الباب الأول :
دور قبيلة بلي في نصرة الإسلام



الفصل الأول :
موقف قبيلة بلي من الإسلام

لقد وقفت قبيلة بلي (الام ) في شمالي الجزيرة العربية ضد دعوة المصطفى e شأنها شأن القبائل العربية الأخرى في الجزيرة العربية التي رأت في قيام دولة إسلامية قضاءً على سلطانها ونفوذها وتقييداً لحركتها وحريتها التي كانت تسرح وتمرح في ظل أعراف وتقاليد لاتتلاءم في معظمها مع تعاليم الدين الجديد ولكن موقف قبيلة بلي المعارض لدعوة الإسلام كان يذكيه فضلاً عن الإعتبارات السابقة ولاؤها للإمبراطوريةالبيزنطية ، التي جعلت من أفراد هذه القبيلة والقبائل القضاعية الأخرى حراساً لحدودها مع الجزيرة العربية.
لقد كان أول احتكاك مباشر من الناحية العسكرية مابين قبيلة بلي والدولة الإسلامية في السنة الثامنة للهجرة عندما حشدت الإمبراطورية البيزنطية مائة ألف من متنصرة العرب في مؤتة لقيادة رجل من بلي يقال له مالك بن رافلة ،الذي قتل في هذة الموقعة كما تقدم .
والمتأمل لهذا الخبر مرة أخرى يلحظ بان الزعامة في شمالي الجزيرة العربية كانت لقبيلة بلي ، بدليل ان القبائل العربية المتحالفة في مؤتة والمكونة من بهراء ،ووائل،وبكر ، ولخم ،وجذام ، لم يعترضوا على إمارة مالك ابن رافلة ،دلالة على تسليمهم وانقيادهم واعترافهم بتميز هذة القبيلة وزعيمها . لا بل ان اختيار مالك من قبل بيزنطة يدل دلالة لاتقبل النقاش على مكانة هذة القبيلة في هذة الفترة من الناحية العسكريه والسياسيه ، فالأختيار لم يكن عشوائياً ، بل كان يراعي حسابات قبليه دقيقة .
ويبدوا ان قبيلة بلي لم تقبل بنتيجة موقعة مؤتة ، فاخذت بدعم من الإمبراطورية البيزنطية تحرض القبائل في شمالي الجزيرة العربية على الدولة الإسلامية ، وتحشد الحشود من أجل غزو المدينة المنورة عاصمة الدولة الإسلامية الناشئة ، وفور تلقي المصطفى e لهذة الأنباء المزعجة ، سارع بتوجية حملة عسكرية اختير قائدها بعناية فائقة .. فقد وقع الأختيار على الصحابي عمرو بن العاص ( رضي الله عنه ) الذي تعتبر قبيلة بلي خؤولتة وذلك من أجل استئلاف قلوبها ، ولتقدر خطورة جموع قبيلة بلي ان المصطفى e أرسل خيرة اصحابة في هذة الحملة امثال : الصديق ، الفاروق ، ابو عبيدة (رضي الله عنهم ) ، وذلك بعد ان طلب عمرو بن العاص ( رضي الله عنه ) النجده ، فبلغ عدد جيش عمرو بن العاص (رضي الله عنه ) خمسمائة مقاتل فاسروا في الليل والنهار ، حتى وطىء الجيش بلاد بلي ودوخها حتى انتهى إلى أقصى بلاد بلي ، وعذرة ، وبلقين ،في الغزوة المعروفة بذات السلاسل .
لقد كانت هذة آخر محاولة لقبيلة بلي لمقاومة الدعوة الإسلامية داخل حدود الجزيرة العربية ، وبدأت هذة القبيلة تلاحظ انفضاضالقبائل العربية من حولها وانضمامها لدولة المصطفى e ، فأخذت تراقب الأوضاع ، وتصيخ أذانها لاخبار هذا الدين الجديد .
لقد بدا شعاع هذا الدين يتسرب إلى أبناء قبيلة بلي (الأم) من خلال الإحتكاك المباشر مع دعاة المصطفى e نفسة ، ورؤيتة للمعجزات بأم أعينهم ، فيروي لنا المقزيزي ، أن الذي فرج عن الجيش الاسلامي عندما اشتد به العطش في تبوك ،امرأة من بلي ، فقال :عطش العسكر في تبوك فشكوا ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ،فأرسل أسيد بن حضير في يوم صائفوهو متلثم ،فقال :عسى أن نجد لنل ماء –فخرج أسيد –وهو فيما بين الحجر وتبوك –فجعل –يضرب في كل وجه ،فوجد رايوة من ماء مع امرأةمن قبيلة بلي ،فكلمها وأخبرها خبر الرسول صلى الله عليه وسلم فقالت :هذا الماء ,فانطلق به ,فدعا فيه النبي صلى الله عليه وسلم بالبركه
ثم قال هلموا اسقيكم فلم يبق معهم سقاء إلا ملأوه ثم دعا بركابهم وخيولهم فسقوها حتى نهلت وفي روايه ولما قدمت على أهلها قالوا لها :لقد احتبست علينا قالت :حبسني أني رأيت عجباً من العجب ارأيتم مزادتي هاتين ؟فوالله لقد شرب منها قريب من سبعين بعيراً ،واخذوا من القرب والمزاد والمطاهر مالا احصي ثم هما الان اوفر منهما يومئذ، فلبثت شهراً عند أهلها ثم أقبلت في ثلاثين راكباً على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلمت واسلموا .
وفد قبيلة بلي على رسول الله e :
في شهر ربيع الأول من السنة التاسعة للهجرة نور الله قبيلة بلي (الأم) للإسلام ،وجاء وفدهم الى المديبه المنوره ،ليعلن إسلامهم أمام رسول الله صلى الله عليه وسلم بقيادة شيخهم أبو الضبيب ،فنزلوا على الصحابي الجليل رويفع بن ثابت البلوي (رضي الله عنه )، وأنزلهم في منزله ،ثم قدم بهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له:هؤلاء قومي ،فقال له رسول الله e ( مرحباً بك وبقومك ) ،فأسلموا، وقال لهم رسول اللهe (الحمد لله الذي هداكم للإسلام ،فمن مات منكم على غير الإسلام فهو في النار ) .
وفي روايه أكثر تفصيلاً عن رويفع بن ثابت البلوي (رضي الله عنه ) قال :قدم وفد قومي ،فأنزلتهم علي ،ثم خرجت بهم حتى انتهينا الى رسول اللهe وهو جالس في اصحابه ،فسلمنا عليه فقال صلى الله عليه وسلم رويفع ؟فقلت: لبيك ،قال : من هؤلاء القوم ؟ قلت : قومي يا رسول الله ، قال : مرحباًبك وبقومك . قلت : يارسول الله قدموا وافدين عليك ، مقرين بالإسلام ،وهم على من ورائهم من قومهم ،فقال رسول اللهe : " من يرد الله به خيراً يهديه للإسلام " فتقدم شيخ الوفد أبوالضبيب فجلس بين يدي رسول اللهe ، فقال :يارسول الله أنا وفدنا إليك لنصدقك ،ونشهد أنك نبي حق ونخلع ما كنا نعبد وكان يعبد آباؤنا ، فقال r ( الحمد لله الذي هداكم للإسلام فكل من مات على غير الإسلام فهو في النار )
وقال أبو الضبيب : يا رسول الله إن لي رغبة في الضيافة ، فهل لي في ذلك أجر ؟ قال r : نعم وكل معروف صنعته إلى غني او فقير فهو صدقة ) فقال : يا رسول الله وما وقت الضيافة؟ قال r ( ثلاثة أيام فما بعد ذلك صدقة ، ولا يحل للضيف أن يقيم عندك فيحوجك ( أي يضيق عليك ) وفي لفظ : فيؤثمك ، أي يعرضك للإثم ،أي تتكلم بسيء القول ، قال : يا رسول الله ، أرأيت الضالة من الغنم أجدها في الفلاة من الأرض قال r : هي لك أو لأخيك أو للذئب ، قال : فالبعير ؟ قال : مالك وله ؟ دعه حتى يجده صاحبه .
قال رويفع رضي الله عنه : ثم قاموا فرجعوا إلى منزلي ، فإذا رسول الله r يأتي منزلي يحمل تمراً، فقال : استعن بهذا التمر ، فكانوا يأكلون منه ومن غيره ، فأقاموا ثلاثة أيام ، ثم ودعوا رسول الله r وأجازهم ورجعوا إلى بلادهم .

وتذكر لنا المصادر بأن بطون بلي الأخرى المنتشرة في مختلف أنحاء الحجاز بدأت تتوافد على رسول الله r ، وقد أوردت لنا تلك المصادر نص كتاب كتبه المصطفى لأحد هذه الوفود وهو وفد بني جعيل من قبيلة بلي وجاء نص الكتاب على النحو التالي : إنهم رهط من قريش ، ثم من بني عبد مناف ، لهم مثل الذي لهم وعليهم مثل الذي عليهم .وإنهم لا يحشرون ولا يعشرون ، وإن لهم ما أسلموا عليه من أموالهم . وإن لهم سعاية نصر وسعد بن بكر وثمالة وهيل .
وبايع رسول الله r على لك : عاصم بن أبي صيفي ، وعمرو بن أبي صيفي ، والأعجم بن أبي سفيان ، وعلي بن سعد ، وشهد على لك العباس بن عبد المطلب ، وعلي بن أبي طالب ، وعثمان بن عفان ، وأبو سفيان بن حرب "
ونص هذا الكتاب يؤيد الرواية التي جاءت في الإصابة بأن قسماً من بلي قد حالف على ما يبدو عبد مناف فنسبوا إليهم ، فقد روى البغوي من طريق عبد العزيز بن عمران عن جهم بن مطيع عن علي بن جهم البلوي عن أبيه قال : وافانا رسول الله r فسألنا من نحن فقلنا نحن بنو عبد مناف ..."
وبرجوع وفد بلي إلى مضاربة تبدأ صفحة الجهاد والتضحية من أجل التمكين لدين الله في الأرض باللسان والسنان ، وهذا ما سنعيش معه في الصفحات التالية إن شاء الله .