(( فإن مع العسر يسرا ))
يا إنسان .... بعد الجوع شبع ...وبعد الظمأ ري ... وبعد المرض عافية ...
سوف يصل الغائب ويهتدي الضال ....... ويفك العاني ... وينقشع الظلام ...
(( فعسى الله أن يأتي بالفتح أو أمر من عنده ))

... بشّر الليل بصبح صادق يطارده رؤؤس الجبال ... ومسارب الأودية
...بشر المهموم بفرج مفاجىء يصل في سرعة الضوء ولمح البصر ... بشر المنكوب بلطف خفي وكف حانية وادعة

إذا رأيت الصحراء تمتد وتمتد ... فاعلم أن وراءها رياضا خضراء وارفة الظلال
إذا رأيت الحبل يشتد ويشتد ... فاعلم أنه سوف ينقطع
مع الدمعة بسمة ... ومع الخوف أمن ومع الفزع سكينة

النار لا تحرق إبراهيم التوحيد .... لأن الرعاية الربانية فتحت نافذة برد وسلام
البحر لا يغرق كليم الرحمن ... لأن الصوت القوي الصادق نطق بكلا إن معي ربي سيهدين
المعصوم في الغار بشّر صاحبه بأنه وحده جل في علاه معنا فنزل الأمن والفتح والسكينة

إن عبيد ساعتهم الراهنة ... وأرقاء ظروفهم القاتمة لا يرون إلا النكد والضيق والتعاسة ... لأنهم لا ينظرون إلا إلى جدار الغرفة .. وباب الدار فحسب ... ألا فليمدّوا أبصارهم وراء الحجب ... وليطلقوا أعنّة افكارهم إلى ما وراء الأسوار

إذا .... فلا تضق ذرعا ... فمن المحال دوام الحال ... وأفضل العبادة انتظار الفرج ... الأيام دول ... والدهر قلّب .. والليالي حبالى ... والغيب مستور والحكيم كل يوم هو في شأن ... ولعلّ الله يحدث بعد ذلك أمرا ... وإن مع العسر يسرا

.
نحن

كل ساعة لا تقترب بك من مقصدك فهي وبال عليك

وذلك لأنها سحبت من عمرك, وخصمت من رصيدك

كم ننام ولا نتهجد….

كم نلغوا ولا نسبح…

كم نأكل ولا نصوم التطوع…

آآآآه…ما أشد البطالة, وما أكثر الغفلة, وما أحرصنا على تضييع الأوقات نتذاكر في تصريف الدقائق

والثواني ونحث الخطى في صرف الزمان هدرا..

لا نبكي على خطيئة سلفت..

ولا نُسر بفرصة للخير سنحت..

نأكل أكثر مما نعمل ..

نلهو والأمر جد..

في الرؤوس أرطال كثيفة من النوم..ومن الأعصاب مقادير ضخمة من البرود..تثلجت الأدمغة

وهي بحاجة إلى سياط حديدية محماة من سير السلف وأخبار السلف وعبادة السلف..







صيدلية خاصة

إذا شكوت من قسوة قلبك, وإعراضه وغلظته ولهوه فعليك بترياق مجرب, ومرهم معروف ودواء شهد بنفعه الرسل عليهم السلام, ونصح به الصالحون, وحمده المجربون…

إنه الدعاء, فلا مثل الدعاء أبدا..
استمر عليه, وأكثر منه, وادع بصلاح قلبك وعملك خاصة في السجود, وأدبار الصلوات وساعة

الجمعة بإخلاص وحضور ....فسوف تجد في قلبك من الرقة والخشية والإنابة خاصة إذا أدمنت الدعاء

وأكثرت المسألة وألححت في الطلب ...فلا صلاح إلا من عنده سبحانه ولا نفع إلا من هناك ..

(أمن يجيب دعوة المضطر إذا دعاه)

(ادعوني أستجب لكم)

(ادعوا ربكم تضرعا وخفية)


.

جدد حياتك


نوع ثقافتك، شكل مواهبك، غاير بين حالتك في المعيشة، لأن الرتابة مملة، والاستمرار سأم، ولذالك تنوعت العبادات من صلاة وصيام، وزكاة وحج، وتنوعت الصلاة من قيام وقعد وركوع وسجود.
الزمن يتجدد: ليل ونهار، وصيف وشتاء، حر وبرد، مطر وصحو.
المكان يتجدد:جبل وسهل، رابية وهضبة، غابة وصحراء، نهر وغدير.
الألوان تتجدد: أبيض وأسود، أحمر وأصفر، أخضر وأزرق.
الحياة تتجدد:فرح وحزن، محنة ومنحة، ولادة وموت، غنى وفقر، سلم وحرب، رخاء وشدة.
كان المأمون ينتقل في بيته وهو يقرأ، وأنشد قول أبي العتاهية:

لا يصلح النفس ما دامت مدثرة
إلا التنقل من حال إلى حال

اجعل وقتاً للتلاوة، ووقتاً للتفكر، وثالثاً للذكر، ورابعاً للمحاسبة، وخامساً للمطالعة، وسادساً للنزهة، وهكذا وزع العمر فيما ينفع.
النفس نفورة، والطبيعة متقلبة، والمزاج يتضجر، فحاول أن تكون مسافراً خريتاً، وتاجراً صيرفياً، تأخذ من كل شيء أحسنه، ومن كل فن أجمله.
إن كد النفس على طريقة واحدة، ونسج واحد، قتل لاشراقها وأشواقها، وإن أخذ الطبيعة بالصرامة المفرطة والجد الصارم انتحار لها.
ولكن ساعة وساعة، إن هناك بدائل من أعمال الخير، وأصول الفضائل، وسنن الهدى، يمكن للعبد أن ينتقل بين حقولها، ويراوح بين جداولها.
ماأحسن الحديقة يوم تضم أشكال الزهور، وأنواع الفواكه، وسائر الأذواق والطعوم، وكذلك حالات النفس وأطوارها، لابد أن يكون عندها من سعة الأفق، ورحابة المعرفة، ووسائل الحياة، وصنوف الهيئات المباحة ما يسعدها.
وإن كبت النفس في مسارات ضيقة، ورتابة باهتة، ما أنزل الله به من سلطان، يجعل النفس ذاوية منهكة محطمة: [ ورهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم إلا ابتغاء رضوان الله فما رعوها حق رعايتها ].
والأجدع بالعبد أن يضرب في كل غنيمة من أعمال الخير والبر بسهم:

يوماً يمان إذا لا قيت ذا يمن
وإن لقيت معدياً فعدناني



من كتاب ........ حدائق ذات بهجة
للشيخ عائض القرني