صفحة 2 من 2 الأولىالأولى 12
النتائج 7 إلى 12 من 29

الموضوع: أضواء على دور قبيلة بلي في الحضارة العربية الإسلامية

العرض المتطور

المشاركة السابقة المشاركة السابقة   المشاركة التالية المشاركة التالية
  1. #1
    رئيس مجلس الإدارة الصورة الرمزية موسى بن ربيع البلوي
    تاريخ التسجيل
    24 - 10 - 2001
    الدولة
    السعودية
    المشاركات
    26,570
    مقالات المدونة
    19
    معدل تقييم المستوى
    874

    افتراضي رد: أضواء على دور قبيلة بلي في الحضارة العربية الإسلامية ( متجدد )

    وعندما عزم البلوي على الرحيل عن بلده في رحلته التي دونها في تاج المفرق وذلك في ضحوة يوم السبت الثامن عشر لصفر من عام736هـ/ 1335م مودعاً للأهل والأصدقاء, نجده يتجرع آلام الفراق لا بل انه عندما غادر بلده وودع أهله كأنه فارق روحه ففي تلك اللحظات العاطفية الجياشة قال:
    ودعت قلبي يوم ودعتهم
    وقلت يا قلبي عليك السلام

    وقلت للنوم انصرف راشداً
    فإن عيني بعدهم لا تنام
    محرم يا عين ان ترقدي
    وليس في العالم نوم حرام
    وهاهو يعبر نثراً وشعراً عن هذا الموقف مرة أخرى فيقول: وقد أعدت الركاب, وطاشت الألباب, وحضر للوداع جميع الأحباب, وأنا أصبر كصبر ميت على النزاع, وأقول ما خلق الله من عذاب أشد من وقفة الوداع, أعالج السياق, وأعاين المنايا بين أخفاف النياق, ثم يقول:
    أقول لصحبي حين ساروا ترفقوا
    لعلي أرى من بالجناب الممنع
    وألثم أرضاً ينبت العز تربها
    وأسقي ثراها من سحائب أدمعي
    وينظرطرفي أين أترك مهجتي
    فقد أقسمت أن لا تسير غداً معي
    وما أنا إن خلفتها متأسفاً
    عليها وقد حلت بأكرم موضع
    ولنعش مع أشعار البلوي الشجية عندما ارتحل عن بلده, وأخذت تنازعه وساوس النفس, هل سيمتد به العمر ويعود مرة أخرى اليها, إنه شعور المسافر الذي لا يعلم ماذا يخبئ له القدر أثناء ترحاله, فقد عبر عن تلك الهواجس شعراً حين قال:
    ليت شعري أنلتقي بعد هذا
    أم وداعاً يكون هذا اللقاء
    فاذكروني وزودوني دعاء
    خير زاد تزودوني الدعاء
    وتتكرر الصورة في كل موقف وداع في معظم المناطق التي زارها في رحلته وهي كثيرة فقد أنشد أبياتاً معبرة عن الفراق حين قال :
    ماذا وقوفك والركاب تساق
    أين الجوى والمدمع المهراق
    ألغير هذا اليوم يخبأ أو ترى
    بخلت عليك بمائها الأماق
    حتى لقد رحلوا بقلبك والكرى
    إن النواظر لا الدموع تراق
    وتتدفق عاطفة البلوي الايمانية فياضة رقراقة عندما تتراءى له المدينه المنورة ، فتتوارد لدية الأفكار تجيش به العواطف المفعمه بحب المصطفى صلى الله علية وسلم ، فيا له من موقف مؤثر صوره أبو البقاء البلوي اجمل تصوير حين خط ببنانه ارتجالا قصيدة هي أشبة بلوحات عاطفيه مجسدة تصور لقاء المحبوب مع حبيبه ذلك اللقاء المفعم بالحرقة والشوق ، والاعتراف بالذنب لطول الفراق وعدم التعجيل بالقاء مع كبير الامل والرجاء بأن يصفح المحبوب الزله ويقيل العثرة فقد قال :
    الله أكبر حبذا إكباره لاح الهدى وبدت لا أنواره
    لاحت معالم يثرب وربوعها مثوى الرسول وداره وقراره
    هذا النخيل وطيبة ومحمد خير الورى طرا وها أنا جاره
    هذا المصلى والبقيع وهاهنا ربع الحبيب وهذه آثاره
    هذي منازله المقدسة التي جبريل ردد بينها تكراره
    هذا مواضع مهبط الوحي الذي تشفى الصدور من العمى أسطاره
    هذه مواطىء خير من وطىء الثرى وعلا على السبع العلا استقراره
    ملأ الوجود حقيقة أشراقه فأضاء منه ليله ونهاره
    والروضة الفيحاء هب نسيمها والبان بان ونم منه عراره
    وتعطرب سلع فسل عن طيبها لم لا تطيب وحولها مختاره
    بشرك يا قلبي فقد نلت المنى وبلغت ما تهوى وما تختاره
    قد أمكن الوصل الذي أملته وكذاك حبي أمكنت اسراره
    قد كان عندي لوعة قبل اللقاء فالآن ضاعف لوعتي ابصاره
    رفقاً قليلاً يا دموعي أقصري فالدمع يحسن في الهوى أقصاره
    قد كانت العين الكريمة في غنى عن أن يفيض بتربها تياره
    أيضيع من زار الحبيب وقد درى ان المزور بباله زواره
    أيخيب من قصد الكريم وعنده حسن الرجاء شعاره ودثاره
    أيؤم بابك مستقبل عاثر فيرد عنك ولا تقال عثاره
    حاشا وكلا أن تخيب آملا فيعود صفراً خيبت أسفاره
    يا سيد الارسال ظهري مثقل فعسى تخف بجاهكم أوقاره
    رحماك الصغار وقد تعاظم وزره والعفو تصغر عنده أوزاره
    شط المزار ولا قرار وشدما يلقي محب شط عنك مزاره
    وافى حماك يفر من زلاته واليك يا خير الانام فراره
    وأتاك يلتمس الشفاعة والرجا اقتاده وظنونه أنصاره
    والعبد معتذر ذليل خاضع ومقصر قد طولت أعذاره
    متسول قد اغرقته دموعه متنصل قد أحرقته ناره
    قذفت به في غربه أوطانه ورمت به لعلائكم أوطاره
    فامنن وسامح واعف واصفح واغتفر فلأنت ماح للخطا غفاره
    صلى عليك الله ما حيا الحيا روض الربا وترنمت أطياره
    أجل إن ما تقدم من اختبارات من شعر أبو البقاء البلوي تدل دلاله واضحه على شاعرية متمكنه ، وموهبه ملكت ناصية التعبير فانقادت لها الكلمات فتشكلت منها صور شعرية رائعة تنبض بالحياة والحركة .
    هذا ولم تتوقف مواهب البلوي عندما ذكرنا من جمعه لتلك المعارف بل كانت له يد طولى وشأن يذكر في الموشحات ونختم الحديث عن أبي البقاء بما ختم به المقري حين قال : ومحاسنه كثيرة وفي الرحلة منها جملة
    ومنهم الأديب الشاعر الأبرش البلوي ، عبدالله بن ابي العباس الأبرش البلوي ، من أهل باجة القمح ، وهو شاعر قديم معروف بحب الغريب من اللغة ، وله أراجيز كثيرة ومن نماذج شعره الذي يعتز فيه بقبيلته :
    وحول بيوت الحي جرد ترى لها إذا ما علا صوت الصريخ تحمحما
    وفي الحي فتيان تخال وجوههم إذا سفروا في ظلمة الليل أنجما
    زنود النهى سحب الندى أنجم الهى بدور السنا عرق الوفا أسد الحمى
    هم أقدم الاملاك ملكا وسؤددا ومجد وآلاء وفخراً ومسلما
    فمنهم زهير بن الجناب الذي سقى كؤوس الردى حي معد وأطعما
    وألبس لابني وائل ذلة وألزم دار الهون من كان أحزما
    فلما سطا الجبار أبرهه الذي يصول الردى إن صال يوماً وصمما
    ومنها :
    ونحن مننا بالقطاقط منة بأسرى تميم بعد حولي لأكثما
    معالي بني قحطان بيض زواهر يرى غيرهم بين السماكين معلما
    هم تركوا في ذلك اليوم هرقلاً وأشياعه للبيض نهباً مقسما
    وهم دافعوا عن نفس بهرام فارساً عداه بهم برواز لاذ وخيما
    إذا ماتتوجنا فلا ناس غيرنا ونمنع من شئناه أن يتعمما
    وكنا ذوي التيجان قبل محمد ومن بعده نلنا الفخار المعظما
    نصرنا وآوينا ونلنا بنصرنا له شرفاً ضخماً وعزاً مقدما
    فقل لمنايونا : صهٍإن عزنا جميع ملوك العجم والعرب أرغما
    ألسنا ضربنا بالسيوف وجوهكم على الدين حتى قد أبنتم عن العمى
    وقدناكم للحق قوداً وأنتم ترون الهدى غياً وجرماً محرما
    ونحن جعلنا للبهاليل منكم على الدين من فوق العذارين ميسما
    الى أن علا الاسلام وانتشر الهدى وأصبح دين الله أكرم منتهى
    وأشرقت الدنيا لأحمد وارتمت بنا همة الاسلام أبعد مرتمى
    ففاخر بقحطان بن هود ويعرب إذا أنت فاخرت امرءاً فهما هما
    ومن شعره أيضا :
    يا ذا الذي في خده جيشان من زنج وروم
    هذا يغير على القلو بـ وذا يغير على الجسوم
    إني وقفت من الهوى في موقف صعب عظيم
    كوقوف عارضك الذي قد حار في ماء النعيم
    صاح الجمال به فعرج خيفة كجناح جيم
    ويعد الشاعر الاديب احمد بن محمد بن فرج البلوي المعروف بالبساري من مشاهير شعراء قبيلة بلي في الاندلس في القرن الثالث وبالتحديد في عهد عبدالرحمن بن الحكم ( 206 – 238 هـ / 821 – 852 م ) ومن نماذج شعره تلك القصيدة التي هجا بها الوزير حامد بن محمد الرجالي :
    فعل اللئيم وليلته لم يفعل وأتى بفعل مثله لم يجمل
    ذبح الضفادع في الصنيع ولم يدع للنمل جارحة ولا للقمل
    وضع الطعام فلو علته ذبابة وقعت لتكمل شعبة لم تكمل
    وكأنما خرطت صحاف طعامه من دقة ودمامة من خردل
    وكأن فترة صحفه في البعد والإبطاء فترة مرسل
    ومن شعراء بلي الظرفاء الشاعر أبو بكر عبدالرحمن بن سليمان البلوي السبتي وهو أديب شاعر من اهل العلم له أشعار لطيفة في ممازحة الاصدقاء
    روى ابن حزم في طوق الحمامه انه كان يجتاز الطريق مع عبدالرحمن البلوي الشاعر السبتي فأنشده البلوي لنفسة :
    سريع الى ظهر الطريق وانه الى نقض اسباب الموده أسرع
    والى جانب هؤلاء الشعراء تذكر لنا المصادر أسماء بعض النسوة من هذه القبيلة ممن قرضن الشعر ومن هذه النسوة أم ضيغم البلويه ، وهي شاعرة من شواعر العرب ، قالت :
    وبتنا يقيناً ساقط الطل والندى من الليل برداً يمنه عطران
    نذود بذكر الله عنا من الشذى إذا كان قلبانا بنا يجفان
    وذكر عمر رضا كحال ايضا بأن خيرة بنت أبي ضيغم شاعرة من أظرف الشواعر .
    ومن الجدير بالملاحظة ان قبيلة بلي قد قدمت لنا علماء رواداً في حقل البلاغة والنثر ، فأهل البلاغة يذكرون بكل تقدير الكاتب البليغ البلوي الذي عاش في أوائل العصر العباسي الاول وعاصره ولاة أبي جعفر المنصور والمهدي وهارون الرشيد على بلاد اليمن التي عاش فيها .
    لقد نصب بشر البلوي نفسه لدفع ظلم الظالمين وفجور الفاجرين وتحيز المتحيزين ، فكتب عدة رسائل الى حكام وولاة الدولة العباسية ينهج فيها اسلوبا جديداً اعتمد فيه على اقتباس من القران الكريم فجاءت كلماته درراً لامعه تأسر من يقرأها وقد وصف بعض الأدباء بلاغته بأنها كانت تتهادى في البلاد وكان فيها مأخذ لم يسبقه اليه أحد ولم يلحق فيه ، وانه فيها أوحد ، وانه لا بشابه في بلاغته البلغاء ، وانه منفرد بحسن الاقتباس من آي الذكر الحكيم .
    هذا وقد نشرت هذه الرسائل اخيراً وصدرت في كتاب يحمل اسم رسائل بشر البلوي .
    هذا لمحة سريعة أردنا من خلالها ان نبرز بعض اسهامات هذه القبيله في الحياة الادبية في الدولة الاسلامية عبر ادوارها التاريخية ، علماً بأنه يوجد العديد من الشعراء والادباء الذين لم نعرج عليهم .

  2. #2
    رئيس مجلس الإدارة الصورة الرمزية موسى بن ربيع البلوي
    تاريخ التسجيل
    24 - 10 - 2001
    الدولة
    السعودية
    المشاركات
    26,570
    مقالات المدونة
    19
    معدل تقييم المستوى
    874

    افتراضي رد: أضواء على دور قبيلة بلي في الحضارة العربية الإسلامية ( متجدد )

    الفصل الثالث :

    إسهامات قبيلة بلي في علوم اللغة

    لقد كان أبناء هذة القبيله شديدي الاعتزاز بلغتهم وتمسكهم بمفرداتها مهما نالت أماكن وجودهم وهذا ما لاحظة المؤرخون كما تقدم في صدر هذا الكتاب ، لذا ليس مستغرباً ان ينبغ أبناء هذه القبيله في علوم اللغة وما يتفرع منها من علوم وآداب
    ومة العلماء الذين خدموا لغة القران في الاندلس ووصلت الينا مؤلفاتهم العلم الفحل أبو الحجاج يوسف بن محمد بن عبدالله البلوي ، بابن الشيخ ( 527 – 604 هـ / 1133- 1208 م ) المولود بمدينه مالقة في الاندلس ، وهوأديب ولغوي وفقيه ، وقد اولع باللزوم في شعره .
    كان من المعاصرين لصلاح الدين الايوبي ، واشترك معه في الحروب الصليبية مجاهداً كما اشترك مع المنصور الموحدي في غزواته ضد الافرنج . ولم تفته غزوه في البر ولا في البحر .
    لقد انحدر ابو الحجاج البلوي من احد بيوتات مالقة الدينية التي تولى الخطابة التي تولى الخطابة بها فعرف بالورع والتصوف والزهد في الدنيا ، فأقبل على أعمال الخير والبر فبنى ببلده مالقة خمسة وعشرين مسجداً من صميم ماله ، وعمل فيها بيده ، وحفر بيده آباراً عدة ازيد من خمسين بئراً ، وكان يلبس الخشن من الثياب .
    ومن أبرز شيوخة السهيلي المالقي ، وابن قرقول وابن دحمان وغيوهم . ومن الواضح ان الجانب الادبي هو الغالب على ثقافته وان الطابع الديني من روع وزهد هو الغالب على شخصيته .
    وقد ذكر له اثنان من المؤلفات :
    1 – ألف باء
    2- وتكميل الأبيات وتتميم الحكايات مما اختصر للأدباء في ألف باء ، وقد أحال في ثنايا كتابه ألف باء اكثر من مرة ، مما يرجح عمله في الكتابين في آن واحد ، وهو كتاب ادبي فيه تاريخ وأدب وشعر ووعظ توسع فيه أوجز في ألف وباء من أخبار وأشعار ، وهو مفقود ، كما أن له رحلة الى المشرق حج فيه وذلك فيما بين ( 560 – 562 هـ / 1164- 1166 م ) وفي كتابه ألف باء الكثير من الاشارات الى حياته ورحلته ومن لقيه من العلماء وأحوال المجالس العلمية في عصره .
    لقد كان أبو الحجاج حريصاً على تدوين العلم منذ فتره مبكرة من حياته وقد ذكر ذلك صراحة حين قال : ( ....... إني كنت في سن الحداثة ، وزمن الطلب أسمع الحكاية من الشيخ فتعجبني فأكتبها عنه وأحفظها ، فلما صرت في حد من يقرأ الكتب ويطالعها كنت أرى تلك الحكاية في الكتاب فأقول من
    هاهنا أخذها ثم اجدها بعينها في كتاب آخر وفي آخر...).
    وسنحاول في الصفحات التالية أن نعرض لكتاب أبو الحجاج البلوي والذي وصل الينا كاملاً وهو كتاب ألف باء الذي وضعه لتأديب ابنه عبدالرحيم ، فوضع في هذا الكتاب عصارة فكرة ، وما حوته ذاكرتة من معلومات / وما جمعتة مكتبته وتجاربة فجاء أشبة بموسوعة علمية في اطار لغوي وأدبي فريد ، وسنحاول أن نبرز بعض الجوانب التي تميز بها ، والاضافاعت العلمية التي اضافها .
    كتاب ألف باء :
    يعد هذا الكتاب من عيون كتب التراث ذات النهج الموسوعي فقد جمع فيه معارف عصره من رحلة ، وفقه وحكايات وطرائف ، وأدب ولغة وما إلى ذلك ، ولكنه يعتمد في عرض كل هذه المعلومات على اساس المعجمي في بنائه . إن البلوي أراد من خلال هذا الكتاب أن يخدم عدة قضايا من أبرزها الذب عن العرب والعربية ، ويتضح ذلك من خلال رده على رسالة ابن غرسية في تفضيل العجم على العرب وهي رسالة تفيض بالتحامل على العرب ةتمجيد العجم .
    لقد عقد ابة الحجاج لهذه القضيه في كتابة ألف باء . وذلك بعد قرنين تقريباً من صدور رسالة ابن غرسية فصلاً خاصاً عن فضل العرب ، وما يمسب لهم من الفروسية والشجاعة ، وحب الحرية والاباء والجود ، وفصاحة اللسان والشاعرية وغير ذلك من الخلال المأثورة ثم يعطف على رسالة أبي عامر بن غرسية ويقول : ( انه قد فسق في رسالتة ، وبدع وسب بسببها وجدع ) ثم يبدي دهشته من تسامح أهل عصره وتركهم لابن غرسية وأمثاله دون عقاب ويقول : والعجب من أهل ذلك الزمن كيف استقروا على هذه الفتن ، وأقروا هذه المجتري على هذا الاجراء ، وما جاء به من الافتراء ، أم كيف أبلغوه ريقه وأوسعوا له طريقة ولم يهلكوه وفريقه .
    إن البلوي الذي يفصله من الناحية الزمنية ما يقارب من قرنين من الزمان عن ابن غرسية كما تقدم ورغم كثرة من رد على ابن غرسية من العلماء ، الا انه رأى من الواجب أن يتصدى لهده الرساله ليؤكد مكانه العرب ، وتفضيلهم على غيرهم بفضل اختيارهم شهداء على الناس باختيار خاتم الانبياء منهم .
    لقد بدأ البلوي كتابه ألف باء بمقدمة طويله تنتهي في الصفحة 245 من الكتاب ، أوضح فيها الهدف من هذا التأليف ، وشرح منهجه في التأليف بشكل مفصل ، واورد مجموعه فوائد اخرى لبعضها اتصال وثيق باللغة .
    ثم أخذ البلوي بعد تلك المقدمه بالتعليق على أبيات قصيدته التي جعلها عماد الكتاب ومركز فصوله ، وفي فصول الكتاب التالية . فنجد دائماً بين أيدينا مادة لغويه تعقبها فوائد هي عباره عن مجموعه أخبار وروايات وتعليقات تدفعه الى ذكرها إشارات أو اسماء , وردت خلال المادة اللغوية المذكورة فبلها .
    وخلاصة طريقته انه كرر الالف مع سائر حروف المعجم مثل أب و أت و أث ، ثم ساق معكوس ذلك مثل : با و تا وثا ، ثم مقلوبه ألف بين حرفين مثل باب وتاب وثاب ، ثم مقلوبه أيضا : حرف بين ألفين مثل أبا وأتا و أثا . وللحصول على قافية واحده جعل نهاية كل بيت كلمة فيها الحلارف المعجمي مع اللام . وساق في الشرح كل ما يتبادر الى ذهنه من المواد اللغوية المتعلقة بهذه الكلمات والتقاليب والاشكال . وأوضح الصعوبات التي واجهته في نظم أبيات قصيدته تلك وتأيف مفرداتها .
    وحروف المعجم فيه مرنبه على ترتيب المغاربة للحروف الابجدية :
    ( أ ، ب ، ت ، ث ، ج ، ح ، خ ، د ، ذ ، ر ، ز ، ط ، ظ ، ك ، ل ، م ، ص ، ض ، ع ، غ ، ف ، ق ، س ، ش ، هـ ، و ، ي ) .
    وقال عن صنيعه في تفسير الالفاظ : ثم أفسر اللفظة بما أدرية ، وما وجدته في كتب اللغة وما ذكرة العلماء ، وقد عنى الالفاظ هذه ومعكوسها ومقلوبها هي وما يوحي به شكلها وربما جلبت فائدة ثانيه وعكساً آخر يفيد علماً زائدا ً .
    وقد وقف في نهاية كل فصل عند الحرف – أو الاحرف – المذكورة فيه ، ذاكراً المخرج والصفه ، وما يوحي به شكل الحرف ومقلوبه ومعكوسة من استعمالات لغوية .
    والقسم الثاني لكل فصل هو الفوائد والحكايات التي يسوقها مجموعه ، ولم يكتف بذلك بل كان باستمرار الى ما يكلمها ويعزز في كتابه الآخر : تكتميل الابيات وتتميم الحكايات ، مما اختصر للألباء في ألف باء .
    ومن الموضوعات التي تطرق لها في مقدمته : اللحن ومعانية ومبحث النقط والشكل وترتيب الحروف ومعنى الحرف في اللغة ، وحروف المعجم ، ومعرفة الحروف المقطعه في اللغة وأسالحرف في اللغة ، وحروف المعجم ، ومعرفة الحروف المقطعه في اللغة وأسماء الله الحسنى .
    وهي موضوعات كما هو ملاحظ في غاية التخصص ، ويتضح تخصصه الدقيق في اللغة عندما يخوض في علم الصوتيات فانظر على سبيل المثال عندما يورد فوائد لغوية صوتية كقوله عند مخرج الصاد : ( ويشركها في هذا المخرج السين والزاي ، واشتركوا في البدل في كلمه واحده مثل : سراط ، وصراط ، وزراط ، ذكر هذا ابن دريد وقال : ليس هذا في كل كلام ألا تراهم لا يقولون : سبغت الثوب في معنى صبغت ، ولا صوق في معنى سوق ، إلا ان يونس بن حبيب ذكر انه سمع من العرب الصوق بالصاد . وهو يستدر في هذا المثال على رأي ابن دريد .
    أجل ان البلوي لا يقف متفرجاً على القضايا التي يناقشها بل نجده يتخذ موقفاً لتأكيد بعض الأراء ، فقد جاء عند الكلام على الوضوء وقال : ( وبين علماء اللغة في هذه اللفظه خلاف منهم من يقول الوضوء بالفتح المصدر ، ومنهم من يجعله الماء ومنهم من يقول الوضوء بالضم هو المصدر ، والذي جاء في الحديث ، وذكره مالك رحمه الله في الموطأ : فأتى رسول الله صلى الله علية وسلم بوضوء في إناء ، وهو هنا الماء لا غيره ، وبالفتح قرأناه عل الأشياخ لاغير )
    لابل انه ربما أورد ملاحظات في الدلاله وتطويرها ، وأصل الالفاظ من ذلك : ( والألص : المجتمع المنكبين يكادان أن يمسا أذنية ، ولصص بنيانه مثل رصص ، ومنه سمي اللص لصاً ، لانه يجمع نفسه ويلاصص شخصه ليستتر بذلك ) ومن ذلك ايضاً الى المترادفات مثل : ويقال اللص ايضاً الشص .
    هذا وللبلوي رأي شخصي في الاستشهاد فيقول : ( واستشهد على ذلك بما أحفظه من الشعر ، وبما قالته العرب ، وربما ذكرت ما قاله غيرهم من المولدين المشهورين ، وربما كرت شعر من لقيته من أشياخي ، ون لم يكن في ذلك حجه ففيه أنس ، مع الثقه بعرفتهم وفضل التقدم علينا في كل أمرهم )
    ولم يكتف البلوي بالبحث اللغوي بل استطرد الى ذكر تفضيلات أدبية وتاريخية تخدم الغرض الي من اجله كتب الكتاب وهو تزويد ولده عبدالرحيم بمعلومات في مختلف العلوم انطلاقاً من اللغة وبالتالي هو يهدف الى خدمه اللغة العربية والثقافه العربية بابراز مثل هذه المعلومات اتستفيد منها الامه .
    وحتى تكتمل الفائده ونتعرف على منهج البلوي في هذه الدراسة الموسوعية التي كتبها في حدود عام 603 ه ـ / 1206 م ) نورد نموذجاً من مادة الكتاب اللغوية وليكن الفصل الخاص بمادة ( الألف مع الصاد وأختها الضاد).
    وهذا الفصل يعتمد على بيت واحد من قصيدته التي هي عماد هذا الكتاب, والبيت هو:
    وأصّ وأصّ وأضّ واض وصل وضل
    والمادة اللغوية تنقسم إلى الأقسام الأربعة الأساسية التالية: الألف مع الصاد- الألف مع الضاد- القافية: صل وضل- الصاد والضاد. أما عرض المفردات فيها فيرتكز إلى: المفردات- معكوس الكلمة- مقلوب الكلمة: ألف بين حرفين, وحرف بين ألفين, وماهو من شكل الكلمة.
    وتقع مادة الألف مع الصاد في صفحة واحدة, وقد بدأها بقوله: الأصّ والأصّ واحد, وهو الأصل.
    ثم زاد فائدة بأن أورد صيغة الجمعة, مستشهداً لها برجز لم يسم قائله,( والجمع آصاص, قال الراجز:
    قلال مجد فرّعت آصاصا وغرةً قعاء لن تناصى
    ثم استطرد لشرح مفردة وردت في هذا الشاهد:
    معنى تناصى: تنال من ناصيته, أي حاذيت ناصيته, وتناصى الرجلان: أخذ كل منهما بناصية صاحبه.
    ثم قفز إلى مفردة جديدة: والصأصأة: تحريك الجرو عينيه قبل التفتيح.
    وهذا يعني انه انتقل إلى بناء جديد, وهو معكوس الألف مع الصاد, ولم يجد له استعمالاً غير هذا البناء المضاعف غير انه في مادة ضئضئ التالية أورد الحديث الشريف: ( يخرج من ضئضئ هذا قوم يمرقون من الدين.. الحديث) وهذا الحديث مروي باللغتين, الضاد والصاد, وإن كانت الأولى أعرف.
    ورغم ان (آص) غير مستعمل, وهذا ما لم ينص عليه في البيت أو في الشرح وإن أهمل ذكره, فإنه ينتقل إلى ايراد معكوسه ومعكوس آص صاء:
    وقدم لهذا البناء ثلاثة استعمالات, أولاها: يقال: صاءت الفأرة تصيء صأيا وصئيا: صاحت, وكذلك السنور, والكلب, والطير, وفي مثل ( جاء بما صاء وصمت) يعني: بما نطق وصمت, فاهتم بايراد مضارع الفعل, وصيغتي مصدره- وهذا مما لم يلتزم به دائماً- واهتم بايراد فائدة, وهي تعداد الحيوانات التي ينسب إليها هذا الصوت, وأورد شاهداً على هذا الاستعمال وهو مثل هنا.
    وثاني هذه الاستعمالات وهو اسم: ( والصاء : الماء الذي يكون في السلى. يقال: ألقت الشاة صاءتها, وهو ما يخرج بعد الولادة من القذى وجمعها صاء قال المدرك الفقعسي:
    مقطعة الصديد يجيء منها على الرجلين صاء كالخراج
    ثم قطع تسلسل العرض وأتى بمواد جديدة:
    وأصاءة اللسان: حصانته ورزانته, وهذا ينبغي ان يأتي في مادة الصاد بين حرفين أصا التالية.
    والأصية حساء يصنع بالتمر. ثم ذكر الاستعمال الثالث لبناء صاء وهو فعل, ويقال: صاء فلان رأسه إذا غسله فلم ينقه, ويستمر في متابعة الأبنية التي يهتم بها, مقلوبه: ألف بين حرفين: صاص, مهمل تنص على كون البناء مهملاً, وانتقل إلى الشكل الآخر من التقليب .
    وكذلك ( أي مهمل ) حرف بين ألفين ( أصا ) إلا إن دخلت همزة الاستفهام على صاء واللجوء إلى الاهتمام بشكل الكلمة بادخال ماليس فيها تمحل درج عليه في كتابه مثل عدة واو العطف في الكلمة . وبدل اللجوء إلى الاعتكاز على همزة الاستفهام كان بامكانه الاشارة إلى اصاءة اللسان التي أوردها في غير موضوعها .
    وفي مادة الألف مع الضاد تناول المواد : أض ، وآض ، وأيضاً، والضئضيء، والضوة ، والضوة ، والضوضاة ، وضاء( معكوس آض) وضاء بجعل الواو أصلية ، وضاض ( مهمل )، وأضا: بكل مايوحي به شكلها من استعمالات.
    الصاد والضاد : ليس بينهما من تناسب إلا في الشكل والصوره وإنهما معاً من الحروف الرخوة ، ومن حروف الإطباق .
    والضاد هي أخت الظاء في الإطباق ، وأما في المخارج فيختلفان مخرج الضاد من اول حافة اللسان وما يليها من الأضراس ، ومخرج الطاء قد تقدم في بابها فأغنى عن إعادته ( ج2 ،ص367) ولا أعلم فيها كلاماً أكثر من انه يجيء من شكلها كذا معربة : ضاد فلان فلاناً، كما تقول شاقة وأحادة وهو معلوم ، ومقلوب ضاد: ضدا . وفي القرآن : ( ويكونون عليهم ضداً).
    ويبقى انه ينبغي ان يفرق بينهما وبين الظاء في النطق لئلا تنقلب المعاني في مثل : ظل، وضل ، نعم وربما أشبه ذل ، ومثل : محظور، ومحضوراً، ومحذوراً، فبالمخارج يتبين المعنى .
    وبهذا تنتهي المادة اللغوية المعجمية الخاصة بهذا الفصل .
    ويسوق رضا عبد الجليل الطيار بعض الملاحظات العامة على هذه المادة كأنموذج لبقية المواد الواردة في الكتاب فقال إن البلوي في المادة اللغوية السابقة أورد عشرة شواهد من القرآن ، منها قراءتان ، وعشرة شواهد من الحديث ، وثلاثة أمثال ، وشاهداً واحداًمن أقوال الفصحاء ، وأورد اربعة وعشرين شاهداً من الشعر والرجز ، تسعة منها منسوبة وهي لاتخرج عن عصور الاستشهاد المعروفة .
    ولا نعدم ان نجده يتخذ موقفاص خاصاً بتاييده لأحد الآراء وربما وردت لديه ملاحظات في الدلالة وتطورها وأصل الألفاظ ولكنها ملاحظات ترد عرضاًـ كما هو الحال في معظم المعاجم الاخرى ـ وهي قليلة ماخوذة من المصادر المتقدمة . ومن ذلك ايضاً اشاراته إلى المترادف ، وربما أورد فوائد لغوية أخرى مثل ذكره للغات أخرى في المفردة ، ومثل ايراده لفوائد صوتية كقوله عن مخرج الصاد ، ويشركها في هذا المخرج السين والزاي ... وربما استطرد إلى ذكر تصيلات ادبية أو تاريخية رغم وجود قسم طويل في كل فصل للفوائد .
    وبعد فكاتب ألف باء بحق يعد من المصادر القيمة في تراثنا العربي الإسلامي ، فهو معجم للباحثين في اللغة يجدون فيه فوائد قيمة ، وايضاً لايعدم الباحث في الأدب ، والتاريخ ، والعلوم الشرعية فوائد يقتنصها من خلال تعليقات البلوي التي تنم عن فكر اصيل ، ومحبة للغة القرآن الكريم ، وثقافة موسوعية يلاحظها بشكل واضح المتعامل مع كتاب ألف باء، فضلاً عن ذلك فإن الكتاب من تأليف عالم عامل ، فهو مجاهد يشارك في الذب عن حياض ديار المسلمين ، إلى جانب عنايته باستكمال جوانب ثقافته ، فهو إنموذج بحق للمسلم الذي فهم دينه بشكل جيد ففجر طاقاته ، واستغل وقته بكل ماهو نافع .
    هذا وقد أثنى المستشرق الأسباني آنخل جنثالث بالنثيا على البلوي مؤلف كتاب ألف باء ، واوضح بأنه المصدر الوحيد الذي قدم لنا وصفاً دقيقاً لمنارة الاسكندرية وذكر أيضاً بان البلوي تكلم في كتابه هذا عن موضوعات في الحساب والطبيعة والنبات والحيوان ، وتحدث في علم الاجتماع والشريعة والأديان والمذاهب وفقه اللغة ومخارج الحروف والنحو ومعاجم اللغة وعلم الصرف والشعر والحكايات والاساطير واكد ان الكتاب عبارة عن موسوعة مختصرة تجمع ثقافة أواسط الناس في عصره وتجعله في متناول قارئه .
    هذا وقد أثمرت توجيهات البلوي لابنه عبد الرحيم (592ـ863هـ/1196ـ1240م) وغدا من علماء الاندلس فقد روى عن أبيه ، واجاز هو العالم المشهور ابن الابار كل ما رواه .



صفحة 2 من 2 الأولىالأولى 12

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 2 (0 من الأعضاء و 2 زائر)

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
هذا الموقع برعاية
شبكة الوتين
تابعونا