إنهكان يتفكه حيناً ويطرف للفكاهة والمزاح – الذى لا يحمل إثماً – أحياناً، فلم يكن النبى
فى حياته جافاً ولا قاسياً ولا فظاً ولا غليظاً، وإننا عند استعراض سيرته وحياته
نجدها قد تخللها نوع من الدعابة والمزاح.
كان رسول اللهيمزح ولا يقول فى مزاحه إلا الحق، ووردت لنا أحاديث كثيرة فى ذلك منها:
1- ما جاء عن أبى هريرة – رضى الله عنه – قال: قالوا (أى الصحابة): "يا رسول الله إنك تداعبنا ! قال: لا أقول إلا حقاً"، وفى رواية: "إنى وإن داعبتكم فلا أقول إلا حقاً".
وفى رواية ابن عمر – رضى الله عنهما – قال: قال رسول الله: "إنى لأمزح ولا أقول إلا حقاً".
صور من مزاح النبى![]()
1- مزاحهبالأفعال:
كان النبىيمازح صحابته بأفعاله وأقواله، فمن نماذج مزاحه بأفعاله:
*مزاح النبىوزاهر بن حرام – رضى الله عنه -:
تحكى كتب السنة لنا ما دار بين النبىوزاهر بن حرام، وكان من الصحابة الذين يبعثون الهدايا للنبى
، ولندع أنساً – رضى الله عنه – يروى لنا هذه الدعابة:
عن أنس – رضى الله عنه - : "أن رجلاً من أهل البادية كان اسمه زاهر بن حرام وكان يهدى للنبىالهدية من البادية، وكان النبى
يحبه وكان دميماً فأتاه النبى
يوماً وهو يبيع متاعه فاحتضنه من خلفه وهو لا يبصره، فقال: أرسلنى من هذا؟ فالتفت، فعرف النبى
فجعل لا يألو ما ألزق ظهره بصدر النبى
حين عرفه، وجعل النبى
يقول: من يشترى العبد؟ فقال: يا رسول الله إذاً والله تجدنى كاسداً، فقال النبى
لكن عند الله لست بكاسد أنت غال، وفى رواية: أنت عند الله رابح".
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده ،،، أما بعد أحبتي في الله .. فبعد أن بيننا في الجزء الأول من الموضوع عن معنى المزاح عند النبيوأنه ما كان يقول في مزاحه الا الحق فهذه نماذج من مزاحه مع أزواجه وأصحابه وحتى الأطفال بأبي وأمي هو عليه الصلاة والسلام،،
وقد جعلت هذا الموضوع أجزاء منفصلة متحاشيا الملل و التطويل...
مع عائشة – رضى الله عنها - :
كانيقطع ملل الحياة الزوجية ببعض المزاح لترفيه عن أهله، فقد ورد أنه
كان يسابق بعض زوجاته:
فعن عائشة – رضى الله عنها - : "أنها كانت مع رسول اللهفى سفر، وهى جارية، فقال لأصحابه: تقدموا، ثم قال: تعالى أسابقك، فسابقته، فسبقته على رجلى، فلما كان بعد، خرجت معه فى سفر، فقال لأصحابه: تقدموا، ثم قال: تعالى أسابقك، ونسيت الذى كان وقد حملت اللحم، فقلت: كيف أسابقك يا رسول الله، وأنا على هذه الحال؟ فقال: لتفعلن، فسابقته فسبقنى، فقال: هذه بتلك السبقة".
مع الأطفال:
حتى الأطفال كانيمازحهم ويشاركهم لعبهم:
فروى عن عبد الله بن الحارث قال: كان رسول اللهيصف عبدالله وعبيد الله وكثير بن العباس ثم يقول: "من سبق إلى فله كذا وكذا، قال: فيستبقون إليه فيقعون على ظهره وصدره فيقبلهم ويلتزمهم".
مع رجل من الأنصار:
كان الأنصار – رضى الله عنهم – يتمازحون ويتضاحكون، ويحكى لنا أسيد بن حضير ما حدث بين النبىورجل منهم:
يقول أسيد: "بينما رجل من الأنصار يحدث القوم وكان فيه مزاح بيننا يضحكهم، فطعنه النبىفى خاصرته بعود، فقال: أصبرنى، فقال: أصطبر، قال: إن عليك قميصاً وليس على قميص، فرفع النبى
عن قميصه فاحتضنه وجعل الرجل يقبل كشحه، قال: إنما أردت هذا يا رسول الله".
2- مزاحهبحيلة لغوية:
كانيستخدم الحيل اللغوية فى دعابته، وذلك بأن يأتى بالكلام الذى يحتمل معنيين: معنى قريب متبادر إلى الذهن، ومعنى بعيد لا يفهمه إلا الخواص، ويقصد المعنى البعيد، وهو ما يسمى فى البلاغة بالتورية، وحدث ذلك منه
فى أكثر من موقف منها:
مع عجوز من الأنصار:
كان رسول اللهمتواضعاً منبسطاً مع عامة المسلمين على اختلاف منازلهم، فتحكى السيدة عائشة – رضى الله عنها – ممازحته لعجوز من الأنصار فتقول:
"أتت عجوز إلى رسول اللهفقالت: يا رسول الله ادع الله أن يدخلنى الجنة، فقال لها: يا أم فلان إن الجنة لا يدخلها عجوز، قال: فولت – المرأة – تبكى، فقال رسول الله
: أخبروها أنها لا تدخلها وهى عجوز، إن الله يقول: "إنا أنشاناهن إنشاء، فجعلناهن أبكاراً، عربا أتراباً" (الواقعة: 35-37).
مع الأعرابى الذى سأله جملاً:
يحكى لنا أنس – رضى الله عنه – مداعبة النبىللأعرابى الذى طلب منه ناقة يحمل عليه متاعه فى سفره:
يقول أنس – رضى الله عنه - : استحمل رجل رسول الله، فقال النبى
: "إنى حاملك على ولد ناقة، فقال الرجل: يا رسول الله، وما أصنع بولد الناقة؟ فقال رسول الله
: وهل تلد الإبل إلا النوق ..".
3- دعابتهبحيلة لغوية ورد الصحابى عليه بالمثل:
قد يكون من يكلمهمتنبهاً فلا يقع فى خطأ، ولكن يستطيع أن يرد عليه متخلصاً من سؤاله أو كلامه، وهذا ما حدث مع صهيب وهو ما يسمى بالتشتيت اللغوى،،،
إذ كان الصحابى الجليل صهيب – رضى الله عنه – مريض وكان النبىيمازحه ويخفف عنه، وهذا ما جاء فى هذه الرواية وإليك نصها:
عن صهيب – رضى الله عنه – قال : "أنه كان يأكل التمر وبه رمد، فقال له رسول اللهأتأكل وأنت أرمد؟"، فقال: أنا آكل بالشق الآخر، فضحك رسول الله
، وفى رواية أخرى قال صهيب: "قدمت على النبى
وبين يديه خبز وتمر، فقال النبى
: ادن فكل، فأخذت آكل من التمر، فقال النبى
: تأكل تمراً وبك رمد؟ قال: فقلت: إنى أمضغ من ناحية أخرى، فتبسم رسول الله
".
4- نوادر ادعاء الغفلة معه صلي الله عليه وسلم
كان بعض الصحابة يمازح النبي صلي الله عليه وسلم بتغافله بأن يقول قولاً لايصدر إلا من غافل ساه لكنه غير ذلك، ومن ذلك:
عوف بن مالك معه صلي الله عليه وسلم:
كان صلي الله عليه وسلم يداعب عوف بن مالك عندما يدخل عليه صلي الله عليه وسلم وهو ما توضحه هذه الرواية :
عن عوف الأشجعي قال :
"أتيت رسول الله صلى الله عليه و سلم في غزوة تبوك و هو في قبة من أدم، فسلمت فرد وقال : أدخل، فقلت : أكلي يارسول الله؟ قال: كلك، فدخلت". قال عثمان بن أبي العاتكة : " إنما قال : أدخل كلي من صغر القبة". وقد يكون مزاحاً بين الصحابي والرسول صلي الله عليه وسلم، إذ كيف يدخل بعض الإنسان أو يستأذن لبعضه، فلو أستأذن لرأس لكان إذناً له كله.
5 – تعريضه صلي الله عليه وسلم في الكلام:
وقد يعرض النبي صلي الله عليه وسلم في تعليقه على موقف رآه فيعرض فيه بالشبه و غيره بما قد يفهم غير مراده :
مع سفينة مولى رسول الله صاى الله عليه و سلم
قال : ثقل علي القوم متاعهم ، فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم: " أبسط كساءك" ، فجعلوا فيه متاعهم، فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم: " أحمل فإنما أنت سفينة، قال : فلو حملت من يومئذ وقر بعير أو بعيرين أو ثلاثة، حتي بلغ سبعة ما ثقل علي ".
مع بريده –-:
عن أبي طيبة عبد الله بن مسلم، عن ابن بريدة، عن أبيه قال: " كنت مع النبي صلي الله عليه وسلم في سفر فثقل علي القوم بعض متاعهم، فجعلوا يطرحونه علي، فمر بي النبي صلي الله عليه وسلم، فقال: انت زاملة".
قولهلرجل: أنت أبو الورد:
روي ان النبيرأى رجلاً ذو بشرة مشوبة بحمرة فداعبه مداعبة لطيفة وهذا كما توضحه هذه الرواية:
عن حميد الطويل، عن ابن أبي الورد، عن أبيه قال: " رآني النبي، فرآني رجلاً أحمر، فقال : أنت أبو الورد، فقال جبارة: يعني يمازحه".
تعريف خاص به:
وذلك بأن يقول كلاماً يفهم منه شئ وهو يريد شيئاً لايعرفة إلا هو وهو خاص به وحده، ومنه مما روي عن ابن حبان في صحيحه أن النبيرأي جارية يتيمة في بيت أم سليم فمازحها النبي صلي الله عليه وسلم:
وفي ذلك يقول أنس بن مالك-- : " رأي نبي الله
جارية يتيمة عند أم سليم، وهي أم أنس بن مالك،فقال لها النبي يا رسول الله علي يتيمتي أن لا يشب الله قرنها، فو الله لا يشب أبداً، فقال النبي: يا أم سليم، أو ما علمت أني اتخذت عند ربي عهداً، أيما أحد من أمتي دعوت عليه ليس من أهلها أن يجعلها له طهور أو قربة يقربه بها يوم القيامة.
أي ان هذا الذى ورد خاص به صلي الله عليه وسلم، ولايجوز أن يدعوا إنسان علي غيره في أهلة أو ماله، إذا كان غير مستحق ان يدعي عليه بحجة فعله، فهذا شئ خاص به.
ذكرهحقيقة واقعة:
مع أنس بن مالك –:
وكانيلاطف أنساً ويداعبة، وفي ذلك يقول عاصم الأحول : حدثني أنس –
– أن النبي صلي الله عليه وسلم قال : "يا ذا الأذنين، قال أبو أسامة : يعني مازحه ".
تذكيرهبحوادث طريفة سابقة:
وكان من كريم اخلاقة صلي الله عليه وسلم ورحمته بالأطفال انه كان يمازحهم ويداعبهم، وفي ذلك يقول انس بن مالككان رسول الله صلى الله عليه و سلم أحسن الناس خلقاً و كان لي أخ يقال له : أبو عمير فكان اذا جاء النبي صلى الله عليه و سلم فرآه قال : يا أبا عمير ما فعل النغير ؟و في رواية : " دخل علي أبي طلحة
فرأي ابنا له يكني ابا عمير حزيناً، قال أنس: وكان النبي صلي الله عليه وسلم إذا راه مازحه". فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم : " مالي أري أبا عمير حزيناً؟ قالوا : يارسول الله ، مات نغره الذى كان يلعب به ".
قال انس : فجعل رسول الله صلي الله عليه وسلم يقول :" ياأبا عمير ما فعل النغير؟؟
وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
المفضلات