<div align="center">الحديث الثاني
الجزء الثاني
تابع الشرح:
(قَالَ: فَأَخْبِرني عَنِ الإِيمَانِ)
والإيمان في اللغة:
هو الإقرار والاعتراف المستلزم للقبول والإذعان وهو مطابق للشرع.
وأما قولهم: الإيمان في اللغة التصديق ففيه نظر، لأنه يقال: آمنت بكذا وصدقت فلانًا ولايقال: آمنت فلانًا، بل يقال: صدقه، فصدق فعل متعدٍ، وآمن فعل لازم
وقولنا: الإيمان المستلزم للقبول والإذعان احترازًا مما لو أقر لكن لم يقبل كأبي طالب عم النبي عليه الصلاة والسلام ، حيث أقر بالنبي عليه الصلاة والسلام وأنه صادق لكن لم يقبل ماجاء به ولم يُذعن ولم يتابع، فلم ينفعه الإقرار.
ولذلك يخطأ خطًأ كبيرًا من يقول: إن أهل الكتاب مؤمنون بالله، وكيف يكون ذلك وهم لم يقبلوا شرع الله ولم يذعنوا له.
(أَنْ تُؤْمِنَ بِاللهِ
الإيمان بالله يتضمن أربعة أشياء:
الأول:الإيمان بوجوده سبحانه وتعالى. فمن أنكر الله تعالى فليس بمؤمن.
الثاني:الإيمان بانفراده بالرّبوبية، أي تؤمن بأنه وحده الرّب وأنه منفرد بالربوبية، والرب هو الخالق المالك المدبر.
الثالث:إيمان بانفراده بالألوهية، وأنه وحده الذي لا إله إلا هو لاشريك له، فمن ادعى أن مع الله إلهًا يُعبد فإنه لم يؤمن بالله، فلابد أن تؤمن بانفراده بالألوهية، وإلا فما آمنت به.
الرابع:
أن تؤمن بأسماء الله وصفاته بإثبات ما أثبته سبحانه لنفسه في كتابه، أو سنة رسوله عليه الصلاة والسلام من الأسماء والصفات على الوجه اللائق به من غير تحريف، ولاتعطيل ولاتكييف، ولا تمثيل، فمن حرّف آيات الصفات أو أحاديث الصفات فإنه لم يحقق الإيمان بالله .
ومثاله:
قال قومٌ: "الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى" استولى، ومعناه شرعًا ولغة: علا وارتفع على العرش، لكنه علوّ خاص، ليس العلوّ العام على جميع المخلوقات. فهذا الذي فسّر (اسْتَوَى) بـ: استولى لم يحقق الإيمان بالله، لأنه نفى صفة أثبتها الله لنفسه، والواجب إثبات الصفات.
ومن قال:"لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيّ" أي بقدرتيَّ، أو: بقوتيَّ وليس لله يد حقيقة لم يحقق الإيمان بالله، لو حقق الإيمان بالله لقال: لله تعالى يد حقيقية لكن لاتماثل أيدي المخلوقين، كما قال الله تعالى:"لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْء" لأننا لا نحدث عن الله إلا على حسب ما أخبرنا الله به عن نفسه، فإذا كنّا لايمكن أن نتحدث عن شخص لم نرهُ وإن كان عندنا في البلد، فكيف نتحدث عن الله تعالى بلاعلم.
ومن مسائل الأسماء والصفات التي حصل فيها خلاف معنى حديث:أَنَّ اللهَ خَلَقَ آَدَمَ عَلَى صُوْرَتِهِ وضجّوا وارتفعت أصواتهم وكثرت مناقشاتهم، كيف خلق آدم على صورته؟
فحرّفه قومٌ تحريفًا مشينًا مستكرهًا، وقالوا: معنى الحديث: خَلَقَ اللهُ آدم على صورته أي على صورة آدم - الله المستعان - هل يمكن لأفصح البشر وأنصح البشر أن يريد بالضمير ضمير المخلوق، بمعنى خلق آدم على صورته أي على صورة آدم ؟ لايمكن هذا، لأن كل مخلوق فقد خلق على صورته، وحينئذ لافضل لآدم على غيره. فهذا هراء لامعنى له، أتدرون لما قالوا هذا التأويل المستكره المشين؟
قالوا: لأنك لو قلت إنها صورة الرب عزّ وجل لمثّلت الله بخلقه، لأن صورة الشيء مطابقة له ، وهذا تمثيل .
وجوابنا على هذا أن نقول : لو أعطيت النصوص حقها لقلت خلق الله آدم على صورة الله ، لكن ليس كمثل الله شيء.
فإن قال قائل: اضربوا لنا مثلاً نقتنع به ، أن الشيء يكون على صورة الشيء وليس مماثلاً له ؟
والجواب نقول:
ثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال: (إِنَّ أَوَّلَ زُمْرَةٍ تَدْخُلُ الجَنَّةَ عَلَى صُوْرَةِ القَمَرِ لَيْلَةِ البَدْرِ ثُمَّ الَّذِيْنَ يَلوُنَهُمْ عَلَى أَضْوَءِ كَوْكَبٍ فِي السَّمَاءِ) فهل أنت تعتقد أن هؤلاء الذين يدخلون الجنة على صورة القمر من كل وجه أو تعتقد أنهم على صورة البشر لكن في الوضاءة والحسن والجمال واستدارة الوجه وما أشبه ذلك على صورة القمر، لا من كل وجه، فإن قلت بالأول فمقتضاه أنهم دخلوا وليس لهم أعين وليس لهم أفواه، وإن قلت بالثاني؛ زال الإشكال وثبت أنه لايلزم من كون الشيء على صورة الشيء أن يكون مماثلاً له من كل جه.
فالمهم أن باب الصفات بابٌ عظيمٌ، خطره جسيم، ولا يمكن أن ينفك الإنسان من الورطات والهلكات التي يقع فيها إلا باتباع السلف الصالح، أثبت ما أثبته الله تعالى لنفسه، وانْفِ مانفى الله عن نفسه، فتستريح.
أكرر: احذروا باب الصفات أن تخوضوا في شيءٍ لم يتكلم فيه السلف الصالح.
يقول بعض العلماء: من لم يسعه ما وسع الصحابة والتابعين فلا وسّع الله عليه.
قوله: (وَمَلائِكَتِهِ)
بدأ بالملائكة قبل الرسل والكتب لأنهم عالم غيبي، أما الرسل والكتب فعالم محسوس، فالملائكة لا يظهرون بالحس إلا بإذن الله تعالى، وقد خلق الله الملائكة من نورٍ، كما ثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام وهم لا يحتاجون إلى أكل وشرب، ولهذا قيل إنهم صمدٌ أي ليس لهم أجواف، فنؤمن أن هناك عالمًا غيبيًّا هم الملائكة.
وهم أصناف، ووظائفهم أيضًا أصناف حسب حكمة الله تعالى كالبشر أصناف ووظائفهم أصناف.
والإيمان بالملائكة يتضمّن:
أولاً :الإيمان بأسماء من علمنا أسماءهم.
ثانيًا:
أن نؤمن بما لهم من أعمال، مثلاً:
ميكائيل: موكل بالقطر أي المطر، والنبات أي نبات الأرض.
وإسرافيل: موكل بالنفخ في الصور .
كذلك يجب الإيمان بما لبعض الملائكة من أعمال خاصة،
فمثلاً: هناك ملائكة وظائفهم أن يكتبوا أعمال العباد، قال الله تعالى:"مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ"
وآخرون موكلون بالسياحة في الأرض يلتمسون حِلَق الذّكر والعلم فإذا وجدوها جلسوا.
وآخرون موكلون بحفظ بني آدم.
وآخرون موكلون بتلقّي المؤمنين يوم القيامة:"وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ"
وآخرون موكلون بتحية أهل الجنة
وآخرون يعبدون الله تعالى ليلاً ونهارًا، قال عليه الصلاة والسلام: (أَطَّتِ السَّماءُ وَحَقَّ لَهَا أَنْ تَئِطَّ، مَامِنْ مَوْضِعِ أَرْبَعِ أَصَابِع مِنْهَا إِلاَّ وَفِيْهِ مَلَكٌ قَائِمٌ لِلَّهِ أَوْ رَاكِعٌ أَوْ سَاجِد).
(وَكُتُبِهِ)والإيمان بالكتب يتضمّن أربعة أمور:
أولاً:أن نؤمن بأن الله تعالى أنزل على الرسل كتبًا، وأنها من عند الله ولكن لانؤمن بأن الكتب الموجودة في أيدي هذه الأمم هي الكتب التي من عند الله لأنها محرّفة ومبدلة.
ثانيًا:أن نؤمن بصحة ما فيها من أخبار كأخبار القرآن وأخبار ما لم يبدل أو يحرّف من الكتب السابقة.
ثالثًا:
أن نؤمن بما فيها من أحكام إذا لم تخالف الشريعة على القول بأن شرع من قبلنا شرع لنا - وهو ا لحق - إذا لم يرد شرعنا بخلافه.
رابعًا:أن نؤمن بما علمنا من أسمائها، مثل: القرآن والتوراة والإنجيل والزبور وصحف إبراهيم وصحف موسى.
(وَرسُلِهِ)وأول الأنبياء هو آدم عليه السلام،
أما أول الرسل فهو نوح عليه السلام، والدليل قول الله تعالى: "إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنبيين مِنْ بَعْدِهِ"
وإذا قال قائل: ما الفائدة من النبي بعد آدم عليه السلام إذا كان لم يؤمر بالتبليغ ؟
قلنا الفائدة:
تذكير الناس بالشريعة التي نسوها، وفي هذا لا يكون الإعراض من الناس تامًا فلا يحتاجون إلى رسول، ويكفي النبي الذي يذكرهم بالشريعة.
والرسل أفضل من الأنبياء، ثم الرسل أفضلهم خمسة هم أُوُلو العزم، وأفضلهم محمد صلى الله عليه وسلم، والثاني: إبراهيم الخليل عليه السلام يلي مرتبة النبي عليه الصلاة والسلام.
وقوله: (واليوم الآخِرِ)وهو يوم القيامة، وسمِّي آخرًا لأنه آخر مراحل بني آدم وغيرهم أيضًا، فالإنسان له أربع دور:
في بطن أمه،
وفي الدنيا،
وفي البرزخ،
ويوم القيامة وهو آخرها.
الإيمان باليوم الآخر يتضمّن:
أولاً:
الإيمان بوقوعه، وأن الله يبعث من في القبور
ثانيًا:
الإيمان بكل ماذكره الله في كتابه وما صح عن النبي عليه الصلاة والسلام مما يكون في ذلك اليوم الآخر، من كون الناس يحشرون يوم القيامة حفاة عراة غرلاً بهمًا، أي ليس معهم مال
ثالثًا:
الإيمان بما ذكر في اليوم الآخر من الحوض والشفاعة والصراط والجنة والنار
رابعًا:
الإيمان بنعيم القبر وعذابه
وهنا ننبّه على ما نسمعه من قول بعض الناس أو نقرأه في بعض الصحف إذا مات إنسان قالوا: انتقل إلى مثواه الأخير.
وهذا غلط عظيم، ولولا أننا نعلم مراد قائله لقلنا: إنه ينكر البعث، لأنه إذا كان القبر مثواه الأخير،فهذا يتضمن إنكار البعث، فالمسألة خطيرة لكن بعض الناس إمّعة، إذا قال الناس قولاً أخذ به وهو لايتأمل في معناه.
(وَتُؤْمِنُ بِالقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرّهِ)
وهنا أعاد الفعل: (تؤمن) لأهمية الإيمان بالقدر
والإيمان بالقدر يتضمّن أربعة أمور:الأول:أن تؤمن بعلم الله المحيط بكل شيء جملة وتفصيلاً.
ثانيًا:الإيمان بأن الله تعالى كتب في اللوح المحفوظ، مقادير كل شيء إلى يوم القيامة القيامة، قال الله تعالى:"وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ"أي في كتاب.
واللوح المحفوظ لانعرف ماهيته، ولانعرف حجم هذا اللوح ولاسعته، فالله أعلم بذلك والواجب أن نؤمن بأن هناك لوحًا كتب الله فيه مقادير كل شيء، وليس لنا الحق أن نبحث وراء ذلك.
ثالثًا:
أن تؤمن بأن كل ما حدث في الكون فهو بمشيئة الله تعالى.
وإذا آمن الإنسان بهذا سلم من عمل الشيطان، فإذا فعل فعلاً وحصل خلاف المقصود، قال ليتني لم أفعل، فهذا من عمل الشيطان، لأن الذي فعلته قد شاءه الله عزّ وجل ولابد أن يكون، لكن إن كان ذنبًا فعليك بالتوبة والاستغفار.
رابعًا:
الإيمان بأن الله سبحانه وتعالى خلق كل شيء، قال تعالى:"وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا"
حتى حركات الإنسان مخلوقة لله، لأن الله تعالى خلق الإنسان وأفعاله، وإذا كان هو مخلوقًا فصفاته وأفعاله مخلوقة ولا شك، وإن كانت باختيار العباد وإرادتهم لكنها مخلوقة لله، وذلك لأن أفعال العباد ناشئةعن إرادة جازمة وقدرة تامة، وخالق الإرادة والقدرة هو الله سبحانه وتعالى.
وهل صفات الله مخلوقة ؟
الجواب: لا، لأن صفاته سبحانه وتعالى كذاته كما أن صفات الإنسان كذات الإنسان مخلوقة.
يتبع</div>
المفضلات