881 - " الحمد لله الذي وفق رسول رسول الله لما يرضي رسول الله ".
قال الألباني في السلسلة الضعيفة :

منكر.
أخرجه أبو داود الطيالسي في " مسنده " (1 / 286 - منحة المعبود) وكذا أحمد (5 / 230، 242) وأبو داود في " السنن " (2 / 116) والترمذي (2 / 275) وابن سعد في " الطبقات " (2 / 347 و584 - طبع بيرو ت) والعقيلي في " الضعفاء " (76 - 77) والخطيب في " الفقيه والمتفقه " (93 / 1 و112 - 113 مخطوطة الظاهرية، 154 - 155 و188 - 189 - مطبوعة الرياض) والبيهقي في " سننه " (10 / 114) وابن عبد البر في " جامع بيان العلم " (2 / 55 - 56) وابن حزم في " الإحكام " (6 / 26، 35، 7 / 111 - 112) من طرق عن شعبة عن أبي العون عن الحارث بن عمرو - أخي المغيرة بن شعبة - عن أصحاب معاذ بن جبل عن
معاذ بن جبل: أن النبي صلى الله عليه وسلم حين بعثه إلى اليمن قال له: كيف تقضي إذا عرض لك قضاء؟ قال: أقضي بما في كتاب الله. قال: فإن لم يكن في كتاب الله؟ قال: بسنة رسول الله، قال: فإن لم يكن في سنة رسول الله؟ قال: أجتهد رأيي لا آلو، قال: فضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم صدره، وقال: فذكره. وقال العقيلي: " قال البخاري: لا يصح، ولا يعرف إلا مرسلا ".
قلت: ونصه في " التاريخ " (2 / 1 / 275) : " لا يصح، ولا يعرف إلا بهذا، مرسل ". قلت: يعني أن الصواب أنه عن أصحاب معاذ بن جبل ليس فيه " عن معاذ ".
وقال الذهبي: " قلت: تفرد به أبو عون محمد بن بن عبيد الله الثقفي عن الحارث بن عمرو الثقفي أخوالمغيرة بن شعبة، وما روى عن الحارث غير أبي عون فهو مجهول، وقال الترمذي: ليس إسناده عندي بمتصل ". قلت: ولذلك جزم الحافظ في " التقريب " بأن الحارث هذا مجهول. ثم رواه أحمد (5 / 236) وأبو داود وابن عساكر (16 / 310 / 2) من طريقين آخرين عن شعبة، إلا أنهما قالا: " عن رجال من أصحاب معاذ أن رسول الله لما أراد أن يبعث معاذا إلى اليمن ". الحديث. لم يذكر: " عن معاذ ".
قلت: هذا مرسل وبه أعله البخاري كما سبق، وكذا الترمذي حيث قال عقبه: " هذا حديث لا نعرفه إلا من هذا الوجه، وليس إسناده عندي بمتصل ". وأقره الحافظ العراقي في " تخريج أحاديث منهاج الأصول " للبيضاوي (ق 76 / 1) . قلت: فقد أعل هذا الحديث بعلل ثلاث:
الأولى: الإرسال هذا.
الثانية: جهالة أصحاب معاذ. الثالثة: جهالة الحارث بن عمرو.
قال ابن حزم: " هذا حديث ساقط، لم يرو هـ أحد من غير هذا الطريق، وأول سقوطه أنه عن قوم مجهولين، لم يسموا، فلا حجة فيمن لا يعرف من هو؟ وفيه الحارث بن عمرو، وهو مجهول لا يعرف من هو؟ ولم يأت هذا الحديث قط من غير طريقه ". وقال في موضع آخر بعد أن نقل قول البخاري فيه: " لا يصح ". " وهذا حديث باطل لا أصل له ". وقال الحافظ في " التلخيص " (ص 401) عقب قول البخاري المذكور: " وقال الدارقطني في " العلل ": رواه شعبة عن أبي عون هكذا. وأرسله ابن مهدي وجماعات عنه. والمرسل أصح. قال أبو داود (يعني الطيالسي) : وأكثر ما كان يحدثنا شعبة عن أصحاب معاذ أن رسول الله. وقال مرة: عن معاذ. وقال ابن حزم: " لا يصح لأن الحارث مجهول، وشيوخه لا يعرفون، قال: وادعى بعضهم فيه التواتر، وهذا كذب، بل هو ضد التواتر، لأنه ما رواه أحد غير أبي عون عن الحارث، فكيف يكون متواترا؟! ". وقال عبد الحق: " لا يسند، ولا يوجد من وجه صحيح ".
وقال ابن الجوزي في " العلل المتناهية ": " لا يصح وإن كان الفقهاء كلهم يذكرونه في كتبهم ويعتمدون عليه، وإن كان معناه صحيحا ". وقال ابن طاهر في تصنيف له مفرد، في الكلام على هذا الحديث: " اعلم أنني فحصت عن هذا الحديث في المسانيد الكبار والصغار، وسألت عنه من لقيته من أهل العلم بالنقل، فلم أجد غير طريقين: أحدهما: طريق شعبة. والأخرى: عن محمد بن جابر عن أشعث بن أبي الشعثاء عن رجل من ثقيف عن معاذ وكلاهما لا يصح. قال: وأقبح ما رأيت فيه قول إمام الحرمين في كتاب " أصول الفقه ": " والعمدة في هذا الباب على حديث معاذ " قال: " وهذه زلة منه، ولوكان عالما بالنقل لما ارتكب هذه الجهالة "، (قال الحافظ رحمه الله تعالى) : " قلت: أساء الأدب على إمام الحرمين، وكان يمكنه أن يعبر بألين من هذه العبارة مع كلام إمام الحرمين أشد مما نقله عنه! فإنه قال: " والحديث مدون في " الصحاح " متفق على صحته (!) لا يتطرق إليه التأويل ".
كذا قال رحمه الله، وقد أخرجه الخطيب في كتاب " الفقيه والمتفقه " من رواية عبد الرحمن بن غنم عن معاذ بن جبل، فلو كان الإسناد إلى عبد الرحمن ثابتا لكان كافيا في صحة الحديث ". قلت: لم يخرجه الخطيب، بل علقه (ص 189) بقوله: " وقد قيل إن عبادة بن نسي رواه عن عبد الرحمن بن غنم عن معاذ. وهذا إسناد متصل ورجاله معروفون بالثقة ".
قلت: وهيهات، فإن في السند إليه كذابا وضاعا، فقد أورده ابن القيم في " تهذيب السنن " تعليقا على هذا الحديث فقال (5 / 213) : " وقد أخرجه ابن ماجه في " سننه " من حديث يحيى بن سعيد الأموي عن محمد بن سعيد بن حسان عن عبادة بن نسي عن عبد الرحمن بن غنم: حدثنا معاذ بن جبل قال: " لما بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن قال: لا تقضين ولا تفصلن إلا بما تعلم، وإن أشكل عليك أمر فقف حتى تبينه، أو تكتب إلي فيه ". وهذا أجود إسنادا من الأول، ولا ذكر للرأي فيه ". قلت: كيف يكون أجود إسنادا من الأول وفيه محمد بن سعيد بن حسان وهو الدمشقي المصلوب؟! قال في " التقريب ": " قال أحمد بن صالح: وضع أربعة آلاف حديث، وقال أحمد: قتله المنصور على الزندقة وصلبه ". وقد سبق نحوه (ص 244) عن غيره من الأئمة.
قلت: ولعله اشتبه على ابن القيم رحمه الله بمحمد بن سعيد بن حسان الحمصي، وليس به، فإنه متأخر عن المصلوب، ولم يذكروا له رواية عن ابن نسي، ولا في الرواة عنه يحيى بن سعيد الأموي، وإنما ذكروا ذلك في الأول، على أنه مجهول كما قال الحافظ، وأيضا فإن هذا ليس من رجال ابن ماجه، وإنما ذكروه تمييزا بينه وبين الأول. والحديث في " المقدمة " من سنن " ابن ماجه " (1 / 28) ، وقال البوصيري في " الزوائد " (ق 5 / 2) : " هذا إسناد ضعيف، محمد بن سعيد هو المصلوب اتهم بوضع الحديث ".
على أن قول ابن القيم: " ولا ذكر للرأي فيه ". إنما هو بالنظر إلى لفظ رواية ابن ماجه، وإلا فقد أخرجه ابن عساكر في " تاريخه " (16 / 310 / 1) من طريق المصلوب هذا بلفظ: " قال معاذ: يا رسول الله: أرأيت ما سئلت عنه مما لم أجده في كتاب الله ولم أسمعه منك؟ قال: اجتهد رأيك ".
ثم رواه ابن عساكر (16 / 310 / 2) من طريق سليمان الشاذكوني: أخبرنا الهيثم بن عبد العفار عن سبرة بن معبد عن عبادة بن نسي به بلفظ: " اجتهد رأيك، فإن الله إذا علم منك الحق وفقك للحق ". والهيثم هذا قال ابن مهدي: " يضع الحديث ". والشاذكوني كذاب.
قلت: وأجاب ابن القيم عن العلة الثانية، وهي جهالة أصحاب معاذ بقوله في " إعلام الموقعين " (1 / 243) : " وأصحاب معاذ وإن كانوا غير مسمين فلا يضره ذلك، لأنه يدل على شهرة الحديث، وشهرة أصحاب معاذ بالعلم والدين والفضل والصدق بالمحل الذي لا يخفى.... " أقول: فهذا جواب صحيح لو أن علة الحديث محصورة بهذه العلة، أما وهناك علتان أخريان قائمتان، فالحديث ضعيف على كل حال، ومن العجيب أن ابن القيم رحمه الله لم يتعرض للجواب عنهما مطلقا. فكأنه ذهل عنهما لانشغاله بالجواب عن هذه العلة والله أعلم.
ثم تبين لي أن ابن القيم اتبع في ذلك كله الخطيب البغدادي في " الفقيه والمتفقه " (113 / 1 - 2 من المخطوطة، 189 - من المطبوعة) ، وهذا أعجب، أن يخفى على مثل الخطيب في حفظه ومعرفته بالرجال علة هذا الحديث القادحة!
(تنبيه) أورد ابن الأثير هذا الحديث في " جامع الأصول " (10 / 551) عن الحارث بن عمرو باللفظ الذي ذكرته، ثم قال: " وفي رواية: " أن معاذا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله بما أقضي؟ قال: بكتاب الله، قال: فإن لم أجد؟ قال: بسنة رسول الله، قال فإن لم أجد، قال استدق الدنيا، وتعظم في عينيك ما عند الله واجتهد رأيك فيسددك الله للحق. ثم قال عقبه: " وأخرجه أبو داود ".
قلت: وليست عنده هذه الرواية، ولا رأيت أحدا عزاها إليه غيره، ولا وجدت لها أصلا في شيء من المصادر التي وقفت عليها، فهي منكرة شديدة النكارة، لمخالفتها لجميع الروايات المرسلة منها والموصولة، وجميعها معلة بالجهالة. ومر على هذا العزولأبي داود المحقق الفاضل لـ " جامع الأصول " (10 / 177 - 178 - طبعة دمشق) دون أي تعليق أو تحقيق!
تنبيه آخر: ذهب الشيخ زاهد الكوثري المعروف في مقال له إلى تقوية هذا الحديث، وليس ذلك بغريب منه ما دام أنه قد سبق إليه، ولكن الغريب حقا أنه سلك في سبيل ذلك طريقا معوجة، لا يعرفها أهل الجرح والتعديل، فرأيت أن أنقل خلاصة كلامه فيه، ثم أرد عليه وأبين خطأه وزغله.
قال في " مقالاته " (ص 60 - 61) : " وهذا الحديث رواه عن أصحاب معاذ الحارث بن عمرو الثقفي، وليس هو مجهول العين بالنظر إلى أن شعبة بن الحجاج يقول عنه: إنه ابن أخي المغيرة بن شعبة، ولا مجهول الوصف من حيث أنه من كبار التابعين، في طبقة شيوخ أبي عون الثقفي المتوفى سنة 116، ولم ينقل أهل الشأن جرحا مفسرا في حقه، ولا حاجة في الحكم بصحة خبر التابعي الكبير إلى أن ينقل توثيقه عن أهل طبقته، بل يكفي في عدالة وقبول روايته ألا يثبت فيه جرح مفسر من أهل الشأن، لما ثبت من بالغ الفحص على المجروحين من رجال تلك الطبقة. أما من بعدهم فلا تقبل روايتهم ما لم تثبت عدالتهم وهكذا.
والحارث هذا ذكره ابن حبان في " الثقات " وإن جهله العقيلي وابن الجارود وأبو العرب، وقد روى هذا الحديث عن أبي عون عن الحارث - أبو إسحاق الشيباني وشعبة بن الحجاج المعروف بالتشدد في الرواية والمعترف له بزوال الجهالة وصفا عن رجال يكونون في سند روايته ".
قلت: وفي هذا الكلام من الأخطاء المخالفة لما عليه علماء الحديث، ومن المغالطات والدعاوى الباطلة، ما لا يعرفه إلا من كان متمكنا في هذا العلم الشريف، وبيانا لذلك أقول:
1 - قوله: " ليس هو مجهول العين بالنظر إلى أن شعبة يقول عنه ابن أخي المغيرة ".
فأقول: بل هو مجهول وتوضيحه من ثلاثة وجوه:
الأول: أن أحدا من علماء الحديث - فيما علمت - لم يقل أن الراوي المجهول إذا عرف اسم جده بله اسم أخي جده خرج بذلك عن جهالة العين إلى جهالة الحال أو الوصف. فهي مجرد دعوى من هذا الجامد في الفقه، والمجتهد في الحديث دون مراعاة منه لقواعد الأئمة، وأقوالهم الصريحة في خلاف ما يذهب إليه! فإنهم أطلقوا القول في ذلك، قال الخطيب: " المجهول عند أهل الحديث من لم يعرفه العلماء ولا يعرف حديثه إلا من جهة واحد ... ".
الثاني: أنه خلاف ما جرى عليه أئمة الجرح والتعديل في تراجم المجهولين عينا، فقد عرفت مما سبق ذكره في ترجمة الحارث هذا أنه مجهول عند الحافظين الذهبي والعسقلاني وكفى بهما حجة، لاسيما وهما مسبوقون إلى ذلك من ابن حزم وغيره ممن ذكرهم الكوثري نفسه كما رأيت! ومن الأمثلة الأخرى على ذلك ذهيل بن عوف بن شماخ التميمي أشار الذهبي إلى جهالته بقوله في " الميزان ": " ما روى عنه سوى سليط بن عبد الله الطهو ي " وصرح بذلك الحافظ فقال في " التقريب ": " مجهول من الثالثة ".
ومن ذلك أيضا زريق بن سعيد بن عبد الرحمن المدني، أشار الذهبي أيضا إلى جهالته وقال الحافظ: " مجهول ". والأمثلة على ذلك تكثر، وفيما ذكرنا كفاية، فأنت ترى أن هؤلاء قد عرف اسم جد كل منهم، ومع ذلك حكموا عليهم بالجهالة.
الثالث: قوله: " شعبة يقول عنه: إنه ابن أخي المغيرة بن شعبة ". فأقول: ليس هذا من قول شعبة، وإنما هو من قول أبي العون كما مر في إسناد الحديث، وشعبة إنما هو راوعنه، وهو في هذه الحالة لا ينسب إليه قول ما جاء في روايته، حتى ولوصحت عنده لأنه قد يقول بخلاف ذلك، ولذلك جاء في علم المصطلح، " وعمل العالم وفتياه على وفق حديث رواه ليس حكما بصحته، ولا مخالفته قدح في صحته ولا في رواته ". كذا في " تقريب النووي " (ص 209 بشرح التدريب) . وكأن الكوثري تعمد هذا التحريف ونسبة هذا القول لشعبة - وليس له - ليقوي به دعوى كون الحارث بن عمرو هذا ابن أخي المغيرة، لأن أبا العون - واسمه محمد بن عبيد الله ابن الثقفي الأعور وإن كان ثقة، فإنه لا يزيد على كونه راويا من رواة الحديث، وأما شعبة فإمام نقاد. على أننا لوسلمنا بأنه من قوله، فذلك مما لا يفيد الكوثري شيئا من رفع الجهالة كما سبق بيانه.
2 - قوله: " ولا مجهول الوصف من حيث أنه من كبار التابعين في طبقة شيوخ أبي عون ... ".
فأقول: الجواب من وجهين:
الأول: بطلان هذه الدعوى من أصلها، لأن شيوخ أبي عون ليسوا جميعا من كبار التابعين حتى يلحق بهم الحارث هذا، فإن من شيوخه أبا الزبير المكي وقد مات سنة (126) ، ولذلك جعله الحافظ من الطبقة الرابعة، وهم الذين جل روايتهم عن كبار التابعين، ومن شيوخه والده عبيد الله بن سعيد، ولا تعرف له وفاة، لكن ذكره ابن حبان في " أتباع التابعين "، وقال: يروي المقاطيع. قال الحافظ: فعلى هذا فحديثه عن المغيرة مرسل. يعني منقطع، ولذلك جعله في " التقريب " من الطبقة السادسة، وهم من صغار التابعين الذين لم يثبت لهم لقاء أحد من الصحابة كابن جريج. إذا عرفت هذا فادعاء أن الحارث بن عمرو من كبار التابعين افتئات على العلم، وتخرص لا يصدر من مخلص، والصواب أن يذكر ذلك على طريق الاحتمال، فيقال: يحتمل أنه من كبار التابعين، كما يحتمل أنه من صغارهم.
فإن قيل: فأيهما الأرجح لديك؟ قلت: إذا كان لابد من اتباع أهل الاختصاص في هذا العلم، وترك الاجتهاد فيما لا سبيل لأحد اليوم إليه، فهو أنه من صغار التابعين، فقد أورده الإمام البخاري في " التاريخ الصغير " في فصل " من مات ما بين المائة إلى العشرة " (ص 126 - هند) وأشار إلي حديثه هذا وقال: " ولا يعرف الحارث إلا بهذا، ولا يصح ".
ولذلك جعله الحافظ في " التقريب " من الطبقة السادسة التي لم يثبت لأصحابها لقاء أحد من الصحابة فقال: " مجهول، من السادسة ". فإن قيل: ينافي هذا ما ذكره الكوثري (ص 62) أن لفظ شعبة في رواية علي بن الجعد قال: سمعت الحارث بن عمرو ابن أخي المغيرة بن شعبة يحدث عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عن معاذ بن جبل.
كما أخرجه ابن أبي خيثمة، في " تاريخه " ومثله في " جامع بيان العلم " لابن عبد البر. فهذا صريح في أنه لقي جمعا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فهو تابعي.
فأقول: نعم والله إن هذه الرواية لتنافي ذلك أشد المنافاة، ولكن يقال للكوثري وأمثاله: أثبت العرش ثم انقش، فإنها رواية شاذة، تفرد بها علي بن الجعد مخالفا في ذلك لسائر الثقات الذين لم يذكروا رسول الله صلى الله عليه وسلم مضافا إلى (الأصحاب) ، وإنما قالوا: أصحاب معاذ كما تقدم في الإسناد عند جميع من عزونا الحديث إليهم، إلا في رواية لابن عبد البر، وهي من روايته عن أحمد بن زهير قال: حدثنا علي بن الجعد.... وأحمد بن زهير هو ابن أبي خيثمة. وإليك أسماء الثقات المخالفين لابن الجعد في روايته تلك:
الأول: أبو داود الطيالسي نفسه في " مسنده " وعنه البيهقي.
الثاني: محمد بن جعفر عند أحمد والترمذي.
الثالث: عفان بن مسلمة عند أحمد أيضا.
الرابع: يحيى بن سعيد القطان، عند أبي داود وابن عبد البر في الرواية الأخرى.
الخامس: وكيع بن الجراح عند الترمذي.
السادس: عبد الرحمن بن مهدي عند الترمذي.
السابع: يزيد بن هارون عند ابن سعد. الثامن: أبو الوليد الطيالسي عند ابن سعد. فهؤلاء ثمانية من الثقات وكلهم أئمة أثبات، لاسيما وفيهم يحيى القطان الحافظ المتقن لوأن بعضهم خالفوا ابن الجعد لكان كافيا في الجزم بوهمه في نسبته (الأصحاب) إلى الرسول صلى الله عليه وسلم لا إلى معاذ، فكيف بهم مجتمعين؟! ومثل هذا لا يخفى على الكوثري، ولكنه يتجاهل ذلك عمدا لغاية في نفسه، وإلا فإن لم تكن رواية ابن الجعد هذه شاذة فليس في الدنيا ما يمكن الحكم عليه بالشذوذ، ولذلك لم يعرج على هذه الرواية كل من ترجم للحارث هذا.
فثبت مما تقدم أن الحارث بن عمرو هو من صغار التابعين، وليس من كبارهم، وقد صرح بسماعه من جابر بن سمرة في رواية الطيالسي في " مسنده " (216) عن شعبة عنه.
والآخر: هب أنه من كبار التابعين، فذلك لا ينفي عنه جهالة العين فضلا عن جهالة الوصف عند أحد من أئمة الجرح والتعديل، بل إن سيرتهم في ترجمتهم للرواة يؤيد ما ذكرنا، فهذا مثلا حريث بن ظهير من الطبقة الثانية عند الحافظ، وهي طبقة كبار التابعين، فإنه مع ذلك أطلق عليه الحافظ بأنه مجهول. وسبقه إلى ذلك الإمام الذهبي فقال: " لا يعرف ". ومثله حصين بن نمير الكندي الحمصي.
قال الحافظ: " يروي عن بلال، مجهول من الثانية ". ونحوه خالد بن وهبان ابن خالة أبي ذر.
قال الحافظ: " مجهول، من الثالثة ".
3 - قوله: " ولم ينقل أهل الشأن جرحا مفسرا في حقه ".
قلت: لا ضرورة إلى هذا الجرح، لأنه ليس بمثله فقط يثبت الجرح، بل يكفي أن يكون جرحا غير مفسر إذا كان صادرا من إمام ذي معرفة بنقد الرواة، ولم يكن هناك توثيق معتمر معارض له، كما هو مقرر في علم المصطلح، فمثل هذا الجرح مقبول، لا يجوز رفضه، ومن هذا القبيل وصفه بالجهالة، لأن الجهالة علة في الحديث تستلزم ضعفه، وقد عرفت أنه مجهول عند جمع من الأئمة النقاد ومنهم الإمام البخاري، فأغنى ذلك عن الجرح المفسر، وثبت ضعف الحديث.
4 - قوله: " ولا حاجة في الحكم بصحة خبر التابعي الكبير إلى أن ينقل توثيق عن أهل طبقته ". فأقول: فيه أمور:
أولا: أن الحارث هذا لم يثبت أنه تابعي كبير كما تقدم فانهار قوله من أصله.
وثانيا: أنه لا قائل بأن الراوي سواء كان تابعيا أو ممن دونه بحاجة إلى أن ينقل توثيقه عن أهل طبقته، بل يكفي في ذلك أن يوثقه إمام من أئمة الجرح والتعديل سواء كان من طبقته أو ممن دونها، فلما كان الحارث هذا لم يوثقه أحد ممن يوثق بتوثيقه بل جهلوه فقد سقط حديثه.
5 - قوله: " بل يكفي في عدالته.... (إلى قوله) من رجال تلك الطبقة ". قلت: هذه مجرد دعوى، فهي لذلك ساقطة الاعتبار، فكيف وهي مخالفة للشرط الأول من شروط الحديث الصحيح: " ما رواه عدل ضابط ... " فلو سلمنا أن عدالته تثبت بذلك، فكيف يثبت ضبطه وليس له من الحديث إلا القليل بحيث لا يمكن سبره وعرضه على أحاديث الثقات ليحكم له بالضبط أو بخلافه، أو بأنه وسط بين ذلك. كما هو طريق من طرق الأئمة النقاد في نقد الرواة الذين لم يرو فيهم جرح أو تعديل ممن قبلهم من الأئمة.
ويكفي في إبطال هذا القول مع عدم وروده في " علم المصطلح " أنه مباين لما جاء فيه: أن أقل ما يرفع الجهالة رواية اثنين مشهور ين كما تقدم عن الخطيب. ولما تعقبه بعضهم بأن البخاري روى عن مرداس الأسلمي، ومسلما عن ربيعة بن كعب الأسلمي ولم يرو عنهما غير واحد.
رده النووي في " التقريب " بقوله (ص 211) : " والصواب نقل الخطيب، ولا يصح الرد عليه بمرداس وربيعة فإنهما صحابيان مشهور ان، والصحابة كلهم عدول ".

يتبع: