ورد {أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ دَعَا لاٌّمَّتِهِ عَشِيَّةَ عَرَفَةَ ، فَأُجِيبَ أَنِّي قَدْ غَفَرْتُ لَهُمْ مَا خَلاَ الْمَظَالِمَ ، فَإنِّي آخِذٌ لِلْمَظْلُومِ مِنْهُ ، قَالَ: أَيْ رَبِّ إنْ شِئْتَ أَعْطَيْتَ الْمَظْلُومَ الْجَنَّةَ ، وَغَفَرْتُ لِلْظَّالِمِ ، فَلَمْ يُجَبْ عَشِيَّةَ عَرَفَةَ ، فَلَمَّا أَصْبَحَ بِالْمُزْدَلِفَةِ أَعَادَ ، فَأُجِيبَ إلَى مَا سَأَلَ ، قَالَ: فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ ، أَوْ قَالَ تَبَسَّمَ ، فَقَالَ لَهُ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ رضي الله عنهما : بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي إنَّ هذِهِ لَسَاعَةٌ مَا كُنْتَ تَضْحَكُ فِيهَا ، فَمَا الَّذِي أَضْحَكَكَ؟ أَضْحَكَ اللَّهُ سِنَّكَ ، قَالَ: إنَّ عَدُوَّ اللَّهِ إبْلِيسَ لَمَّا عَلِمَ أَنَّ اللَّهَ قَدِ اسْتَجَابَ دُعَائِي ، وَغَفَرَ لاٌّمَّتِي أَخَذَ التُّرَابَ فَجَعَلَ يَحْثُوهُ عَلَى رِأْسِهِ ، وَيَدْعُو بِالْوَيْلِ وَالثُّبُورِ فَأَضْحَكَنِي مَا رَأَيْتُ مِنْ جَزَعِهِ}
{1}
رسولكم الكريم صلى الله عليه وسلم عندما أصبح بالمزدلفة بشرنا جميعاً وقال: {قال الله تعالى أَني قَدْ أَجَبْتُ دَعْوَتَهُمْ ، وَشَفَعْتُ رَغْبَتَهُمْ ، وَوَهَبْتُ مُسِيئَهُمْ لِمُحْسِنِهِمْ ، وَأَعْطَيْتُ مُحْسِنَهُمْ جَمِيع مَا سَأَلَ ، وَتَحَمَّلْتُ عَنْهُمُ التَّبِعَاتِ الَّتِي بَيْنَهُمْ}{2}
هذا فى المغفرة ، أما في الأمان من النار فقد وعد بذلك العزيز الغفار فقال في محكم القرآن: {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكاً وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ{96} فِيهِ آيَاتٌ بَيِّـنَاتٌ مَّقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِناً} آل عمران
من دخل هذا المكان وهذه الساحة من ساحات الفضل والرضوان كان آمناً من النيران وكان آمناً من سوء الخاتمة لحظة لقاءه بالديان إذا قبل الله حجه ، فعلامة قبول الحج أن يؤمن الله صاحبه من دخول النيران ومن سوء الخاتمة لحظة مفارقته لهذه الأكوان وإقباله على حضرة الديان ولعلكم تعجبون كيف يضمن الله له حسن الخاتمة ويضمن له الأمان من النار مع إنه يرجع إلى أهله ويعيش سنين قد تطول وقد تقصر
إن من تقبل الله حجه اتفق العلماء على أن الله يحفظه في بقية عمره من المعاصي والذنوب وخاصة الكبائر فعندما يريد أن يفعل ذنب أو يهم بكبيرة تلحقه عناية الله ويدركه توفيق الله وينطبق عليه قول الله: {إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ} الأعراف201
فلا يقع في الذنب ولا يفعل المنكر حتى إذا جاء ميعاده للقاء الله وفقه الله في أوقاته الأخيرة لطاعة الله وللعمل الصالح المقرب إلى الله فيخرج من الدنيا في أبهى حلل الشوق إلى الله والرغبة في لقاء الله فيتحقق فيه وله وعد الله {وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِناً} 97آل عمران
أما الذي يرجع من الحج على غير الصراط المستقيم والهدى القويم فهذا والعياذ بالله ممن لم يتقبل الله حجه لأنه خرج للرياء أو للسمعة أو ماله فيه شبهة لأن العبد إذا خرج بمال فيه شبهة أو حرام فقال: {مَنْ حَجَّ بِمَالٍ حَرَامٍ فَقَالَ: لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ ، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُ: لاَ لَبَّيْكَ وَلاَ سَعْدَيْكَ وَحَجُّكَ مَرْدُودٌ عَلَيْكَ}{3}
فمن حج بنفقة حلال وطلب رضاء ذي الجلال وكان عمله خالصاً للواحد المتعال تقبل الله حجه ووفقه في جميع عمره حتى يلقى الله وهو آمناً مطمئناً {يُثَبِّتُ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ} إبراهيم27
وعلامات هذا الحج المقبول أن يخرج صاحبه من هنا وهو على يقين من أنه مسافر إلى الدار الآخرة وعلى أنه خارج لا يعود فعندما يخرج من بيته يودع أهله الوداع الأخير ويتذكر بركوبه حمله في نعشه ، وبوقوفه على عرفات وجوده في عرصات القيامة ، وبسعيه بين الصفا والمروة تردده بين كفتي الميزان ، قال صلى الله عليه وسلم {مَن حَجَّ هذا البيتَ فلم يَرْفُثْ ولم يَفْسُقْ، رجَعَ كما ولَدَتْهُ أمُّه}

{1} رواه ابن ماجه عن عبد اللَّه بن كنانة بن عباس بن مرداس أن أباه أخبره عن أبيه ، الترغيب والترهيب وغيره
{2} الْخطيب في المتفق والمفترق عن أنسٍ رضيَ اللَّهُ عنهُ
{3}الشيرازي في الأَلْقاب ، أَبو مطيع في أَمَالِيهِ عن عمر رضَي اللَّهُ عنهُ