بسم الله الرحمن الرحيم
قاعدة جليلة اذا أردت الانتفاع بالقرآن فاجمع قلبك عند تلاوته وسماعه
والق سمعك واحضر حضور من يخاطبه به من تكلم به سبحانه منه اليه فانه خاطب منه لك على لسان رسوله قال تعالي : " إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد " وذلك ان تمام التأثير لما كان موقوفا على مؤثر مقتض ومحل قابل وشرط لحصول الأثر وانتفاء المانع الذي يمنع منه تضمنت الآية بيان ذلك كله بأوجز لفظ وأبينه وأدله على المراد فقوله : " إن في ذلك لذكرى " اشار الى ما تقدم من أول السورة الى ههنا وهذا هو المؤثر وقوله : " لمن كان له قلب " فهذا هو المحل القابل والمراد به القلب الحي الذي يعقل عن الله كما قال تعالى : " إن هو إلا ذكر وقرآن مبين لينذر من كان حيا " أي حي القلب وقوله : " أو ألقى السمع " أي وجه سمعه وأصغى حاسة سمعه الى ما يقال له وهذا شرط التأثر بالكلام وقوله : " وهو شهيد " أي شاهد القلب حاضر غير غائب قال ابن قتيبة استمع كتاب الله وهو شاهد القلب والفهم ليس بغافل ولا ساه وهو اشارة الى المانع من حصول التأثير وهو سهو القلب وغيبته عن تعقل ما يقال له والنظر فيه وتأمله فاذا حصل المؤثر وهو القرآن والمحل القابل وهو القلب الحي ووجد الشرط وهو الاصغاء وانتفى المانع وهو اشتغال القلب وذهوله عن معنى الخطاب وانصرافه عنه الي شيء آخر حصل الأثر وهو الانتفاع والتذكر
فان قيل اذا كان التأثير إنما يتم بمجموع هذه فما وجه دخول أداة أو في قوله
: " أو ألقى السمع " والموضع موضع واو الجمع لا موضع أو التي هي لأحد الشيئين قيل هذا سؤال جيد والجواب عنه أن يقال خرج الكلام بأو باعتبار حال المخاطب المدعو فأن من الناس من يكون حي القلب واعيه تام الفطرة فإذا فكر بقلبه وجال بفكره دله قلبه وعقله على صحة القرآن وأنه الحق وشهد قلبه بما أخبر به القرآن فكان ورود القرآن على قلبه نورا على نور الفطرة وهذا وصف الذين قيل فيهم : " ويرى الذين أوتوا العلم الذي أنزل إليك من ربك هو الحق " وقال في حقهم : " الله نور السموات والارض مثل نوره كمشكاة فيها مصباح المصباح في زجاجة الزجاجة كأنها كوكب دري يوقد من شجرة مباركة زيتونة لا شرقية ولا غربية يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار نور على نور يهدي الله لنوره من يشاء " فهذا نور الفطرة على نور الوحي وهذا حال صاحب القلب الحي الواعي .
الفوائد لابن القيم ج:1 ص:3-4
المفضلات