو قصر ، أو ذكر
صفة في النسب كقولك : أبوه هندي ، أو فاسق ، أو ذكر صفة في خُلُقه كقولك : ء
هو سيء الخلق ، بخيل ، أو ذكر صفة من أفعاله المتعلقة بدينه كقولك : هو كذاب
أو خائن ، أو ذكر صفة من فعله المتعلق بالدنيا كقولك : إنه قليل الأدب ونحوه
وكذلك تكون الغيبة في الإشارة والإيماء والغمز واللمز ، والكتابة والحركة ، وكل
ما يفهم المقصود فهو داخل في الغيبة . تقول عائشة رضي الله عنها : دخلت علينا
امرأة فلما ولت أومأت بيدي أنها قصيرة ، فقال رسول الله عليه وسلمنقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي( اغتبتيها))ء
يقول ابن تيمية رحمه الله تعالى في بواعث الغيبة : ء

ء 1- إن الإنسان قد يغتاب موافقة لجلسائه وأصحابه . ء
ء 2- ومنهم من يخرج الغيبة في قالب ديانة وصلاح . ء
ء 3- ومنهم من يخرج الغيبة في قالب سخرية . ء
ء 4- ومنهم من يخرج الغيبة في قالب تعجب . ء
ء 5- ومنهم من يخرج الغيبة في قالب الاغتمام . ء
ء 6- ومنهم من يظهر الغيبة في قالب غضب وإنكار ومنكر . ء
وأعلم أخي الكريم أن المغتاب لو لم يجد أذناً صاغية لما اغتاب واسترسل في الحديث
فأنت باستماعك الحديث وعدم إنكارك عليه تكون مشجعاً على المعصية ، وإذا لم تنكر
عليه ولم تترك المجلس لم يرتدع وينتهِ عن الغيبة فإنك تكون شريكاً في الإثم . ء
وأخيراً : ففن الغيبة كما تبين أنفا أمرها خطير والاحتراز منها صعب جداً إلا لمن وفقه
الله وأعانه على ذلك ، وجاهد نفسه في الاحتراز منها . ء
لذا فينبغي على المسلم أن يجاهد نفسه على تجنبها والابتعاد عنها ، وليحاول أيضاً أن
أن يعفو ويصفح عن كل من اغتابه وتكلم فيه ، فإن في ذلك أجراً عظيماً قال تعالى : ء
ا (( فمن عفا وأصلح فأجره على الله )) الشورى : 40 . ا
ولعل ذلك أيضاً يكون سبباً في أن يسخر الله له قلب كل من اغتابه هو فيعفو عنه
ويسامحه جزاء ما فعل هو مع غيره ، ولن يخسر الإنسان شيئاً إذا عفا وسامح ، بل إنه
سيتضاعف له الأجر بهذا العفو . ء
وفق الله الجميع لما يحب ويرضى ، والله أعلم ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى
آله وصحبه أجمعين . ء