ما أبشع الفقر حين يكون إنساناً يمشي على الأرض...



قلت ذلك ورددته بعد أن أنزلت ذلك الرجل من سيارتي ... في حي الخالدية

وجدته في المدينة العسكرية يشير للناس كي يوصلوه ....

ملابسه رثه.... ونظراته بائسة شاردة...

كنت قبل أن أركبه معي أطيل النظر بجوالي الذي سأمت منه....

لأن الكل يقول لي عندما أخرجه... والله إنك قديم...

راح زمان الباندا من زمان...

الناس الآن إميت وسارسيت...... طبعاً سارسيت هذا من عندي..( لا تصدقوا كل حاجة)

كنت أنظر لجوالي الذي إشتريته بألف ريال من محل قريب من المحكمة... العام الماضي..

وكأني أنظر للعنييد القديم ....وأتمنى الوقت الذي أغيره فيه..

وكنت أيضاً أفكر جاداً بشراء شماغ ( جفينشي) من مركز الرجل..( في العليا)

ركب هذا الرجل معي....

ولأني كنت ( مقفل) فلم أشعر برغبة للحديث معه...

فقال: بالله عليك بس وصلني عند محطة آسيا...

ثم بدأ يدعو لي... ويثني على موقفي ( النبيل ) ( !!!) عندما توقفت له...

(( ما أحوجنا لدعوة من هؤلاء الضعفاء المساكين... صدقوني أنهم لا يريدون منا الكثير لكي يقدمونها لنا...))

بدأت تقفيلتي تزول رويداً رويداً....

وبدأت أسأله عن حاله وبعض أموره... بعد ان لمست في دعائه شيئاً غريباً.... لعله الصدق

الذي غاب عنا كلما توجهنا لله في مسألة ونازلة..؟؟

ماذا تعمل يا عم...؟؟

_ قهوجي

نظرت لشماغة الذي تغير لونه...بفعل عوامل التعرية ...

وأردفت سؤالي بسؤال آخر...

والراتب عساه زين...

_ الحمد لله والشكر...1200 ريال

قلت في نفسي.... يعني راتبه ما يجي نصف ثمن إميت الذي أود شرائه..

هنا شعرت.... بحقارة شئ في الكون إسمه....( ترف)

ياااااااه والله إحنا وين وهذي الناس وين...؟؟


صمت بعد ذلك..... لكي أتلقى طعناته البريئة

صمت لأنني شعرت أنني بلا قلب...

فكم مرة بحثت عن هذا وأمثاله في الأحياء القريبة منا....؟؟

كم مرة تفقدت أحوالهم....

وسألت عن حاجتهم...


صمت لأنني أرى زين العابدين..... يمشي متعباً.... بعد أن أعيته أكياس الطحين...

التي يمر بها على الفقراء.... والمحتاجين...!!


اراه... مكدوداً... مجهداً..

يعمل للآخرة..... ويبذل لها كل طاقته...


إن الآيات.... والأحاديث التي كان زين العابدين يسمعها عن البر والإحسان


مازالت بيننا.... فلماذا عمل بها.... وتركنا نحن تطبيقها....؟؟


استمر هذا الرجل يصف لي شيئاً من معاناته....

وأنه يذهب إلى عمله كل يوم ( بالـتأشيرة)


قلت له.....


إنشاء الله البيت ملك......

قال: لا والله يا ولدي ايجار بسبعمية ريال...


1200 يذهب منها سبعمائة ريال..... البليد من طلاب الإبتدائي يدرك

أن المتبقي إذن ...... فقط..... خمسمائة ريال...

ولكن الذكي من أصحاب المال ...لم يطل عليه يوماً.... ليعمل جدول الضرب بهذا المبلغ المتبقي....

هو بكل تأكيد... لا يريد إلا خمسمائة ضرب....إثنين ....

لأنه لن يستوعب أبداً خمسمائة ضرب أربعة أو ضرب خمسة....!!


قلت له يا عم..... عندك أولاد....

قال الحمد لله... عندي خمسة....

وأكبرهم بنت في الثانوية....


هنا عادت الخمسمائة من جديد....

ولكن هذه المرة معها خمسة أولاد...

فياترى كم نصيب كل واحد منهم.. من هذا المبلغ الزهيد..؟؟

هيا يا طالب الإبتدائي عليك الحساب.... وهيا يا من مللت من الباندا.... عليك القسمة...!!!!


ثم أبى هذا الرجل البائس......إلا أن يطعن طعنته الأخيرة..قبل أن ينزل من سيارتي....


أبى إلا أن يفسد علي سائر يومي....!!!



عندما قال...... ( واللـــــــــــــه إن كل الأولاد اليوم راحوا المدرسة .... بدون فسحة)!!!


ما أبشع الفقر حين يكون ذلاً...!!!


وما أبشعه حين يفترس الطفــــــــــولة...!!


بمخالبه الوقحة....

وبأنيابه الحادة...


يااللـــــــــــــــه...( بــــــــدون فسحة)



و( جفنشي) شماغ الميتين والخمسين ريال تنتظر مني زيارة ( عالم الرجل)





( بـــــــــدون فسحة)



وإميت .... ينتظر إطلالتي القريبة....



( بــــــــدون فسحة)



وينساب .. تنساب في قلوبنا بكل مرونة هدوء...!!


لا أعلم كم ردد ولده في المدرسة كلمة ...( إقطع لي) لزملائه في الفسحة...

وكم رددت بنته.....( بقي لي)..... كلما شعرت بالعطش ...


ولكن الذي أعلمه انا...... انني رددت بصوت أضناه الألم... عندما نزل هذا الرجل من سيارتي...:


مــــــــا أبشع الفقر حين يكون إنساناً.....( بل) أســــــــــرة تمشي على الأرض.....!!!






هب النسيم