يضحك وفي عينيه ألف دمعة..بدا جسوراً..قوياًً..رابط الجأش..يقابلك بابتسامة..ويودعك بعشر..لم انس قسمات وجهه حينما كلمه احد المعزين..وكأنه يتحدث بعينيه يخاطبني بقوله: يا محمد..في قلبي صدعٌ لن ينجبر..وفؤادي متسربلٌ برداء حزنه..وأنا مابين أنفاس تحرقني..وتطعنني..فتجدني ادفعها دفعاً..وكأنها انفاس من تحشرجت روحه..ولم لا..فلقد متُ في هذا اليوم مئة مرة..وكأني أنا الذي عانى الموت ..وكأني أنا الذي غُسل وكُفن..لاتقلق..سأذوق ماذاقه ابني اليوم..
كل هذا الشموخ..كل هذا الكبرياء..تحطم..وانهار..للحظة قصيرة..اصبح الشيخ الكهلُ طفلاً صغيراً..تزفه دموعه الى بوابة مأتم ابنه..وأنا اتحسس مابقي من طين قبر ابنه على يدي..سبحان الله..كم يغتسل الإنسان من الطين حين يصيبه..ولم يعلم بأنه سوف يتوسده يوماً ما..نظرت الى ذلك الطفل الكهل..سبحان الله..طفلٌ قد شاب شعره..وتجعد وجهه..واتخذ لنفسه رجلاً ثالثة تساعد رجليه المنهكتين..عرفت حينها..أن حياته لم تعد تهمه بذلك القدر الذي كان مسبقاً..فهاقد مات ابنه..وسيظل ذلك الطفل الكهل يموت حياً الى أن ياتي أجله..