نادى عليّ راشد بأعلى صوته طلب مني أن أجاوره بجلوسه وأخبرني بـأمر حدث معه قبل أيام ,, وكما تعرفون راشد منّ الله عليه بخير ,, والحمد لله أصبح يملك مؤسسة مقاولات لا بأس بها معدات ثقيلة ,, تحت كفالته بنّـآؤون وعمال بمختلف المجالات ,, أخبرني بأنه يطلب من قريب لنا مبلغ مالي استدانه منه وإنه الآن بحاجته ولكن لم يتوفر معه المبلغ بعد أيام أشار عليه برغبته بتزويجه من أخته مقابل هذا المال ,, وافق راشد , لا أدري عن سبب موافقته هل هو أُحرج من قريبه أم إنه رحّب بالفكره ,, فقد كانت أخت قريبه مطلقه ولم تنجب أطفال ,, صدقوني كان الخبر عندي أمر عادي , لا اعلم وقتها هل هو برود مني أم من هول الصدمة ؟! كنت وقتها بآخر شهر لي بحملي – باركت له زواجه ولم اقدم أي اعتراض – فراشد لا تربطني به أي عاطفه حب بالرغم من إني بدأ شئ يتحرك له بقلبي قد يكون عرفان منه على بعض مواقفه معي – فا أنا لا اعلم , أقام راشد احتفال زواجه وقد قمت بالحضور وكأني أحتفل بزواج أخي وليس زوجي أمر عادي بالنسبة لي , غادرت مكان الحفل بوقت مبكر لأني أحسست بالآلآم المخاض وتوجهت لبيتي وكان مع بزوغ فجراً جديد كنت قد وضعت مولودتي الجديده
.. مضت فترة نفاسي بأسوأ مايكون لقد نساني راشد بتاتاً بالوقت الذي كنت بأشد الحاجة له , كان يتنقل بعروسه من مكان لمكان من دعوة غداء لدعوة عشاء بالوقت الذي كنت أتضور جوعاً. فلقد كنت ضعيفة البنية وأم مرضع وأقوم بخدمة عمي وخالتي وما كنت أطهوه من طعام لا أشتهي أكله ,, فكنت أحتضن ابنتي وابكي من شدة جوعي ,, مرت أيام لا أريد أن أذكرها بزواج راشد . بدأ فصل من العذاب , لكن إيماني بالله كان أقوى من كل شئ .. كنت أسهر مع رضيعتي وكنت اسمع ضحكاتهم عائدين من الخارج , تمنيت لو أن يأتي ولو مرة يسأل عني وعن طفلته أو أبنائه ,, كنت أشعر بأن الغيرة بدأت تتسرب إلى قلبي وخاصة إن ضرتي تسكن معي بنفس البيت , سأذكر لكم بأمر كان بيني وبين خالقي .. ذات نهار كان راشد يجلس معي ومع عمي نتجاذب الحديث فنادته زوجته فقام مسرعاً لها فلما رأيت أمره بأنه أصبح هكذا " نذرت لله نذراً إن انتزع الغيرة من قلبي على راشد سأصوم ثلاثة أيام ,, ووالله ثم والله ما إن أصبحت من ليلتي تلك إلا وكأن راشد شخص لا يعنيني " وأنا أرى إن ذلك من فضل ربي علي ,فضرة معي بنفس البيت وإمرأةلاتحسب لأي منا حساب ,,أمر ليس بالهيّن . مرت بنا الأيام ليس لدي لراشد سوى حقوقه عليّ كزوج فقط , أنا لم أكرهه يوماً ولكن لم أحبه أبداً ,, تقول تأخرت ضرتي بالإنجاب وكانت تخاف بأن يلحق بها ما لحق بها من زواجها الأول ,, ذهبت بها إلى أمرأة كانت تعالج النساء وكانت ذو خبرة بهذه الأمور وبفضل الله ومنته عليها حملت ضرتي , قد تندهشون من تعاملي معها أو تستغربونه ولكن أنا لا انتظر شئ من أحد كنت انتظر الأجر من الله انجبت ولداً وكنت قد انجبت بعدها بأشهر مولوداً أيضأ فكنت ارضع ابنها مع ابني وانجبت ضرتي بعده طفلتين
وبعدها حدث لها مرض لم تستطيع بعده الإنجاب ولأنها تقدمت بالسن فقد كانت تكبرني بالسن بفارق كبير ..
توالت عليّ المحن من ضرتي ومن ظلم راشد لأولادي فقد كان يفرّق بمعاملة أبنائه كان إبنها الأكبر ذومكانة عند راشد فقد كانت رغباته ملباه بالوقت الذي أحرم أنا وأبنائي من أمور كثيرة , كان ابني خالد يأتي إلي شاكياً من والده وكنت أقول له هذا والدك ولم يقصد شئ من أفعاله , كنت حريصة على تربية أبنائي وكنت دائماً استودعهم الله فهو خير الحافظين .. كان راشد كثير السفر لظروف اعماله الحرة , وكان وقتها صغيراً كنت أرى تعلقه بالمساجد فكنت افرح وادعو الله له بالصلاح , كان متفوقاً رغم ظروفه باراً بي منذ صغره , اتذكر في أحد الأيام وكان الجو بارداً والمسجد يبعد عن بيتنا مسافات ليست بقريبه كنت أوقظه لصلاة الفجر ليصلي بالبيت فقد كنت أخاف عليه إن يذهب إلى المسجد فكان يصر على الذهاب برغم صغر سنه , أصيب عمي بالمرض الخبيث وتوفي ولم يفقده أحد مثلي فقد كان سندي في محني بعد الله ,, افتقدته كثيراً افتقدت الجلوس معه بالصباح وحديثه الشيّق ,, افتقدت حتى مواساته لي بوقت أحزاني , رحمه الله رحمة واسعه .. كنت لا احصل على مصروف شهري من راشد ,, لا اريد أن انكر فضله ولكن ضيق اليد كان حليفنا بعد إن خسر راشد الشئ الكثير من أمواله ولكن الحمد لله , فقد التحق بوظيفة حكومية لا بأس بها ,, كنت أوقوم بمساعدته والإدخار و عدم طلب أي شئ حتى لا أضيق عليه, كبروا أبنائي وقتها كان أبنائي بالمدارس مابين المرحلة الابتدائية والمتوسطة وكنا نسكن في بيت بسيط جداً ,, مرت بي ايام ذقت من مرارتها أكثر من حلاوتها ,, زادت المشاكل بيننا خرجت إلى منزل أخي الأكبر مر شهر رمضان ومن بعدها أيام العيد وأنا في منزل أخي ,, أتى راشد يستطيب خاطري أكثر من مرة وعدت لأجل أبنائي فقط ,, أتت لي خالتي الضريرة تعاتبني : لماذا خرجت يا أم خالد لم أعرف مكانتك إلا الآن فقط , لم يصبر علي غيرك ,لأن ضرتي كانت تتفنن في إهانتها والشجار معها , لم ترحم ضعفها يوماً , بل كانت تشاكسها دائماً ,, وكنت من يقوم بتهدئة الأوضاع فتنقلب على رأسي أنا , مرت سنوات عشناها و تعايشنا معها , أثناءها توفيت خالتي رحمها الله وتقاعد راشد من العمل , والأوضاع هدأت رياحها .. الصبر كان عوني دائماً . كبروا أبنائي وكنت أرى مع كل عام يمضي أمل جديد يشرق تخرجوا ولله الحمد والتحقوا بالوظائف .
بنى راشد بيتاً كبراً وانتقلنا إليه , استقليت بمنزل لي أنا وأبنائي والحمد لله ابني خالد الذي كنت أرى به المستقبل أصبح رجل ذو منصب و رفعة ولله الحمد . بناتي يعملن بالقطاع التعليمي ,, بعد أن كبرت وجدتهم حولي هم وابناؤهم يسعون لطلب رضاي أنا ووالدهم ,
فقصتي لم تسرد لكوني إنسان يعيش وتتلقفه الحياة بمحنها وأعاصيرها فقط ولكن لأقول لكم إن الإيمان بأن الله دائماً معي لم يخذلني قط والأمل رفيقي في حياتي,, لم أيأس مرة واحده منذ صغري فقد فقدت من احبه قلبي محمد وأنا في زهرة شبابي بعدها ابني فرج , ولكن الحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه عوضني الله بأبنائي ,, أما محمد لن أنساه ماحييت قد يكون مضى خمسون سنة أو أكثر ولكن كنت أتمنى بقاؤه على قيد الحياه أو الموت معه كم تمنيت إني أخذت مرضه عنه ولكن قدر الله فوق كل شئ ,, أملي أن يجمعني الله به في جنة عرضها السموات والأرض ,,

آمل أن تحوز على إعجابكم

بقلم أختكم / خيالة بلي