تابع 2

قال المقدسي المعروف ـ بالبشاري ـ المتوفي 375 هـ صفحة ـ 480 ـ من كتابة ـ أحسن التقاويم في معرفة الأقاليم ـ طبع بالأفست 1909م ( ملتان تكون مثل المنصورة غير إنها أعمر . ليست بكثير الثمار غير إنها رخيصة الأسعار . ثلاثون خبزاً بدرهم . والفانيذ ثلاثة أمنان بدرهم . ليس عندهم زنا ولا شرب الخمر . ومن ظفروا به يفعل ذلك قتلوه أو حدوه . ولا يكذبون في بيع ولا يبخسون في كيل . ولا يخسرون في وزن . يحبون الغرباء . وأكثرهم عرب شربهم من نهر غزير ) . ولكن هذا المؤرخ الجغرافي الكبير بعد أن يقر الأصل العربي في ملتان وبعد أن يقر النسب العربي للقفس اليمانيين يتناول في الصفحة ـ 488 ـ والصفحة ـ 489 ـ من كتابة بالتجني عليهم بأوصاف الغدر والقسوة وسفك الدماء . وينعتهم بكل النعوت الكريهة ثم يعترف لهم بالشجاعة والكرم والأصل العربي . ولقد إعتمد المقدسي الأوصاف والنعوت والتهم التي رددها أعداء العرب في ذلك الزمان ضد القفس اليمانيين خاصة . ولم ينتبه هؤلاء المؤرخون الى ما تعرض له العرب في الملتان وفي مكران من القتل الجماعي والإبادة والذبح العام في قرون متتابعة . وسنين متلاحقة . وقد كان أشدها هولاًَ وأفظعها فتكاًَ تلك الهجمات التي قام بها البويهييون على قبائل القفس اليمانية في كرمان ومكران . لأن هؤلاء القفس قد أنفوا من الخضوع لعضد الدولة وللسلاطين من أمثالهم . الذين قد تربعوا في أرض الفتح العربي الإسلامي وأخذوا يزرون بالعرب ويذلونهم وينكرون جهادهم . والغريب في المسأله إن كبار المؤرخين الذين جاؤو بعد المقدسي ذكروا في مصنفاتهم القبائل العربية اليمانية المسماه بالقفس أوالقفص . ونصوا في كتبهم على وجود الأصل العربي في كرمان ومكران . وتحدثوا عن العرب الذين يقطنون جبال البلوص وأشادوا بشجاعتهم وكرمهم وعلو هممهم وأنفتهم من الذل ونخوتهم في إغاثة اللهيف والإيثار وإكرام الضيف . قد ترسموا خطى المقدسي أيضاًَ في شتم القفس والطعن بدينهم وسيرتهم غافلين عن الأسباب والعوامل والأحوال المفروضه عليهم آنذاك ومتغافلين عن الظلم والإعتداء والضيق الذي كان يدفع هذه القبائل العربية اليمانية للدفاع عن حماها والذب عن أرضها وشرفها وديار آبائها وأجدادها بالدماء والأرواح والغالي والنفيس . فلم يلتفت هؤلاء المؤرخون الى الكوارث والمهالك والمآسي التي أوقعها الأكاسرة في العهود القديمة بالقفس والبلوص . ولم يلتفتوا الى المذابح وقتل الصغير والكبير الذي أنزله البويهيون والغزنويون بهؤلاء . كان هؤلاء المؤرخون إبن حوقل ( في صورة الأرض ) وإبن النديم في ( تقويم البلدان ) وياقوت الحموي ( في معجم ) يعيدون ويكررون أقوال المقدسي في شتم القفس أجداد البلوش الأوائل . ويتناقلونها بحروفها والفاظها . كأنها قد كتبت لتعمم على هؤلاء الأفذاذ من أهل الفضل والتحقيق نصوصاًَ مقررة لا تقبل الجدل والمعارضة . مع إجماع هؤلاء العلماء الأماثل من مؤرخي الإسلام إجماعاًَ تاماًَ في كل عصور الحضارة الإسلامية على وجود العرب وغيرهم من القحطانيين والحميريين والعدنانيين في كرمان ومكران من أقدم العصور . قال ـ أبوالقاسم محمد الحوقلي البغدادي ـ المعروف ـ بأبي القاسم النصيبي ـ في كتابه ( صورة الأرض ) الطبعة الثانية ـ مدينة ليدن ـ مطبعة بريل 1967م صفحة ـ 320 ـ ( والمنصورة مدينة مقدارها في الطول والعرض نحو ميل . في مثله ويحيط بها خليج من نهر ـ مهران ـ وهي شبه بالجزيرة . وأهلها مسلمون . ملكها من قريش . من ولد هبار بن الأسود . وقد تغلب عليها أجداده وساسوهم سياسة أوجبت الرعية فيهم . وإيثارهم على من سواهم . غير أن الخطبة لبني العباس ) . صورة الأرض إبن حوقل صفحة ـ 309 ـ ( ومفازة بين القفص . ومكران وغريبها ـ البلوص ـ وحدود نواحي المتوجان ونواحي ـ مرموز ـ ويقال إنها سبعة أجبال ولكل جبل رئيس منهم وهم صنف مثل ـ الأكراد ـ وحي من أحيائهم ويكونون على ما قاله أهل نواحيهم نحو عشرة آلف رجل مستظهرين ممتنعين . وكان للسلطان عليهم جراية يستكفهم بها . وهم مع ذلك يقطعون الطريق . ويخيفون السبيل في عامة ـ كرمان ـ الى مفازة سجستان . وحدود فارس فإستأصل الملك شأفتهم وكسر شوكتهم وجاس ديارهم . وأخرب نواحيهم وشتتهم ثم الجاهم الى خدمته . ومزقهم في اكناف نواحية . ومملكته وهم رحالة لا دواب لهم . والغالب على خلقهم النحافة والسمرة وتمام الخلق