آيات ومعجزات النبوة
معجزة القرآن الكريم
(الشبكة الإسلامية)
الحمد لله الذي أنعم على عباده بنعمة الخلق ، واختص الثقلين - الجن والإنس - بالتكليف، فأرسل إليهم رسله، وأنزل عليهم كتبه، إرشاداً وبياناً وإقامة للحجة، وكان آخر رسله محمداً صلى الله عليه وسلم.
وقد أيّد الله رسله بما يناسب كل رسول من الآيات الباهرات التي هي خوارق للعادات، فكانت معجزة موسى عليه السلام العصى، ومعجزة صالح عليه السلام الناقة، ومعجزة عيسى عليه السلام إحياء الموتى بإذن الله وغيرها، وهكذا كانت معجزة كل نبي مما يتوافق مع حال قومه ، ولما كان العرب أهل فصاحةٍ وبلاغةٍ وشعرٍ وبيان، كانت معجزة محمدٍ صلى الله عليه وسلم قرآناً يتحدى به القوم فيما علموا وأتقنوا.
فالقرآن الكريم معجزة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - العظمى، دالة على صدقه، قد عجز البشر عن الإتيان بمثله، وهي معجزةٌ باقية مستمرة محفوظة، ببقاء رسالة الإسلام نفسها، لكونها خاتمة الرسالات، وآخر النبوات، وهي سبيل عز المسلمين ونصرهم.
ومع أنّ حروف القرآن التي منها رُكِّبت كلماته وآياته هي نفس الحروف التي ركب منها كلام العرب ، إلا إنهم لم يستطيعوا أن يأتوا بمثله، وتحداهم الله بذلك، قال تعالى: { فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ } (الطور:34)، بل إنّ الله تحدّاهم أن يأتوا بعشرِ سورٍٍ مثله، قال تعالى :{ أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ } (هود:13)، واستمر التحدي في الإتيان بأقل من ذلك، بسورة من مثله، قال تعالى: {وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِّنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ } (البقرة:23).
إنه القرآن العظيم المعجز في تركيبه وتنسيقه إلى جانب إعجازة في موضوعه وبيانه، مما حيَّر الفصحاء والبلغاء والشعراء، فجعلهم يذعنون له، ويستسلمون أمامه، ويعلنون عجزهم وقصورهم، يسمعه بعض القوم، فلا يملك إلا إعلان الحقيقة، فيقول مقالته المشهورة : " إن له لحلاوة، وإن عليه لطلاوة، وإن أسفله لمغدق، وإن أعلاه لمثمر، وما يقول هذا بشر".
ويسمعه الوليد بن المغيرة المخزومي فيقول مقسماً بالله : "فو الله ما هو بشعر، ولا بسحر، ولا بهذي من الجنون، وإنّ قوله لمن كلام الله". ويسمعه عتبة بن ربيعة فيذهل، ويسمعه الجن فيؤمنون به ويصدقونه ، قال تعالى { قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآناً عَجَباً، يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَداً } (الجـن:1-2).
وقد جمع بعض أهل العلم إعجاز القرآن في أربعة أشياء، كما ذكر ذلك ابن حجر رحمه الله في "فتح الباري" :
1- حسن تأليفه ، والتئام كلمه مع الإيجاز والبلاغة .
2- صورة سياقه وأسلوبه المخالف لأساليب كلام أهل البلاغة من العرب نظماً ونثراً حتى حارت فيه عقولهم، ولم يهتدوا إلى الإتيان بشيء مثله مع توفر دواعيهم على تحصيل ذلك.
3- ما اشتمل عليه من الإخبار عما مضى من أحوال الأمم السالفة والشرائع الداثرة مما لا يُعلم كثير منه.
4- الإخبار بما هو كائنٌ في المستقبل ، سواءً مما وقع في العصر النبوي ، أو بعده.
إنه كلام الله المنزل على عبده محمد صلى الله عليه وسلم، القائل: ( ما من الأنبياء من نبي إلا قد أعطي من الآيات ما مثله آمن عليه البشر، وإنما كان الذي أوتيت وحياً أوحى الله إلي، فأرجو أن أكون أكثرهم تابعاً يوم القيامة ) رواه البخاري و مسلم .
إنه كتاب الله تعالى، المتعبد بتلاوته، يقصم الله به كل جبار، من اعتصم به نجا، ومن تركه هلك، إنه قولٌ فصلٌ وليس بالهزل، لا تختلقه الألسن، ولا تفنى أعاجيبه، فيه نبأ السابقين، وفصل المتخاصمين، وخبر ما هو كائن إلى يوم الدين، والحمد لله رب العالمين.
الثلاثاء:01/07/2003
المفضلات