لقد شغلت النخلة حيزا كبيرا في ا لذاكرة الشعرية العربية باعتبارها رمزا للعطاء والوفاء واعتبارها ظلا ظليلا
وطعاما سائغا , وأنيسا في الغربة , وقد اخترت لكم هذه الأبيات من موروثنا الشعري الأصيل

يقول حسان بن ثابت رصي الله عنه
أبلغ عبيدا بأني قد تركت له *** من خير ما يترك الآباء للولد
الدار واسعة والنخل شارعة *** والبيض يرفلن في القسي كالبرد
وهنا إشارة إلى القيمة الغذائية للنخلة حتى أنها من خير ما يورث للأبناء , فلله درك يا شاعر الرسول .

يقول عبد الرحمن الداخل ( وقصته قصة مع الغربة والنخلة) فقد جاء بها من المشرق ليزرعها في أرض الأندلس
تبدت لنا وسط الرصافة نخلة *** تناءت بأرض الغرب عن بلد النخل
فقلت شبيهي في التغرب والنوى ** وطول التنائي عن بنيّ وعن أهلي
نشأت بأرض أنت فيها غريبة *** فمثلك في الإقصاء والمنتأى مثلي
ويوجه خطابه إلى النخلة العربية ويقرن حاله بحالها ويدعوها للمشاركة في بكاء غربته
يانخلة أنت غريبة مثلي *** في الغرب نائية عن الأصل
فابكي وهل تبكي مكبسة *** عجماء لم تطبع على خبل
لو أنها تبكي إذا لبكت *** ماء الفرات ومنبت النخل
هيه يا صقر قريش ما أجمل شعرك وأصدقه كيف لا وعاطفة الحنين والغربة تفوح منه .

ولنا وقفة مع أمير الشعراء أحمد شوقي حيث يصفها بأجمل الأوصاف
أهذا هو النخل ملك الرياض *** أمير الحقول عروس العزب
طعام الفقير وحلوى الغني *** وزاد المسافر والمغترب
فيا نخلة الـرمـل لـم تـبـخلي *** ولا قصرت نخلات العزب
وعودة لمناجاةالغريب للغريب والعاطفة الجياشة , فهذا مسلم بن الوليد يخاطب شجرة في المسجد عندما كان واليا
لجرجان في عهد المأمون وقد هزه الشوق وأضنته الغربة

ألا يا نخلة بالسفح من أكتاف جرجان *** ألا إني وإياك بجرجان غريبان
وقال مطيع بن إياس مخاطبا نخلتين في حلوان
أسعداني يا نخلتي حلوان *** وارثيا لي من ربيب هذا الزمان
واعلما إن بقيتما أن تحسا *** سوف يـلـقـاكما فـتفـترقـان
وضرب المثل بتلازمهما فقيل( أطول صحبة من نخلتي حلوان )

واشتهرت بلاد بنخيلها ومثال ذلك

قول ابن معصوم في نخل المدينة

هذا المصلي وذا النخيل *** ياحبذا ظله الظليل
وهـذه طـيـبـة تـراءت *** فعج بنا يا أيها الدليل
ويقول الرصافي مرحبا بضيوف العراق
إن العراق بعرضه وبطوله *** وبرافديه وباسقات نخيله
يهتز مبتهجا بمقدم ضيفه *** ويبش مبتسما بوجه نزيله
ويحيي الجواهري نخيل العراق في مقصورته الشهيرة
سلام على هضبات العراق *** وشطيه والجرف والمنحنى
على النخل ذي السعفات الطوال ** على سيد الشجر المقتنى
أما في الغزل فقد اخترت لكم بعض الأبيات
يصف ابن سهل الأندلسي لقاء الأحباب بعد طول غياب بعطاء النخل أحلى الثمر
أهدى التلاقي صبح وجهك مسفرا *** فحمدت عند الصبح عاقبة السرى
أمـنـيـة كـم أبـطـأت لـكن حـلـت *** كالنـخـل طاب قـطـافـه وتـأخرا
ويقول قطبة بن الخضراء
لمن ظعن تطالع مع ستار *** مع الإشراق كالنخل الوقار
أما أجمل ما قيل في النخيل - برأيي - هي موعظة فيلسوف العربية أبو العلاء المعري لمن تيسر له جني النخل
بأن لا ينسى حق المحروم فيدعوه أو يرسل له

إذا كنت في نخل جناه ميسر *** لكفك فاهتف بالضعيف إلى النخل .
فإن لم يعد فابعث له سهم طارق ** لتؤجر أو تدعى البريء من البخل