نعم إن الإنجاز يمكن أن يتم من قبل أشخاص أو جماعات أو مؤسسات أو دول ولكل منهم الحق في أن يفخر بما انجز ولكن تظل القاعدة بأن الإنجاز والفخر به يظل حقاً للجميع. هذا من ناحية ومن ناحية أخرى فإن الفخر بالانتماء والنسب حق مكتسب ومشاع لكن مع التطور الحضاري أصبح الفخر بالانتماء للوطن يأتي قبل الانتماء للحمولة أو القبيلة أو الحزب. ذلك أن سلم الفخر والاعتزاز أصبح من نصيب الانجاز التكاملي لجميع أبناء الشعب وقيادته التي تمثله أمام الشعوب والدول الأخرى.
لاشك أيضاً أن التواصل واللقاء بين أفراد المجتمع له مردود إيجابي إذا خلا من السلبيات وركز على الإيجابيات، والسلبيات تتمثل في كل حركة أو فعل أو قول يؤدي الى الفرقة أو الكراهية أو التشاحن أو الانتقاص أو التعالي أو غير ذلك مما يتعارض مع الدين الحنيف والخلق القويم، أما الإيجابيات فهي كل فعل أو قول أو حركة تؤدي الى مزيد من الإخاء والمحبة والتلاحم بين أفراد المجتمع وعشائره وقبائله.
وفي العصور السابقة خُلد العلماء وطلاب العلم ومريدوه وقد تعزر ذلك على مر العصور والأزمان ووصل ذلك الى قمته وعنفوانه في عصرنا الحاضر حيث شكل العلماء رأس الحربة التي تقود التحولات الحضارية التي تسير الحضارة العالمية المعاصرة، لذلك فإن العلم والفخر به والاعتزاز بمن ينجز شيئاً ملموساً فيه هو من يستحق الفخر وقد قال الشاعر:
العلم يرفع بيتاً لا عماد له
والجهل يخفض بيت العز والشرف
وقال الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه:
كن ابن من شئت واكتسب ادباً
يغنيك محموده عن النسب
فليس يغني الحسيب نسبته
بلا لسان له ولا ادب
ان الفتى من يقول ها أنا ذا
ليس الفتى من يقول كان ابي
كما قال في موضع آخر:
الناس من جهة الاباء أكفاء
ابوهم آدم والأم حواء
فقم بعلم ولا تطلب به بدلاً
فالناس موتى وأهل العلم أحياء
نعم العلم يجبّ كل شيء سلبي ويعزز من كل شيء إيجابي لذلك فهو ضد العصبية القبلية وضد إحياء الوقائع التي اندثرت وشكلت انتصاراً لفئة على أخرى لأن ذلك سوف يجعل الفئة المنتصرة تفاخرية والأخرى تعقد العزم على الثأر وهذه المفارقات ونقاط الضعف هي التي يدخل من خلالها المتآمرون ضد مصلحة الأمة سواء كانوا من أبنائها أو من خارج الحدود ولاشك أن ما يحدث في العراق وأجزاء أخرى من العالم العربي والإسلامي خير شاهد على ذلك.
إن التحولات الاجتماعية والتمازج السكاني والتجانس بين فئات المجتمع من خلال ذوبان التكتلات والطوائف في بعضها البعض هو الذي ضمن سيادة القانون في دول الغرب وبالتالي أتاح لها نجاح تطبيق مبادئ الديمقراطية، وذلك لأن كل تلك التحولات منعت المحسوبية المبنية على صلة القرابة أو النسب.
وقد أشار الشاعر الى ان الإنسان يمثله انجازه وليس نسبة حيث يقول:
مضى زمن كان فيه الفتى
يباهي بما قومه اثلوا
ويرفعه في عيون الأنام
ويخفض من قدره المنزل
فلست الثياب التي ترتدي
ولست الأسامي التي تحمل أعود لأقول إن التاريخ قد أنصف العلماء لأنه سجل منجزاتهم بغض النظر عن نسبهم أو عرقهم ودون تدخل لمنتصر أو مهزوم لذلك فإن النجاح والتفوق هو من يجب أن يحتفل به ويرفع من شأنه وقد أدركت قيادة هذا البلد ان الانجاز العلمي هو أهم أسباب وحدة الكلمة وبالتالي الوحدة الوطنية لذلك يتم الصرف بسخاء على التعليم بشقيه العام والعالي، ليس هذا وحسب بل أقاموا الجوائز التي تشجع على التفوق والنجاح ابتداء من أعلى الهرم حيث جائزة الملك عبدالله بن عبدالعزيز للترجمة ومنحه للطلاب والباحثين وإقامته لمؤسسة الملك عبدالله للموهوبين، ثم جائزة الملك فيصل العالمية ثم جائزة الأمير سلطان بن عبدالعزيز للمياه ثم جوائز أمراء المناطق للتفوق العلمي، وذلك ادراكاً منهم أن العلم ليس له حمولة أو قبيلة أو منطقة ينتمي اليها بل هو حق مشاع للجميع يملك حوزته من جد واجتهد.