السَّادِسَة :
وَأَمَّا الْمَأْمُوم فَإِنْ أَدْرَكَ الْإِمَام رَاكِعًا فَالْإِمَام يَحْمِل عَنْهُ الْقِرَاءَة ; لِإِجْمَاعِهِمْ عَلَى أَنَّهُ إِذَا أَدْرَكَهُ رَاكِعًا أَنَّهُ يُكَبِّر وَيَرْكَع وَلَا يَقْرَأ شَيْئًا وَإِنْ أَدْرَكَهُ قَائِمًا فَإِنَّهُ يَقْرَأ , وَهِيَ الْمَسْأَلَة :
السَّابِعَة :
وَلَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يَدَعَ الْقِرَاءَةَ خَلْفَ إِمَامه فِي صَلَاة السِّرّ ; فَإِنْ فَعَلَ فَقَدْ أَسَاءَ ; وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ عِنْدَ مَالِك وَأَصْحَابه. وَأَمَّا إِذَا جَهَرَ الْإِمَام وَهِيَ الْمَسْأَلَة :
الثَّامِنَة :
فَلَا قِرَاءَةَ بِفَاتِحَةِ الْكِتَاب وَلَا غَيْرهَا فِي الْمَشْهُور مِنْ مَذْهَب مَالِك ; لِقَوْلِ اللَّه تَعَالَى : " وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآن فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا " [ الْأَعْرَاف : 204 ] , وَقَوْل رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَا لِي أُنَازَع الْقُرْآنَ ) , وَقَوْله فِي الْإِمَام : ( إِذَا قَرَأَ فَأَنْصِتُوا ) , وَقَوْل : ( مَنْ كَانَ لَهُ إِمَام فَقِرَاءَة الْإِمَام لَهُ قِرَاءَة ) .
وَقَالَ الشَّافِعِيّ فِيمَا حَكَى عَنْهُ الْبُوَيْطِيّ وَأَحْمَد بْن حَنْبَل : لَا تُجْزِئ أَحَدًا صَلَاةٌ حَتَّى يَقْرَأَ بِفَاتِحَةِ الْكِتَاب فِي كُلّ رَكْعَة , إِمَامًا كَانَ أَوْ مَأْمُومًا , جَهَرَ إِمَامه أَوْ أَسَرَّ . وَكَانَ الشَّافِعِيّ بِالْعِرَاقِ يَقُول فِي الْمَأْمُوم : يَقْرَأ إِذَا أَسَرَّ وَلَا يَقْرَأ إِذَا جَهَرَ ; كَمَشْهُورِ مَذْهَب مَالِك. وَقَالَ بِمِصْرَ : فِيمَا يَجْهَر فِيهِ الْإِمَام بِالْقِرَاءَةِ قَوْلَانِ : أَحَدهمَا أَنْ يَقْرَأَ وَالْآخَر يُجْزِئهُ أَلَّا يَقْرَأ وَيَكْتَفِي بِقِرَاءَةِ الْإِمَام. حَكَاهُ اِبْن الْمُنْذِر . وَقَالَ اِبْن وَهْب وَأَشْهَب وَابْن عَبْد الْحَكَم وَابْن حَبِيب وَالْكُوفِيُّونَ : لَا يَقْرَأ الْمَأْمُوم شَيْئًا , جَهَرَ إِمَامه أَوْ أَسَرَّ ; لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَام : ( فَقِرَاءَة الْإِمَام لَهُ قِرَاءَة ) وَهَذَا عَامّ , وَلِقَوْلِ جَابِر : مَنْ صَلَّى رَكْعَةً لَمْ يَقْرَأ فِيهَا بِأُمِّ الْقُرْآن فَلَمْ يُصَلِّ إِلَّا وَرَاءَ الْإِمَام .
التَّاسِعَة :
الصَّحِيح مِنْ هَذِهِ الْأَقْوَال قَوْل الشَّافِعِيّ وَأَحْمَد وَمَالِك فِي الْقَوْل الْآخَر , وَأَنَّ الْفَاتِحَةَ مُتَعَيِّنَة فِي كُلّ رَكْعَة لِكُلِّ أَحَد عَلَى الْعُمُوم ; لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأ فِيهَا بِفَاتِحَةِ الْكِتَاب ) , وَقَوْله : ( مَنْ صَلَّى صَلَاة لَمْ يَقْرَأ فِيهَا بِأُمِّ الْقُرْآن فَهِيَ خِدَاج ) ثَلَاثًا . وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَة : أَمَرَنِي رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ أُنَادِيَ أَنَّهُ : ( لَا صَلَاةَ إِلَّا بِقِرَاءَةِ فَاتِحَة الْكِتَاب فَمَا زَادَ ) أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ. كَمَا لَا يَنُوب سُجُود رَكْعَة وَلَا رُكُوعهَا عَنْ رَكْعَة أُخْرَى , فَكَذَلِكَ لَا تَنُوب قِرَاءَة رَكْعَة عَنْ غَيْرهَا ; وَبِهِ قَالَ عَبْد اللَّه بْن عَوْن وَأَيُّوب السِّخْتِيَانِيّ وَأَبُو ثَوْر وَغَيْره مِنْ أَصْحَاب الشَّافِعِيّ وَدَاوُدُ بْن عَلِيّ , وَرُوِيَ مِثْله عَنْ الْأَوْزَاعِيّ ; وَبِهِ قَالَ مَكْحُول . وَرُوِيَ عَنْ عُمَر بْن الْخَطَّاب وَعَبْد اللَّه بْن عَبَّاس وَأَبِي هُرَيْرَة وَأُبَيّ بْن كَعْب وَأَبِي أَيُّوب الْأَنْصَارِيّ وَعَبْد اللَّه بْن عَمْرو بْن الْعَاص وَعُبَادَة بْن الصَّامِت وَأَبِي سَعِيد الْخُدْرِيّ وَعُثْمَان بْن أَبِي الْعَاص وَخَوَّات بْن جُبَيْر أَنَّهُمْ قَالُوا : لَا صَلَاةَ إِلَّا بِفَاتِحَةِ الْكِتَاب . وَهُوَ قَوْل اِبْن عُمَر وَالْمَشْهُور مِنْ مَذْهَب الْأَوْزَاعِيّ ; فَهَؤُلَاءِ الصَّحَابَة بِهِمْ الْقُدْوَة , وَفِيهِمْ الْأُسْوَة , كُلّهمْ يُوجِبُونَ الْفَاتِحَةَ فِي كُلّ رَكْعَة.
وَقَدْ أَخْرَجَ الْإِمَام أَبُو عَبْد اللَّه مُحَمَّد بْن يَزِيد بْن مَاجَهْ الْقَزْوِينِيّ فِي سُنَنه مَا يَرْفَع الْخِلَافَ وَيُزِيل كُلَّ اِحْتِمَال فَقَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن فُضَيْل , ح , وَحَدَّثَنَا سُوَيْد بْن سَعِيد حَدَّثَنَا عَلِيّ بْن مُسْهِر جَمِيعًا عَنْ أَبِي سُفْيَان السَّعْدِيّ عَنْ أَبِي نَضْرَة عَنْ أَبِي سَعِيد الْخُدْرِيّ قَالَ قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأ فِي كُلّ رَكْعَة بِالْحَمْدُ لِلَّهِ وَسُورَة فِي فَرِيضَة أَوْ غَيْرهَا ) . وَفِي صَحِيح مُسْلِم عَنْ أَبِي هُرَيْرَة أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ لِلَّذِي عَلَّمَهُ الصَّلَاةَ : ( وَافْعَلْ ذَلِكَ فِي صَلَاتك كُلّهَا ) وَسَيَأْتِي . وَمِنْ الْحُجَّة فِي ذَلِكَ أَيْضًا مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ عَنْ نَافِع بْن مَحْمُود بْن الرَّبِيع الْأَنْصَارِيّ قَالَ : أَبْطَأَ عُبَادَة بْن الصَّامِت عَنْ صَلَاة الصُّبْح ; فَأَقَامَ أَبُو نُعَيْم الْمُؤَذِّن الصَّلَاةَ فَصَلَّى أَبُو نُعَيْم بِالنَّاسِ , وَأَقْبَلَ عُبَادَة بْن الصَّامِت وَأَنَا مَعَهُ حَتَّى صَفَفْنَا خَلْفَ أَبِي نُعَيْم , وَأَبُو نُعَيْم يَجْهَر بِالْقِرَاءَةِ ; فَجَعَلَ عُبَادَة يَقْرَأ بِأُمِّ الْقُرْآن ; فَلَمَّا اِنْصَرَفَ قُلْت لِعُبَادَةَ : سَمِعْتُك تَقْرَأ بِأُمِّ الْقُرْآن وَأَبُو نُعَيْم يَجْهَر ؟ قَالَ : أَجَلْ ! صَلَّى بِنَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْض الصَّلَوَات الَّتِي يَجْهَر فِيهَا بِالْقِرَاءَةِ فَالْتَبَسَتْ عَلَيْهِ ; فَلَمَّا اِنْصَرَفَ أَقْبَلَ عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ فَقَالَ : ( هَلْ تَقْرَءُونَ إِذَا جَهَرْت بِالْقِرَاءَةِ ) ؟ فَقَالَ بَعْضنَا : إِنَّا نَصْنَع ذَلِكَ ; قَالَ : ( فَلَا . وَأَنَا أَقُول مَا لِي يُنَازَعُنِي الْقُرْآن فَلَا تَقْرَءُوا بِشَيْءٍ مِنْ الْقُرْآن إِذَا جَهَرْت إِلَّا بِأُمِّ الْقُرْآن ) . وَهَذَا نَصّ صَرِيح فِي الْمَأْمُوم . وَأَخْرَجَهُ أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيّ مِنْ حَدِيث مُحَمَّد بْن إِسْحَاق بِمَعْنَاهُ ; وَقَالَ : حَدِيث حَسَن . وَالْعَمَل عَلَى هَذَا الْحَدِيث فِي الْقِرَاءَة خَلْف الْإِمَام عِنْدَ أَكْثَر أَهْل الْعِلْم مِنْ أَصْحَاب النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالتَّابِعِينَ ; وَهُوَ قَوْل مَالِك بْن أَنَس وَابْن الْمُبَارَك وَالشَّافِعِيّ وَأَحْمَد وَإِسْحَاق , يَرَوْنَ الْقِرَاءَةَ خَلْفَ الْإِمَام . وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا الدَّارَقُطْنِيّ وَقَالَ : هَذَا إِسْنَاد حَسَن , وَرِجَاله كُلّهمْ ثِقَات ; وَذُكِرَ أَنَّ مَحْمُودَ بْن الرَّبِيع كَانَ يَسْكُن إِيلِيَاء , وَأَنَّ أَبَا نُعَيْم أَوَّل مِنْ أَذَّنَ فِي بَيْت الْمَقْدِس . وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد عَبْد الْحَقّ : وَنَافِع بْن مَحْمُود لَمْ يَذْكُرهُ الْبُخَارِيّ فِي تَارِيخه وَلَا اِبْن أَبِي حَاتِم ; وَلَا أَخْرَجَ لَهُ الْبُخَارِيّ وَمُسْلِم شَيْئًا . وَقَالَ فِيهِ أَبُو عُمَر : مَجْهُول . وَذَكَرَ الدَّارَقُطْنِيّ عَنْ يَزِيد بْن شَرِيك قَالَ : سَأَلْت عُمَر عَنْ الْقِرَاءَة خَلْفَ الْإِمَام , فَأَمَرَنِي أَنْ أَقْرَأَ , قُلْت : وَإِنْ كُنْت أَنْتَ ؟ قَالَ : وَإِنْ كُنْت أَنَا ; قُلْت : وَإِنْ جَهَرْت ؟ قَالَ : وَإِنْ جَهَرْت. قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ : هَذَا إِسْنَاد صَحِيح . وَرُوِيَ عَنْ جَابِر بْن عَبْد اللَّه قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( الْإِمَام ضَامِن فَمَا صَنَعَ فَاصْنَعُوا ) . قَالَ أَبُو حَاتِم : هَذَا يَصِحّ لِمَنْ قَالَ بِالْقِرَاءَةِ خَلْفَ الْإِمَام ; وَبِهَذَا أَفْتَى أَبُو هُرَيْرَة الْفَارِسِيّ أَنْ يَقْرَأَ بِهَا فِي نَفْسه حِينَ قَالَ لَهُ : إِنِّي أَحْيَانًا أَكُون وَرَاء الْإِمَام , ثُمَّ اِسْتَدَلَّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى : ( قَسَمْت الصَّلَاة بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي نِصْفَيْنِ فَنِصْفهَا لِي وَنِصْفهَا لِعَبْدِي وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ ) . قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( اِقْرَءُوا يَقُول الْعَبْد الْحَمْد لِلَّهِ رَبّ الْعَالَمِينَ ) الْحَدِيث .
الْعَاشِرَة :
أَمَّا مَا اِسْتَدَلَّ بِهِ الْأَوَّلُونَ بِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَام : ( وَإِذَا قَرَأَ فَأَنْصِتُوا ) أَخْرَجَهُ مُسْلِم مِنْ حَدِيث أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ ; وَقَالَ : وَفِي حَدِيث جَرِير عَنْ سُلَيْمَان عَنْ قَتَادَة مِنْ الزِّيَادَة ( وَإِذَا قَرَأَ فَأَنْصِتُوا ) قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ : هَذِهِ اللَّفْظَة لَمْ يُتَابَع سُلَيْمَان التَّيْمِيّ فِيهَا عَنْ قَتَادَة ; وَخَالَفَهُ الْحُفَّاظ مِنْ أَصْحَاب قَتَادَة فَلَمْ يَذْكُرُوهَا ; مِنْهُمْ شُعْبَة وَهِشَام وَسَعِيد بْن أَبِي عَرُوبَة وَهَمَّام وَأَبُو عَوَانَة وَمَعْمَر وَعَدِيّ بْن أَبِي عُمَارَة . قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ : فَإِجْمَاعهمْ يَدُلّ عَلَى وَهْمه . وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَبْد اللَّه بْن عَامِر عَنْ قَتَادَة مُتَابَعَة التَّيْمِيّ ; وَلَكِنْ لَيْسَ هُوَ بِالْقَوِيِّ , تَرَكَهُ الْقُطْعَان . وَأَخْرَجَ أَيْضًا هَذِهِ الزِّيَادَة أَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة وَقَالَ : هَذِهِ الزِّيَادَة ( إِذَا قَرَأَ فَأَنْصِتُوا ) لَيْسَتْ بِمَحْفُوظَةٍ . وَذَكَرَ أَبُو مُحَمَّد عَبْد الْحَقّ : أَنَّ مُسْلِمًا صَحَّحَ حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَة وَقَالَ : هُوَ عِنْدِي صَحِيح .
قُلْت : وَمِمَّا يَدُلّ عَلَى صِحَّتهَا عِنْدَهُ إِدْخَالهَا فِي كِتَابه مِنْ حَدِيث أَبِي مُوسَى وَإِنْ كَانَتْ مِمَّا لَمْ يُجْمِعُوا عَلَيْهَا . وَقَدْ صَحَّحَهَا الْإِمَام أَحْمَد بْن حَنْبَل وَابْن الْمُنْذِر . وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى : " وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآن فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا " [ الْأَعْرَاف : 204 ] فَإِنَّهُ نَزَلَ بِمَكَّة , وَتَحْرِيم الْكَلَام فِي الصَّلَاة نَزَلَ بِالْمَدِينَةِ - كَمَا قَالَ زَيْد بْن أَرْقَم فَلَا حُجَّة فِيهَا ; فَإِنَّ الْمَقْصُودَ كَانَ الْمُشْرِكِينَ , عَلَى مَا قَالَ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب . وَقَدْ رَوَى الدَّارَقُطْنِيّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَة أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي رَفْع الصَّوْت خَلْفَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَقَالَ : عَبْد اللَّه بْن عَامِر ضَعِيف . وَأَمَّا قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام : ( مَا لِي أُنَازَع الْقُرْآنَ ) فَأَخْرَجَهُ مَالِك عَنْ اِبْن شِهَاب عَنْ اِبْن أُكَيْمَةَ اللَّيْثِيّ , وَاسْمه فِيمَا قَالَ مَالِك : عَمْرو , وَغَيْره يَقُول عَامِر , وَقِيلَ يَزِيد , وَقِيلَ عُمَارَة , وَقِيلَ عَبَّاد , يُكَنَّى أَبَا الْوَلِيد تُوُفِّيَ سَنَة إِحْدَى وَمِائَة وَهُوَ اِبْن تِسْع وَسَبْعِينَ سَنَة , لَمْ يَرْوِ عَنْهُ الزُّهْرِيّ إِلَّا هَذَا الْحَدِيثَ الْوَاحِدَ , وَهُوَ ثِقَة , وَرَوَى عَنْهُ مُحَمَّد بْن عَمْرو وَغَيْره. وَالْمَعْنَى فِي حَدِيثه : لَا تَجْهَرُوا إِذَا جَهَرْت فَإِنَّ ذَلِكَ تَنَازُع وَتَجَاذُب وَتَخَالُج , اِقْرَءُوا فِي أَنْفُسكُمْ . يُبَيِّنهُ حَدِيث عُبَادَة وَفُتْيَا الْفَارُوق وَأَبِي هُرَيْرَة الرَّاوِي لِلْحَدِيثَيْنِ . فَلَوْ فُهِمَ الْمَنْع جُمْلَة مِنْ قَوْله : ( مَا لِي أُنَازَع الْقُرْآنَ ) لَمَا أَفْتَى بِخِلَافِهِ , وَقَوْل الزُّهْرِيّ فِي حَدِيث اِبْن أُكَيْمَةَ : فَانْتَهَى النَّاس عَنْ الْقِرَاءَة مَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا جَهَرَ فِيهِ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْقِرَاءَةِ , حِين سَمِعُوا ذَلِكَ مِنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , يُرِيد بِالْحَمْدِ عَلَى مَا بَيَّنَّا ; وَبِاَللَّهِ تَوْفِيقنَا . وَأَمَّا قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَنْ كَانَ لَهُ إِمَام فَقِرَاءَة الْإِمَام لَهُ قِرَاءَة ) فَحَدِيث ضَعِيف أَسْنَدَهُ الْحَسَن بْن عُمَارَة وَهُوَ مَتْرُوك , وَأَبُو حَنِيفَة وَهُوَ ضَعِيف ; كِلَاهُمَا عَنْ مُوسَى بْن أَبِي عَائِشَة عَنْ عَبْد اللَّه بْن شَدَّاد عَنْ جَابِر . أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَقَالَ : رَوَاهُ سُفْيَان الثَّوْرِيّ وَشُعْبَة وَإِسْرَائِيل بْن يُونُس وَشَرِيك وَأَبُو خَالِد الدَّالَانِيّ وَأَبُو الْأَحْوَص وَسُفْيَان بْن عُيَيْنَةَ وَجَرِير بْن عَبْد الْحَمِيد وَغَيْرهمْ , عَنْ مُوسَى بْن أَبِي عَائِشَة عَنْ عَبْد اللَّه بْن شَدَّاد مُرْسَلًا عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ الصَّوَاب . وَأَمَّا قَوْل جَابِر : مَنْ صَلَّى رَكْعَةً لَمْ يَقْرَأ فِيهَا بِأُمِّ الْقُرْآن فَلَمْ يُصَلِّ إِلَّا وَرَاء الْإِمَام ; فَرَوَاهُ مَالِك عَنْ وَهْب بْن كَيْسَان عَنْ جَابِر قَوْله . قَالَ اِبْن عَبْد الْبَرّ : وَرَوَاهُ يَحْيَى بْن سَلَّام صَاحِب التَّفْسِير عَنْ مَالِك عَنْ أَبِي نُعَيْم وَهْب بْن كَيْسَان عَنْ جَابِر عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصَوَابه مَوْقُوف عَلَى جَابِر كَمَا فِي الْمُوَطَّأ . وَفِيهِ مِنْ الْفِقْه إِبْطَال الرَّكْعَة الَّتِي لَا يُقْرَأ فِيهَا بِأُمِّ الْقُرْآن ; وَهُوَ يَشْهَد لِصِحَّةِ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ اِبْن الْقَاسِم وَرَوَاهُ عَنْ مَالِك فِي إِلْغَاء الرَّكْعَة وَالْبِنَاء عَلَى غَيْرهَا وَلَا يَعْتَدّ الْمُصَلِّي بِرَكْعَةٍ لَا يَقْرَأ فِيهَا بِفَاتِحَةِ الْكِتَاب . وَفِيهِ أَيْضًا أَنَّ الْإِمَام قِرَاءَته لِمَنْ خَلْفه قِرَاءَة ; وَهَذَا مَذْهَب جَابِر وَقَدْ خَالَفَهُ فِيهِ غَيْره .
بنت ابوها
المفضلات