الفائدة الرابعة عشر:
وهي مشاركة من إحدى الأخوات

في قول الله جل وعلا: (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ) (الروم:54)
تحرير معنى الضعف ومعنى القوة والشيبة في هذه الآية الكريمة
وابتداءً نقول أن الله تبارك وتعالى خلق خلقه أطوارا وصرفهم جل وعلا كيفما شاء عزه واقتدارا
أما معنى الآيات فيجب التنبه إلى ما يلي :يقول الله جل وعلا (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُم) أي الله الذي يستحق منكم العبادة ، أوجدكم معشر الإنسان من ضعف ؛ضعف هنا بمعنى : من أصل ضعيف وهو النطفة أو التراب إذا قلنا على تأويل المصدر باسم فاعل ، والضعف عقلا ونقلا هو خلاف القوة (ثُمَّ) : وهي للتراخي في الزمان (جَعَلَ) :أي خلق ، لأنه عُدّي لمفعول واحد (مِن بَعْدِ ضَعْفٍ) : المقصود هو أن الضعف هنا غير الضعف الأول الموجود في قوله جل وعلا :
(اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن ضَعْفٍ) فليست المسألة مسألة تكرير ؛ هذا الضعف الآخر ليس الضعف الذي قلنا في الأول عنه بأنه من النطفة والتراب لكنّه الضعف الموجود في الجنين والطفل
يقول الله جل وعلا: (مِن بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً) القوة هي القوة التي تجعل للطفل من التحرك ودفعه الأذى عن نفسه بالبكاء وأمثاله ونحوه ، ثم قال ربنا : ( قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ قُوَّةٍ) وقوه هنا تختلف عن القوه المذكورة قبل قليل...
(ثُمّ )َ للتراخي في الزمان ( جَعَلَ مِن بَعْدِ قُوَّةٍ) أي قوة أخرى هي التي بعد البلوغ وهي قوة الشباب (ضَعْفاً) وهذا الضعف - أيها المبارك - ضعف آخر وهو ضعف الشيخوخة والكبر ، ثم قال جل وعلا: (وَشَيْبَةً) أي شيبة الهرم والشيب والمشيب بياض الشعر

ويدل على أن كل واحد من :قوله(ضَعْفٍ ) وقوله(قُوَّةً ) إشارة إلى حاله غير الحالة الأولى ذكره مُنَكَرَا ؛ والمََُنَكر.
-أيها المباركون - متى أُعيد ذكره معرفا أًريد به ما تقدم كقولك : رأيت رجلا فقال لي الرجل كذا .
ومتى أعيد مَُنَكر كما هو سياق القران في هذه الآية أُريد به غير الأول ولذلك قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما في قوله جل شأنه: ( فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً *إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً ) قال رضي الله عنهما " :لن يغلب عسر يسرين"
هكذا حققه الإمام الراغب وتبعه أجلاء المفسرين ، وهو الموافق للقاعدة المشهورة عند العلماء
التي نظمها السيوطي رحمه الله في عقود الجمان يقول :
ثم من القواعد المشتهرة *** إذا أتت نكره مكرره
تغايرت وان يعرّف ثاني *** توافقا كذا المعرفان

فهذه القاعدة إجمال لما بينّاه من قبل ولما حررناه آنفا من أن الضعف المكرر في الآية بأنه كرر مع الإبقاء على التنكير
فالضعف الأول :هو ضعف التراب والنطفة
والضعف الثاني :هو ضعف الإنسان وهو الجنين في بطن أمه
والضعف الذي بعد ذلك الذي يعقب القوة هو ضعف الشيبة والكبر
كما أن القوه في الأول هي قوه الطفل وقدرته في المراحل الأولى من حياته على دفع الأذى عن نفسه .
أما في الثانية فإنها قوه الشباب والبلوغ

على هذا يتضح أن تنقُل الإنسان في أطوار الخلق حال بعد حال من ضعف إلى قوه ثم من قوة إلى ضعف دليل على قدرة الخالق الفعّال لما يشاء الذي لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء ولا يعجزه أن يعيدكم مرة أخرى ولهذا ناسب جل وعلا أن يقول بعد ذلك:" يَخْلُقُ " أي سبحانه وتعالى "مَا يَشَاءُ "
أي "يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ " تبارك وتعالى ولا ملزم عليه من ضعف وقوه وشباب أن يخلق الأشياء كلها التي من جملتها الضعف والقوة والشباب فليس هذا كله طبعا بل بمشيئة الله سبحانه وتعالى " وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ" أي انه العليم بتدبير خلقه ، القدير على ما يشاء لا يمتنع عليه شيء أراده.