: الإلحاد ـ بمعنى إنكار وجود الله، والقول بأن الكون وجد بلا خالق أو أن المادة الأزلية أبدية، وهي الخالق والمخلوق في ذات الوقت ـ أمر كان له بعض اللمحات القديمة ولكنه تبلور في صورة فكرة ومعتنقيها في العصر الأوروبي الحديث بصورة خاصة.
ولقد كانت مؤهلات الإلحاد كلها قائمة في أوروبا منذ النهضة الأوروبية الحديثة إلى اليوم، ولابد من وقفة دراسة هذا الأمر الذي لا مثيل له من قبل في كل جاهليات التاريخ.
وإذا كنا نتكلم عن الأسباب فلا شك أننا يجب أن نذكر أن الكنيسة الأوروبية ـ بممارستها وطغيانها على مدار أكثر من ثمانية قرون ـ هي المسئول الأول عن ذلك لأنها هي التي أدت إلى جعل العلم بديلاً من الدين، وجعل السبب الظاهر بديلاً من السبب الحقيقي، وجعل الطبيعة بديلاً من الله..
فالعلمفي وضعه الطبيعيليس بديلاً من الدين، إنما هو نافذة من نوافذ المعرفة التي تؤدي في النهاية إلى المعرفة الحقة بالله، ومن ثَمَّ إلى إخلاص العبادة له، حين يدرك العقل البشري عظمة الخلق ويطلع على أسراره العجيبة التي تحير الألباب {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ}.
وحين قالت أوروبا إن الدين قد أخلى مكانه للعلم وإن العلم هو البديل من الدين، لم تكن تتحدث عن حقيقة موضوعية ولا حقيقة مطلقة، إنما كانت تتحدث عن واقع حدث في أوروبا بسبب ما حدث من الكنسية من محاربة للعلم والعلماء، وخيَّرتهم بين اتباع دينها الذي ابتدعته وشكلته على حسب أهوائها، وبين اتباع العلم والخروج من الدين.