هدي الرسول صلى الله عليه وسلم في الشعر
قال ابن القيم رحمه الله تعالى :
عن هدي رسول الله عليه الصلاة والسلام في حلق الرأس وتركه وكيفية جعل شعره .
لم يكن هديه عليه الصلاة والسلام حلق رأسه في غير نُسك بل لم يحفظ عنه أن حلق رأسه إلا في حج أو عمرة .
وحلق الرأس أربعة أقسام :
شرعي , شركي , بدعي , ورخصة
* فالشرعي : الحلق في الحج والعمرة .
* والشركي : حلق الرأس للشيوخ فإنهم يحلقون رؤوس المريدين للشيخ ويقولون احلق رأسك للشيخ فلان وهذا من جنس السجود له فإن حلق الرأس عبودية ومذلة , وكثير منهم يعمل المشيخة الوثنية , فترى المريد عاكفاً على السجود له , ويسميه وضع الرأس وأدباً وعلى التوبة له والتوبة لا ينبغي أن تكون لأحد إلا لله وحده , وعلى حلق الرأس له , وحلق الرأس عبودية لا تصلح إلا لله وحده وكانت العرب إذا أمنوا على الأسير جزوا ناصيته وأطلقوه عبودية وإذلالاً له . ولهذا كان من تمام النُسُك وضع النواصي لله عبودية , وخضوعاً وذلاً ويربونه على الحلف باسم الشيخ لإذلاله .
وقد صح عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال (( من حلف بغير الله فقد أشرك )) فكيف من نذر لغير الله .
* وأما الحلق البدعي : فهو كحلق كثير من الفقراء يجعلونه شرطاً في الفقر وزياً يتميزون به عن أهل الشعور من الفقهاء والقضاة وغيرهم . وقد صح عن النبي عليه الصلاة والسلام في الخوارج أنه قال (( سيماهم التحليق )) وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه لصبيغ بن عيسى وقد سأله عن مسائل فأمر بكشف رأسه (( لو رأيتك محلوقاً لأخذت الذي فيه عيناك حتى أن تكون من الخوارج )) .
ومن حلق البدعة : الحلق عند المصائب , بموت القريب ونحوه فأما المرأة فيحرم عليها ذلك . وقد برئ رسول الله عليه الصلاة والسلام من الحالقة والصالقة والشاقة .
فالحالقة : التي تحلق شعرها عن المصيبة .
والصالقة : التي ترفع صوتها بالويل والثبور ونحوه .
والشاقة : التي تشق ثيابها .
وأما الرجل فحلقه لذلك بدعة قبيحة يكرهها الله ورسوله صلى الله عليه وسلم .
* وأما حلق الحاجة والرخصة : فهو كالحلق لوجع أو قمل أو أذى في رأسه , من بثور ونحوها فهذا لا بأس به .
وأما حلق بعضه وترك بعضه فهو مراتب :
- أشدها أن يحلق وسطه ويترك جوانبه , كما تفعل شمامسة النصارى .
- ويليه أن يحلق جوانبه ويدع وسطه كما يفعل كثير من السفلة وأسقاط الناس .
- ويليه أن يحلق مقدم رأسه ويترك مؤخره .
وهذه الصور الثلاث داخلة في القزع الذي نهى عنه رسول الله عليه الصلاة والسلام وبعضها أقبح من بعض .
وأما إرخاؤه فإن طال فالأفضل أن يجعل ذؤابتين عن اليمين والشمال ولا يرسل ولا يضفر ذؤابة واحدة ولا يجمع كله في مؤخر الرأس والمقصود أن أهل الذمة يؤخذون بتميزهم عن المسلمين في شعورهم إما بجز مقادم رؤوسهم وإما بسدلها ولو حلقوا رؤوسهم لم يعرض لهم .
شبهة ورد
قد يحتج صاحب الشعر الطويل الذي وضعه على هيئة قصة غربية بشبهة واهية ألا وهي أنه مقتدٍ بالنبي عليه الصلاة والسلام في ذلك !
سئل فضيلة الشيخ / محمد بن عثيمين رحمه الله عن قوم يطيلون شعورهم ؟
فأجاب قائلاً : التقليد في الأمور النافعة التي لم يرد الشرع بالنهي عنها أمر جائز , وأما التقليد في الأمور الضارة أو التي منع الشرع منها من العادات فهذا أمر لا يجوز , فهؤلاء الذين يطيلون شعورهم نقول لهم :
هذا خلاف العادة المتبعة في زمننا هذا واتخاذ شعر الرأس مختلف فيه هل هو من السنن المطلوب فعلها ؟ أو هو من العادات التي يتمشى فيها الإنسان على ما اعتاده الناس في وقته ؟
والراجح عندي : أن هذا من العادات التي يتمشى فيها الإنسان على ما جرى عليه الناس في وقته , فإذا كان من عادة الناس اتخاذ الشعر وتطويله فإنه يفعل وإن كان من عادة الناس حلق الشعر أو تقصيره فإنه يفعل ولكن البلية كل البلية أن هؤلاء الذين يُعفون شعور رؤوسهم لا يُعفون شعور لحاهم ثم هم يزعمون أنهم يقتدون بالرسول عليه الصلاة والسلام وهو في ذلك غير صادقين فهم يتبعون أهواءهم ويدل على عدم صدقهم في اتباع الرسول عليه الصلاة والسلام أنك تجدهم قد أضاعوا شيئاً من دينهم هو من الواجبات كإعفاء اللحية مثلاً فهم لا يعفون لحاهم وقد أمروا بإعفائها وكتهاونهم في الصلاة وفي غيرها من الواجبات الأخرى مما يدلك على أن صنيعهم في إعفاء شعورهم ليس المقصود به التقرب إلى الله ولا إتباع رسول الله عليه الصلاة والسلام وإنما هي عادة استحسنوها فأرادوها ففعلوها .
المفضلات