يوم الأهوال في آسيا.. روايات ومشاهدات

رضوة حسن - وكالات- إسلام أون لاين.نت/ 28-12-2004

آثار الدمار بجزيرة فيفي جنوب تايلاند

نقل العديد من السياح الأوروبيين والمواطنين في دول جنوب آسيا مشاهد مروعة لما وصفته العديد من وسائل الإعلام بـ"يوم الأهوال" الذي حل بهم نتيجة أمواج المد البحري العاتية التي قتلت الآلاف وشردت الملايين، خاصة في سريلانكا وجزر المالديف وتايلاند وماليزيا إثر الزلزال العنيف الذي ضرب جزيرة سومطرة الإندونيسية الأحد 26-12-2004.

وروى السائح الفرنسي فيليب جيلبير لقناة "إل سي آي" الفرنسية الإخبارية كيف فقد حفيدته ذات الأعوام الأربعة عندما انقضت موجة ضخمة على كوخه السياحي في تانجالي جنوب سريلانكا.

وقال جيلبير: "جرفتني موجة رهيبة، حالفني الحظ لأني علقت بين شجرتين وتمكنت من حبس أنفاسي وقتا كافيا.. ليس لدي أدنى فكرة عن المدة التي استغرقها ذلك، لكنني فقدت حفيدتي".

أما الفرنسي آلان أويدا فوصف -من جزيرة فوكيت في تايلاند- كيف رأى البحر ينخفض عن مساحة "300 أو 400 متر في غضون دقائق قبل أن تعود المياه وتصعد بالسرعة نفسها جارفة عددا كبيرا من الأشخاص".

ونقلت السائحة البرتغالية إيرينا كارفالو المشهد نفسه، ولكن من جزيرة فيفي التايلاندية المجاورة. وقالت كارفالو لوكالة "لوزا" البرتغالية بأنها كانت عائدة مع زوجها من رحلة على متن سفينة عندما "اجتاح المد البحري الجزيرة جارفا العشرات إلى البحر".

وروت أن السفينة التي كانت على متنها تمكنت من انتشال شخصين يونانيين إضافة إلى سويدي كان يتناول الطعام مع عائلته عندما انقضت الموجة على المبنى -حيث كانوا- ودمرته. وقالت: إن السويدي "تمسك بابنته ذات الأعوام الأربعة وزوجته وابنهما البالغ سبعة أعوام، لكن عندما (عادت المياه إلى البحر) كان قد أضاع ابنته".

سيارات "طائرة"

وقال صحفي من هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي" من أنووتونا في سريلانكا: "لقد جرفتنا المياه لمئات الأمتار، وحاولنا أن نتجنب الارتطام بالدراجات النارية والثلاجات والسيارات التي كانت تنهال علينا".

وقال: "إن الأضرار لا يتصورها عقل، يمكننا رؤية سيارات معلقة على الأشجار بعد أن ارتفعت في الهواء عاليا ورؤية مبان مدمرة كليا (...). في إحدى القرى رأيت ثلاث جثث لامرأتين سريلانكيتين؛ إحداهما مسنة والأخرى شابة، وطفل غربي الملامح".

وقال البريطاني جيرارد دونلي من فوكيت لمحطة "سكاي" التلفزيونية البريطانية: "في البداية سمعنا دوي انفجار وكان الدوي قويا، واعتقدت أن الانفجار كان داخل الفندق (...) صعدت زوجتي إميلي إلى الشرفة وشاهدت الناس يركضون.. اعتقدنا في بادئ الأمر أنه اعتداء إرهابي، ثم وصلت الموجة، وبدأنا بالهرولة، محاولين أن نصل إلى أعلى مكان ممكن".

وقال أليكس دي -وهو سائح بريطاني آخر- لـ"سكاي" كيف "ركض الناس إلى الأدغال ونحو الجبال لإنقاذ حياتهم".

وقال السائح الألماني كريس أرنيد من فوكيت لمحطة "إن 24" الإخبارية: "كما لو تحول فيلم ديب إيمباكت (التأثير العميق) إلى حقيقة (..) كنت على شاطئ باتونج وقد دمرت الأكواخ السياحية جميعها".

وأضاف: "كنا متوجهين إلى الشاطئ عندما رأينا الناس يركضون باتجاهنا صارخين بالإنجليزية: المياه قادمة، المياه قادمة"، وبدأنا نركض باتجاه الفندق. رأيت سيارات ترتفع إلى 300 أو 400 متر، ودراجات تزلج أيضا (جيت-سكي) قبل أن تسقط فوق الأكواخ السياحية.. إنها كارثة".

نجاة رضيع

يحملون الطفل الناجي

ومقابل أعداد الضحايا الهائلة أعلنت وسائل الإعلام الماليزية أن رضيعا يبلغ من العمر 20 يوما كان نائما عندما ضربت الأمواج العاتية جزيرة بينانج الماليزية، بقي على قيد الحياة بفضل فرشته التي بقيت عائمة على سطح البحر.

وكان تولاسي نائما في غرفة تقع وراء منصة يبيع فيها والده شطائر على شاطئ باتو فيرينغي. وقال والده سوبيا (55 عاما) لوكالة الأنباء الماليزية (بيرناما): "فاجأتنا الأمواج وألقت بي عدة أمتار لكنني تمكنت من الإمساك بعمود".

وتمكنت زوجته أنال ماري (40عاما) من الوصول إلى الغرفة التي كان ينام فيها الرضيع. وقالت: "وجدت فرشته عائمة على سطح المياه التي بلغ ارتفاعها 1.5 متر".

كما نجا شاب كندي كان في جزيرة فوكيت التايلاندية بعد أن جرفته موجة عملاقة إلى البحر، بفضل تمسكه طوال 10 ساعات بجثة صياد سمك كان يرتدي سترة نجاة، حسب ما روى والداه في صحيفة "جلوب آند مايل".

وتوجه شون لويس (29 عاما) إلى تايلاند للعمل لحساب شركة نفطية، وكان على شاطئ باتونج عندما جرفته موجة عملاقة إلى البحر كما قال والده جيروم من هوليرود (الساحل الشرقي) بعد أن تحادث هاتفيا مع ابنه.

وتمسك الشاب الكندي مع رجل آخر لمدة 10 ساعات بالجثة الطافية قبل أن ترصدهما مروحية وتنقلهما إلى المستشفى.

وفي منتجع باتو فيرينجي على الحافة الشمالية لبينانج قالت فوزية بيديم فيما كانت تبحث عن ابنتها ستي نزيرة محمد صالح البالغة من العمر ثمانية أعوام: "على الأقل آمل في أن أرى بقاياها وأدفنها بطريقة محترمة".

وكانت فوزية (37 عاما) التي تعيش في ولاية كيدا المجاورة تتناول الطعام على الرمال مع ابنتها وطفلها نزرام (ثلاثة أعوام) عندما اندفعت موجات المد العاتية للشاطئ. وتمكنت فوزية من سحب نزرام سريعا والتعلق بشجرة إلا أنها فقدت ابنتها.

وقالت هيذر بيلز (46 عاما، وهي سيدة أعمال من نيوزيلندا شاهدت ما جرى): إن ارتفاع الأمواج ربما وصل إلى 1.5 متر ، وأضافت: "لم يكن أحد يعرف ماذا يجري. لقد حدث كل شيء بسرعة شديدة. ثم كانت هذه المياه السوداء التي خلفها المد. كانت مثل القطران.. لقد ظننت أنني مت".

السائح الأسترالي ستيفان ديكز (42 عاما) الذي كان يزور فوكيت بتايلاند يقول: "كنت جالسا في الطابق الأول من حانة ليست بعيدة عن الشاطئ أتابع مباراة في الكريكيت.. وفجأة وجدت الناس تهرع من الشاطئ وهي تصرخ، نظرت حولي ورأيت جدارا من المياه يندفع صوب الشارع. لقد ابتلعت المياه كل شيء تماما في الطابق الأرضي من الحانة التي كنت فيها.. الحمد لله أنني كنت في الطابق الثاني".

وأخذ لوثار بويس صاحب متجر الذهب الألماني في فوكيت يتفقد حجم الأضرار التي تعرض لها متجره.. لقد اجتاحت المياه في طريقها كل الحلي والمجوهرات، ولم تترك سوى الطمي الذي غطى سطح الأرض. وقال بويس: "ما حدث دمرني، لم أشاهد في حياتي شيئا مثل هذا من قبل، لقد فقدنا كل شيء".

رائحة الموت

عمال الإنقاذ يجمعون الجثث في فوكيت بتايلاند

وذكر صحفي من وكالة الأنباء الفرنسية في مدينة بندا أتشيه أن رائحة كريهة تنبعث في عاصمة إقليم أتشيه مع بدء تحلل جثث ضحايا المد البحري الذي أعقب الزلزال.

وقال الصحفي: إن السكان أمضوا ليلتهم الثانية على التوالي في العراء دون كهرباء ولا ماء. ويتم دفن الموتى بشكل جماعي بينما لم تعد المستشفيات تتسع لجثث القتلى التي أبقيت في الهواء الطلق أو في مساجد.

ودفنت حوالي 1500 جثة في مقبرة جماعية كبيرة لمنع انتشار الأوبئة إثر تحللها.

وفي قرية بادا خارج المدينة يستعد السكان لدفن 500 جثة على وشك التحلل.

وقال المسئول في الاتحاد الدولي للصليب الأحمر في جاكرتا هادي كوسويو: "بعد هذا المد يجب أن نتوقع حدوث إصابات بحمى الضنك وانتشار حالات الإسهال".

وليس هناك أي دواء لمعالجة حمى الضنك التي من أعراضها حمى وآلام في الرأس والعضلات. وقد تؤدي إلى حالات نزف خطيرة.

خريطة آسيا تغيرت

وقد أدى الزلزال العنيف إلى اهتزاز الأرض حول محورها وتحريك جزر سومطرة بسبب شدته، بحسب خبراء أمريكيين في علم طبقات الأرض.

وقال خبير في المعهد الجيولوجي الأمريكي كين هودنوت بأن الزلزال الذي بلغت قوته تسع درجات على مقياس ريختر المفتوح ويقع مركزه على بعد 250 كم جنوب شرق سومطرة، أدى إلى إزاحة الجزر الأصغر في المنطقة حوالي عشرين مترا، مضيفا أن "الزلزال غيّر الخريطة".

وتابع هودنوت قائلا: "استنادا إلى نماذج زلزالية يمكننا القول بأن بعض الجزر الصغيرة في جنوب غرب سواحل سومطرة تحركت عشرين مترا باتجاه الجنوب الغربي"، موضحا أنه "انزلاق كبير".

وأضاف أن الرأس الشمالي الغربي لسومطرة يمكن أن يكون تحرك باتجاه الجنوب الغربي حوالي 36 مترا.

ورأى هودنوت أن الطاقة التي تحررت بالتقاء الصفيحتين الذي أدى إلى الزلزال أدت على الأرجح إلى اهتزاز الأرض حول محورها. وأضاف: "يمكننا كشف التحركات الطفيفة جدا للأرض، وأعتقد أنها اهتزت في مدارها عندما وقع هذا الزلزال بسبب الكمية الهائلة من الطاقة التي تحررت".

رسالة شاهدة على قدرة الله

وتعليقا على ما نتج عن الزلزال من أهوال وكوارث، قال العالم الإسلامي البارز الدكتور زغلول النجار في لقاء مع العاملين في إسلام أون لاين.نت الثلاثاء: إن هذا الحدث يثبت للإنسان أنه "مهما أوتي من علم وقوة وتكنولوجيا؛ فإنه يبقى عاجزا أمام قدرة الخالق اللامحدودة".

وأكد أن أبعاد قضية الخلق الثلاثة المتمثلة في خلق: الكون، الحياة، الإنسان قضية غيبية مطلقة، إلا أن الله قد ترك في صخور الأرض وصفحة السماء ما يمكن أن يساعد الإنسان على الوصول إلى تصور صحيح لهذه القضية.

وأضاف الدكتور النجار -عضو الهيئة العالمية للإعجاز العلمي- أن وعي الإنسان بهذه القضية يبقى قاصرًا إذا تناولها وتعمق فيها دون الاهتداء بكتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنه يدخل طريقا مظلما.

وأكد أن رسائل الله الكونية جاءت لتشهد لله سبحانه وتعالى بأنه لا شريك له، وتشهد بألوهيته ووحدانيته المطلقة، مشيرا في هذا الصدد إلى "أن الغرب لا يؤمن إلا بالماديات، وأن الآيات الكونية لها رسائل مهمة في زمننا هذا؛ فهي خطاب لأهل عصرنا هذا باللغة التي يفهمونها، وهي لغة العلم والماديات، والتي يعجز أي خطاب آخر عن توصيله"، على حد قوله.