الوقفةُ الأولى :
من هو يزيدُ الرقاشي الراوي عن أنسِ بنِ مالك رضي اللهُ عنه ؟ وما هي حالهُ من جهةِ كلام أهلِ الجرحِ والتعديلِ فيه ؟
هو يزيدُ بنُ أبان الرَّقَاشي أبو عمرو البصري القاص من زهادِ البصرةِ . وكلامُ أهلِ العلم فيه طويل ، من ذلك :
قال البخاري : تكلم فيه شعبةُ . وقال أبو طالب : سمعتُ أحمدَ بنَ حنبل يقول : " لا يكتبُ حديث يزيد الرقاشي . قلت له : فلم تُرك حديثهُ ، لهوى كان فيه ؟ قال : لا ، ولكن كان منكر الحديثِ . وقال : شعبةُ يحملُ عليه ، وكان قاصاً . وقال أبو حاتم : كان واعظاً بكاءً كثير الروايةِ عن أنس بما فيه نظرٌ ، صاحبُ عبادةٍ ، وفي حديثهِ ضعفٌ .
وقد لخص ابنُ حبان الكلامَ فيه فقال : " كان من خيارِ عبادِ اللهِ من البكائين في الخلواتِ والقائمين بالحقائق في السبراتِ ، ممن غفل عن صناعةِ الحديثِ وحفظها ، واشتغل بالعبادةِ وأسبابها حتى كان يقلبُ كلامَ الحسن فيجعله عن أنس وغيره من الثقات بطل الاحتجاجُ به ، فلا تحلُ الروايةُ عنه إلا على سبيل التعجب " .
والخلاصةُ في حالِ الرجل ما يلي :
أولاً : أنهُ قاصٌ . وقد أورده ابنُ الجوزي في كتابِ " القصاصِ والمذكرين " ( ص 265 ) ، والقصاصُ هم قومٌ كانوا يقصون القصصَ دون ذكرِ العلمِ المفيدِ ، ثم غالبهم يخلطُ فيما يوردهُ ، واعتمد على ما أكثره محالٌ ، وأما القاصُ الصادقُ فقد أثنى أحمدُ بنُ حنبل عليه فقال : " ما أحوج الناس إلى قاصٍ صدوقٍ " .
وقد أفرد لهم ابنُ الجوزي في " تلبيس إبليس فصلاً بعنوان : " ذكرُ تلبيسه على الوعاظِ والقصاصِ " ، ثم قال : " فمن ذلك أن قوماً منهم يضعون أحاديث الترغيبِ والترهيبِ ، ولبس عليهم إبليس بأننا نقصدُ حث الناسِ على الخيرِ ، وكفهم عن الشرِ ، وهذا افتئاتٌ منهم على الشريعةِ ، لأنها عندهم – على هذا الفعلِ – ناقصةٌ تحتاجُ إلى تتمةٍ ، ثم نسوا قوله صلى اللهُ عليه وسلم : " مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَده مِنْ النَّار " .ا.هـ.
ثانياً : أنه ممن اشتغل بالعبادةِ ، وقد تكلم أهلُ العلمِ في العبادِ والزهادِ ، فعد شيخُ الإسلامِ ابنُ تيميةَ أن لكثرةِ الغفلةِ أسباباً منها الاشتغال عن حديثِ المصطفى صلى الله عليه وسلم بغيره ، فلا ينضبط له ككثيرٍ من أهلِ الزهدِ والعبادةِ .
قال شيخُ الإسلامِ في " الفتاوى " (18/45) : الْخَطَأُ فِي الْخَبَرِ يَقَعُ مِنْ الرَّاوِي إمَّا عَمْدًا أَوْ سَهْوًا ؛ وَلِهَذَا اُشْتُرِطَ فِي الرَّاوِي الْعَدَالَةُ لِنَأْمَنَ مِنْ تَعَمُّدِ الْكَذِبِ ، وَالْحِفْظِ وَالتَّيَقُّظِ لِنَأْمَنَ مِنْ السَّهْوِ .
وَالسُّهُو لَةُ أَسْبَابٌ : أَحَدُهَا : الِاشْتِغَالُ عَنْ هَذَا الشَّأْنِ بِغَيْرِهِ فَلَا يَنْضَبِطُ لَهُ كَكَثِيرِ مِنْ أَهْلِ الزُّهْدِ وَالْعِبَادَةِ .ا.هـ.
ثالثاً : كلامُ أبي حاتمِ في يزيد أنه كان كثيرَ الروايةِ عن أنس بما فيه نظر ، وأيضاً كلامُ ابنِ حبانَ أنه يقلبُ كلامَ الحسن البصري فيجعله عن أنس ، يبين أن روايته عن أنس رضي الله ُ عنه معلولةٌ ، وربما تكون من كلام الحسن البصري وليس من كلام أنس رضي الله عنه .
الوقفةُ الثانيةُ :
الحديثُ بهذا السياقِ أوردهُ السمرقندي في " تنبيه الغافلين " ، وقد تكلم أهلُ العلم على الكتابِ .
قال الإمام الذهبي في ترجمته في السير (16/323) : صَاحبُ كِتَابِ (تنبيهِ الغَافلينَ) ... وَتَرُوجُ عَلَيْهِ الأَحَادِيثُ الموضُوعَةُ .ا.هـ.
أما كتابه " تنبيه الغافلين بأحاديث سيد الأنبياء والمرسلين " الذي جاء الحديث المذكور فيه فقد انتقده أهل العلم نقدا شديدا ، فالكتاب - أي " تنبيه الغافلين " - من مظان الأحاديث الموضوعة والمكذوبة ، وإليك كلام أهل العلم في الكتاب لكي تكون أنت وغيرك على بينة من أمر الكتاب .
وهذه النقولات من كتاب " كتب حذر منها العلماء (2/198 -200) .
قال الذهبي في " تاريخ الإسلام " في ترجمته ( حوادث 351 - 380 ) : وفي كتاب " تنبيه الغافلين موضوعات كثيرة .ا.هـ.
وقال أبو الفضل الغماري في " الحاوي " (3/4) : وكتاب " تنبيه الغافلين " يشتمل على أحاديث ضعيفة وموضوعة ، فلا ينبغي قراءته للعامة لا يعرفون صحيحه من موضوعه .ا.هـ.
وقد ذكر شيخ الإسلام في " الرد على البكري " أن جمهور مصنفي السير والأخبار وقصص الأنبياء لا يميز بين الصحيح والضعيف ، والغث والسمين ، وذكر من بينهم أبا الليث السمرقندي ، وقال : " فهؤلاء لا يعرفون الصحيح من السقيم ، ولا لهم خبرة بالنقلة ، بل يجمعون فيما يروون بين الصحيح والضعيف ، ولا يميزون بينهما ، ولكن منهم من يروي الجميع ويجعل العهدة على الناقل .ا.هـ.
وقال أيضا في " الفتاوى " في معرض تضعيف حديث : وَهَذَا الْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ فِي آدَمَ يَذْكُرُهُ طَائِفَةٌ مِنْ الْمُصَنِّفِينَ بِغَيْرِ إسْنَادٍ وَمَا هُوَ مِنْ جِنْسِهِ مَعَ زِيَادَاتٍ أُخَرَ كَمَا ذَكَرَ الْقَاضِي عِيَاضٌ قَالَ : وَحَكَى أَبُو مُحَمَّدٍ الْمَكِّيُّ وَأَبُو اللَّيْثِ السَّمَرْقَنْدِيُّ وَغَيْرُهُمَا " أَنَّ آدَمَ عِنْدَ مَعْصِيَتِهِ قَالَ : اللَّهُمَّ بِحَقِّ مُحَمَّدٍ اغْفِرْ لِي خَطِيئَتِي - قَالَ وَيُرْوَى تَقَبَّلْ تَوْبَتِي - فَقَالَ اللَّهُ لَهُ : مِنْ أَيْنَ عَرَفْت مُحَمَّدًا ؟ قَالَ رَأَيْت فِي كُلِّ مَوْضِعٍ مِنْ الْجَنَّةِ مَكْتُوبًا : لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ قَالَ وَيُرْوَى : مُحَمَّدٌ عَبْدِي وَرَسُولِي فَعَلِمْت أَنَّهُ أَكْرَمُ خَلْقِك عَلَيْك ؛ فَتَابَ عَلَيْهِ وَغَفَرَ لَهُ " . وَمِثْلُ هَذَا لَا يَجُوزُ أَنَّ تُبْنَى عَلَيْهِ الشَّرِيعَةُ وَلَا يُحْتَجُّ بِهِ فِي الدِّينِ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ ؛ فَإِنَّ هَذَا مِنْ جِنْسِ الإسرائيليات وَنَحْوِهَا الَّتِي لَا تُعْلَمُ صِحَّتُهَا إلَّا بِنَقْلِ ثَابِتٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .ا.هـ.
والشاهد قول شيخ الإسلام ابن تيمية : طَائِفَةٌ مِنْ الْمُصَنِّفِينَ بِغَيْرِ إسْنَادٍ .
وقال حاجي خليفة في " كشف الظنون " (1/478) : تنبيه الغافلين في الموعظة . لأبي الليث : نصر بن محمد الفقيه ، السمرقندي ، الحنفي . المتوفى : سنة 375، خمس وسبعين وثلاثمائة . وهو مجلد . أوله : ( الحمد لله الذي هدانا لكتابه... الخ ) . مرتب على : أربعة وتسعين بابا . قال الذهبي : ( فيه موضوعات كثيرة ) .ا.هـ.
وقد حذر من هذا الكتاب - تنبيه الغافلين - وغيره من الكتب الشيخ السلفي محمد بن أحمد بن محمد بن عبد السلام الشقيري في كتابه " المحنة المحمدية في بيان العقائد السلفية " (71 - 172) فقال تحت عنوان " كتب لا يحل قراءتها " في مبحث سبب انتشار الحكايات والمنامات الفاسدة والخرافات الفاشية التي لم يعهد لها أصل في كلام السلف الصالحين ، ولا في سنن سيد المرسلين ؛ قال : وإنما هي فاشية بين العوام والجهلاء والطغام من كتب المناقب ككتاب " الروض الفائق " ، و " روض الرياحين في مناقب الصالحين " و " ونوادر القليوبي " و " كرامات الأولياء " و " ونزهة المجالس " و " وتنوير القلوب " ، و " تنبيه الغافلين " ، وكذا كتب الشروح والحواشي الأزهرية ، وأمثال هذه الكتب لا تحوي سوى ما يفسد عقائد العوام وبسطاء العقول ، وقد كان الواجب على علمائنا أن ينبهوا العوام وبسطاء العقول ، وقد كان الواجب على علمائنا أن ينبهوا عليها في الجرائد والمجلات وفي دروسهم ومؤلفاتهم ، إذ هي السبب الأعظم في إفشاء تلك الخرافات بين العوام وفي عبادتهم لقبور الصلحاء ، فكان الواجب إيقاف طبعها ومصادرة قراءتها دفعا لضررها وتطاير شررها ، ولكن علماءنا ماتوا والأحياء لم يرج منهم أمر ولا نهي ؛ فإنا لله وإنا إليه راجعون .ا.هـ.
وقد سئل فضيلةُ الشيخِ محمدُ بنُ صالح العثيمين عن الكتاب .
السؤال : يسأل عن كتاب تنبيه الغافلين بأحاديث سيد الأنبياء والمرسلين تأليف الفقيه الزاهد الشيخ نصر الدين محمد بن إبراهيم السمرقندي يقول : أسأل عن هذا الكتاب والأحاديث التي وردت فيه هل هي صحيحة أفيدونا جزاكم الله خيرا ؟
الجواب :
وفيه أحاديث موضوعة ، ولهذا لا ينبغي قراءته إلا لطالب علم يميز بين ما يقبل من الأحاديث التي فيه وما لا يقبل ليكون على بصيرة من أمره ولئلا ينسب إلى رسول الله صلي الله علية وسلم ما لم يقله أو ما لا تصح نسبته إليه فإن من حدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بحديث يرى أنه كذب فهو أحد الكاذِبيَن وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أن من كذب عليه متعمدا فليتبوأ مقعدا من النار فنصيحتي لمن ليس له علم بالأحاديث أن لا يطلع على هذا الكتاب ، ومن عنده علم يميز بين المقبول وغير المقبول ورأى في قراءته مصلحة فليفعل وإن رأى أنه يصده عن قراءة ما هو أنفع منه له فلا يذهب وقته في قراءته .
المفضلات