ثامناً / تجمل بذكاء المشاعر و احرص على الإدارة بالقلب
كم استوقفتني آية من كتاب الله تعالى وجدت فيها عبر كثيرة و منافع عديدة و لطالما سألت الله تعالى أن يعينني على التمثل بما فيها هذه الآية هي قوله تعالى : {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ }
إنه إعمال القلب و إفساح الطريق له إذ أن الحياة لا يمكن أن تستقيم بالمنطق و العقل فحسب إنها بحاجة إلى رطوبة القلب و طراوته إنها بحاجة إلى المشاعر الصادقة الحميمة التي تنبع من قلب مليء بالحب و الرحمة .
وصدق أبو تمام حينما قال :
و لقد سبرت الناس ثم خبرتهم = و بلوت ما وصفوا من الأسباب
فإذا القرابة لا تقرب قاطعاً = و إذا المودة أقرب الأنساب
و كان سليمان الداراني رحمه الله يقول : " إني لألقم اللقمة أخاً من إخواني فأجد طعمها في قلبي " و يقول سعيد بن العاص رحمه الله : " إني لأكره أن يمر الذباب بجليسي مخافة أن يؤذيه " و روى الإمام أحمد عن أبي هريرة رضي الله عنه : أن رجلاً شكا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قسوة قلبه فقال : " امسح رأس اليتيم و أطعم المسكين " .
إن هندسة الحياة و صناعة التأثير بحاجة إلى قلب واسع فسيح يسع من و ما حوله بل يسع هذا الكون كيف لا و هو القلب الذي تعلق برب الكون و مليكه ؟
أن مما يثلج الصدر أن ديننا قد سلط المجهر على القلب منذ أكثر من أربعة عشر قرناً حتى قال نبينا صلى الله عليه وسلم : " إن الله لا ينظر إلى أجسامكم و لا إلى صوركم و لكن ينظر إلى قلوبكم و أعمالكم " .
لقد امتلأ كتاب ربنا و سنة نبينا صلى الله عليه وسلم بالآيات و الأحاديث التي تسمو بالمشاعر و تنمي العواطف و تجعل الإدارة بالقلب أمراً بدهياً عند الصغار قبل الكبار و ذلك كله قبل أن يخرج علينا الغرب اليوم بعناوين جذابة و مصطلحات براقة تتناول القلب و العاطفة مثل ذكاء المشاعر أو الذكاء العاطفي أو الإدارة بالقلب أو الذكاء الانفعالي أو غيرها .
تعال معي قليلاً نتذوق حلاوة القرآن و السنة و هما يربيان الأمة على هذه المعاني الكريمة التي تصنع جيلاً قادراً على صناعة الأجيال و هندسة الحياة و قيادة العالم .
قال تعالى : " وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ "
و قال تعالى : " وَلَا يَأْتَلِ أُوْلُوا الْفَضْلِ مِنكُمْ وَالسَّعَةِ أَن يُؤْتُوا أُوْلِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ "
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال :
" إن الله تعالى يقول يوم القيامة أين المتحابون بجلالي اليوم أظلهم في ظلي يوم لا ظل إلا ظلي "
و في صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :" و الذي نفسي بيده لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى تحابوا أولا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم أفشوا السلام بينكم "
و عن أبي كريمة المقداد بن معد يكرب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إذا أحب الرجل أخاه فليخبره أنه يحبه " .
و لقد تجاوزت المشاعر عند المسلمين الإنسان لتصل إلى الحيوان حتى أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه رأى رجلاً يسحب شاة برجلها ليذبحها فقال له : " ويلك قدها إلى الموت قوداً جميلاً "
إن هندسة الحياة هي صنعة العظماء و لا يمكن للإنسان أن يكون عظيماً إلا إذا امتلك قلباً عظيماً و لن يتمكن من إحداث التأثير الفذ إلا إذا انطلق هذا التأثير من قلب مفعم بالإيمان و الحب لذا فإني اسأل الله تعالى أن يرزقنا جميعاً ذاك القلب .