.
كيفية صنع القرارات
إن من أهم أسباب النجاح في الحياة إجادة صنع القرارات واتخاذها في الوقت المناسب في أي جانب من جوانب الحياة المختلفة، سواء في تعاملك مع نفسك أو في تعاملك مع غيرك وكثير من الناس يعملون، ويجتهدون ثم في لحظة حاسمة من مراحل عملهم يحتاجون لقرار صائب حاسم لكنهم بترددهم وعدم إقدامهم على اتخاذ ذلك القرار أو بسبب عدم معرفتهم وتأهلهم لاتخاذ القرار يضيعون عملهم السابق كله وربما ضاعت منهم فرص لن تتكرر لهم مرة أخرى.
وهناك عدد من الخطوات التي يسلكها الإنسان ليصل إلى صنع القرار ، وهي :
1- جمع المعلومات الكاملة والصحيحة عن الموضوع الذي يحتاج إلى اتخاذ قرار فيه، إذ أن محاولة اتخاذ القرار مع نقص المعلومات عنه أو مع عدم صحتها سيؤدي إلى اتخاذ قرار خاطيء وبالتالي ستكون النتائج سيئة وغير صحيحة.
فمثلاً طالب نجح من الثانوية وله رغبة في التسجيل في قسم من أقسام الجامعة ولكنه محتار في أي الأقسام يسجل فالواجب عليه أن يجمع المعلومات اللازمة عن كل قسم من حيث عدد الساعات فيه ونظام الدارةس والمواد والمناهج التي تدرس في والأعمال التي يُمكن أن يمارسها المتخرج من كل قسم وشروط القبول في كل قسم.
2- حصر وتحديد الخيارات الممكنة والمتاحة بناءً على المعلومات المتوافرة عن الموضوع ، ففي المثال السابق نفترض أن الأقسام المتاحة للطالب خمسة أقسام، وبعد جمع المعلومات عن الأقسام المختلفة استقر أمامه ثلاثة خيارات هي التي تصلح ويجد في نفسه استعداد للدراسة فيها ويتوقع أن يحقق نجاحاً في الأعمال الخاصة بها بعد التخرج وإن كانت شروط القبول في قسمين آخرين متوفرة فيه.
3- ترجيح الأفضل من الخيارات الممكنة والمتاحة، فمثلاً في المثال السابق تبين أن الخيارات الممكنة هي ثلاثة أقسام لا غير ولكنه بالترجيح بينها ترجح لديه أحد الأقسام إما لطبيعة الدراسة فيه وإما لمدتها وإما لنوعية العلم الذي يمارسه بعد التخرج وإما لهذه الأمور مجتمعة جمعيها، وبالتالي استقر رأيه أن يسجل في قسم كذا.
4- إذا احتار في الترجيح ولم يظهر له أولوية لأحد الخيارات، فعليه بالاستخارة الشرعية ثم الاستشارة لأهل الخبرة في ذلك.
5- تنفيذ القرار : بعد الخطوات السابقة يكون الإنسان قد اتخذ قراره وحدد خياره ولم يبق عليه إلاّ تنفيذ القرار وهو ثمرة لكل ما سبق وبدونه لا يُمكن أن يكون لها قيمة والتنفيذ قد يكون ممن اتخذ القرار، وقد يكون من اختصاص أو صلاحيات شخص أو جهة أخرى كما أن جمع المعلومات ودراسة الخيارات قد يكون من جهة اتخاذ القرار وقد يكون من جهة استشارية أخرى توفر كل ذلك لمن يريد أن يتخذ القرار.
وفي مثالنا السابق تنفيذ القرار هو إجراءات التسجيل في القسم الذي وقع عليه الاختيار، وذلك بمعرفة مواعيد التسجيل والأوراق المطلوبة والاختبارات والمقابلات التي لا بد من اجتيازها والجهة التي يتم التقديم لها ومكانها وتنفيذ ذلك أولاً بأول ومتابعته حتى يتم التسجيل، ويبدأ الطالب الدراسة في القسم الذي وقع عليه اختياره.
***
وقفات مع الفكر والتفكير
إن القدرة على التفكير من خصائص الإنسان التي كرّمه الله بها، فإذا أحسن الإنسان استخدام هذه الصفة ارتقى في سلم النجاح، وإذا عطل الفكر كان ذلك من أهم أسباب الفشل في الحياة، بل يمكنك أن تقول: إذا خلت الحياة من التفكير خلت من النجاح.
(والتفكير هو عملية معالجة للمعلومات، فهناك كم كبير من الصور والأصوات والإحساس من الخارج عن طريق الحواس ومن الداخل من الذاكرة. والتفكير هو عملية تصنيف ومقارنة وتقييم لهذه المعلومات على ضوء منظومة الإيمان والاعتقاد والقيم … وبالتالي صياغة استراتيجية ينتج عنها تعبير لغوي أو سلوكي كما ينتج عنها تأثيرات فسيولوجية في العضلات والتنفس ولو البشرة وتعبيرات الوجه..).
يقول الانجليزي برناردشو: إن بعض الناس يفكر في العام مرتين أو ثلاثاً فقط.
وللفكر صفات محمودة وصفات مذمومة ولكي يحاول الإنسان أن يخلص تفكيره من الصفات المذمومة ويتحلى بالصفات الايجابية النافعة أذكر لك أهم أنواع الفكر سواء كان سلبياً أم إيجابياً.
أنواع التفكير:
1- التفكير التوليدي : وه والفكر الذي يبدع ويضيف للحياة جديداً أي الذي يولد المشاريع الناجحة والحلول الجيدة والقرارات الصائبة القادر على استخراج الذهب من التراب واللؤلؤ من أعماق البحار، ويُمكن أن نسميه الفكر الاجتهادي.
2- التفكير النقدي : وهو القادر على رؤية النقص والأخطاء والعيوب في أي عمل قائم وإن لم يكن قادراً على إيجاد البدائل المناسبة لما ينقده.
3- التفكير الاستيعابي: وهو الفكر القادر على استيعاب ما يبدعه الآخرون وإن لم يكن قادراً على الإبداع والتجديد والإضافة والعطاء، ويُمكن أن نسميه الفكر المقلد.
4- التفكير الغامض: وهو التفكير المشوش العاجز عن إدراك العلاقات بين الأشياء وحجم كل شيء في الموضوع الذي يفكر فيه ويعجز أيضاً عن التعبير عما يدور في نفسه من أفكار بصورة واضحة.
5- التفكير المتشكك : وهو تفكير المؤامرة الذي يتشكك في كل عمل وفي كل شخص ويعتقد أن وراء كل شيء مؤامرة، وأنه المقصود من وراء كل مؤامرة ، وأنه لا جدوى من أي عمل ولا فائدة من أي محاولة.
6- التفكير المبالغ: وهو التفكير الذي يعطي كل شيء أضعاف حجمه الحقيقي سواء كان ساراً أو ضاراً أي يصوّر لك أن الحبة قبه كما يقال ، فعند سماعك له تذهل من ضخامة الأمر وهوله الذي سيكون له من الآثار الشيء الكثير وعند مباشرتك للأمر ورؤيتك له تجد الأمر عادياً وأقل من العادي.
7- التفكير السطحي: وهو التفكير الذي يكتفي بظواهر الأشياء، ولا ينفذ إلى معرفة حقائقها وجوهرها كمن يحكم على الإنسان بملابسه أو بسيارته دون أن يعرف حقيقة تفكيره وأخلاقه وسلوكه وثقافته وتعامله وغير ذلك مما به يتفاوت قدر الناس.
8- التفكير الادعائي : وهو التفكير الذي يدعي صاحبه أنه فعل وفعل مما لم يفعله لكنه مع كثرة التمادي في الدعاوي الفارغة والبطولات الخيالية يصدق نفسه في النهاية فما يزال يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذاباً ، وما يزال يكذب ويكذب حتى يصدّق نفسه.
وأكثر من يقع في حبائل هذا التفكير الوبائي هم الفارغون الذين لا يعملون فيخدعون أنفسهم ويرضونها بالدعاوى العريضة الفارغة ويكتفون بذلك.
9- التفكير التحليلي السببي : وهو التفكير المتمعن الذي يميل صاحبه إلى البحث عن أسباب كل حادث ومقدماته ونتائجه ومقاصد القائمين عليه وما هو الموقف المناسب حيال هذا الحادث وما هو دوره هو فيه.
10- التفكير التبريري القدري : وهو التفكير الذي يبادر صاحبه إلى إخلاء نفسه من أي مسئولية حيال أي أمر يقع ويقلى بتبعة ذلك على الأقدار ويبرر كل تصرف منه مهما كانت نتائجه.
11- التفكير الجزئي : وهو التفكير الذي ينظر صاحبه إلى الحدث مبتوراً من سياقه ومنفصلاً عن قاعدته الكلية العامة الذي هو في الحقيقة جزء منها.
12- التفكير الكلي التجميعي : وهو التفكير الذي يهتم بالنظر في الأمور الكلية العامة غير ملتفت إلى التفاصيل والجزئيات في الأشياء والأحداث.
ماهو التفكير المثالي ؟
بعد هذا الاستعراض السريع لبعض أنواع التفكير مع عدم التوسع في ذكرها، وفي ضرب الأمثلة لها أشير إلى ما يمكن أن نسميه التفكير المثالي مستنبطاً ذلك من الأنواع السابقة.
فالتفكير المثالي: هو التفكير التوليدي النقدي الاستيعابي السببي الكلي التمعن مع ملاحظة أن كل شيء بقدر ، وأن هذا لا ينفي البحث عن الأسباب ، فالله هو خالق الأسباب والمسببات.
خصائص الفكر المثالي:
والمرء القادر على التفكير المثالي له خصائص يتميز بها عن غيره، وهذه الخصائص هي:
1- الرؤية النافذة لحقائق الأشياء وجوهرها وعدم الاكتفاء بالنظرة السطحية للأمور.
2- الصدق والجد والمثابرة في التفكير والاستغراق في ذلك بعمق حتى يصل الإنسان إلى الصورة المثالية التي ذكرها قبل قليل.
3- الاستقلال عن التقليد للآخرين لمجرد ذلك حيث أن البعض يكوِّن تفكيره آخر كلام سمعه أو آخر كتاب طالعه؛ ولذلك تجده ينتقل من الفكر إلى نقيضه فهو كالإسفنجة التي تتشرب أي سائل توضع فيه.
4- المزاوجة بين العالم الخارجي من حولك والذي سيكون موضوع تفكيرك من خلال ما تتلمسه بأحاسيسك وبين مشاعرك الداخلية وخبراتك وتجاربك ومعلوماتك السابقة وليكن هذا المزج والتزواج بتوازن.
5- التميز والوضوح في اللفظ الذي يعبر عن هذه الرؤية إذا أن الفكر الناضج ما لم يعبر عنه بلغة بليغة فصيحة بينه ويبقى كالدرة المدفونة في التراب بل إن دقة ووضوح التعبير دليل على دقة ووضوح التفكير.
6- التقويم للمشاعر والانفعالات وعدم الانسياق وراءها دائماً ؛ إذ قد تكون مضللة وخاطئة وغير صائبة، فمثلاً رجل رأى سائقاً يتوقف في الطريق وينزل من سيارته ويحمل طفلاً والدماء تنزف منه وحين تأمل الرجل في الطفل عرف أنه ابنه فانهال على السائق ضرباً ظاناً أنه آذى ابنه بالسيارة، بينما الحقيقة أن الذي آذاه سائق آخر فرَّ وتركه ينزف في الطريق فهرع هذا السائق لإنقاذه.
عوامل تحديد تصورنا للشيء :
هناك عدد من العوامل الفطرية أو الكسبية والذاتية أو الخارجية التي تؤثر في تحديد ومقدار تصور الشيء الذي هو موضوع التفكير، وأهم هذه العوامل هي:
1- العقل وقدراته، والناس يتفاوتون تفاوتأً كبيراً في قدراتهم العقلية إما بسبب التفاوت في أصل الخلقة وإما بسبب التفاوت في إعداد العقل وصقله وتنمية قدراته، فمن الناس المتوقد الذهن الألمعي الفكر الثاقب النظر الذي يدرك الأمر على حقيقته لأدنى إشارة، ومنهم البليد الذي لا يفهم الحقائق الواضحة البينة وبينهما درجات متفاوته.
2- الحواس ومدى قدرتها وسلامتها ؛ إذ إن الحواس هي الواسطة بين العقل والشيء موضوع التفكير فما لم تكن الحواس سليمة فسيكون نقلها غير صحيح، وبالتالي سيكون التصور للشيء تصوراً مغلوطاً أو ناقصاً والناس يتفاوتون في مدى صحة وسلامة وقدرة حواسهم ويتفاوت تبعاً لذلك صحة تصورهم للشيء.
3- الثروة اللغوية المختزنة والتي يعبر بها عن الشيء ويُمكن بها وصف وتحديد الشيء فكلما اتسعت الثروة اللغوية المختزنة كلما كانت قدرة المرء على تصور الشيء وتحديده أكبر.
4- المعتقدات والقيم الموجودة لدى المرء الذي يقوم بالتفكير والتصور، وهذه المعتقدات تشمل الإيمان بالغيب، والانتماء والهوية والإيمان بما حول المرء من أشياء وحقيقتها والإيمان بإمكانات الإنسان وقدراته وحقيقة دوره ووظيفته.
5- واقع الشيء ذاته الذي هو موضوع التفكير والذي يراد الوصول إلى تصوره وتحديده، وهذا الواقع كلما كان العلم به أعمق وأشمل وأدق كلما كان التصور أكثر صحة.
معوقات التفكير:
1- العيش في الخيالات والأوهام والأحلام الفارغة والتعامي عن حقائق الواقع، والخيال مفيد إذا كان بقدر ما يسعى الإنسان إليه من تطوير للواقع وإبداع وتجديد في حدود الممكن أما إذا حلق بصاحبه في أجواء المستحيلات وعاش في ظلاله فقط معرضاً عن العمل فهو الداء القائل للفكر والمرض الفاتك بالعقل.
2- الاستسلام للعجز وظن عدم القدرة على فعل شيء ، فيعطل الإنسان حينئذٍ فكره وعقله طائعاً مختاراً ولن يظفر منك عدوك بمثل هذه الهدية التي تقدمها للشيطان مجاناً.
3- التردد والاضطراب عند تعارض الأفكار وتعدد الخيارات وعدم القدرة على الحسم والاختيار حتى تفوت جميع الفرص وتتلاشى شتى الخيارات.
4- االمحاكاة والتقليد للآخرين في كل عمل يأتيه الإنسان وتعويد النفس على الكسل والخمول والتخوف والتهيب من التجديد والاستقلال في الفكر.
5- المعاشرة والمصاحبة لأهل البطالة واللهو ممن يتصفون بأي من الصفات السابقة ؛ لأن الإنسان إذ صحب النابهين المبدعين قبس من أنوارهم كما أنه إذا صحب الخاملين تأثر بخمولهم.
6- إشغال العقل والفكر بما لم يخلق له وما ليس في مقدوره فكما أن عدم التفكير للعقل وجحد للنعمة فكذلك محاولة إشغاله بما ليس من اختصاصه تحميل له بما لا يطيق كمثل محاولة العلم بما اختص الله به من علم الغيب في الآخرة والأقدار وكيفيات صفات الله سبحانه وتعالى.
7- الفراغ وعدم إشغال النفس بالعمل النافع المفيد؛ لأن الفكر جوَّال لا يُمكن أن يهدأ ويسكن فإن لم تشغله بالحق شغلك بالباطل.
8- عدم القناعة بالعمل الذي تمارسه وتشغل نفسك بالتفكير فيه بل تؤديه إما اضطراراً وإما تصنعاً للناس ورياءً فيكره الفكر على التفكير في الأمر مع عدم القناعة به فلا يتعمق فيه ولكن يكتفي بما به يتحقق الحد الأدنى من العمل في صورته التقليدية البسيطة النمطية بعيداً عن أي إبداع أو تجديد أو ابتكار.
9- التواكل الطفيلي بمعنى أن يعوّد الإنسان نفسه على أن يفكر الآخرون نيابة عن حتى في أخص أموره فيصاب بالترهل الفكري والجمود العقلي ويصبح كالنبات الطفيلي الذي يعيش على أغصان شجرة أخرى، وبمجرد أن يذبل ذلك الغصن أو يقطع تنتهي حياة ذلك النبات الطفيلي، وهذا شيء والمشاورة والاستفادة الإيجابية من الآخرين شيء آخر.
10- بلادة الحواس ؛ لأن بوابات الفكر ومنافذ العقل هي الحواس من سمع وبصر وذوق وحس وشمّ.
فإذا عوَّد الإنسان حواسه على دقة الملاحظة وسرعة الاستجابة نشطت للعمل وكانت نعم العون للتفكير، وإذا عوَّدها على الخمول والكسل تعطلت عن أداء وظائفها وأصبح حال صاحبها كما قال الله تعالى: ( وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالْأِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ ).
11- الابتلاء بالجدل المذموم والمراء ؛ لأنه يدفع صاحبه إلى المماحكة بالباطل ويثير البغضاء والشحناء ولعاً بالغلبة ويشيع الاختلاف بدل الائتلاف، وكل هذا مشغله للنفس ومشوش على الفكر وصارف له عن الإبداع والعطاء.
***
الذاكرة والقراءة
رُبَّمَا كان دماغ الإنسان أعجب وأعقد جهاز عُرف حتى الآن بما فيه من أقسام مختلفة سواء في مراكز الإبصار والسمع والحس والشك والذوق ، أو مراكز اللغة والحركة والاختزان للمعلومات والتوجيه للمشاعر والحفاظ على التوازن في كل ذلك .
والذاكرة تختزن المعلومات في الدماغ بعد تمريرها من خلال إحدى الحواس الخمس إلى مراكز الذاكرة ، وكلما كانت الحواس التي من خلالها تم استيعاب المعلومات أكثر كلما كان إمكانية الاحتفاظ بالمعلومة أكبر ، وأكثر الحواس ترسيخاً للمعلومات في الذاكرة هي حاسة الإبصار ، ولذلك إذا كانت وسيلة حفظ المعلومة حاسة أخرى غير الإبصار ، فحاول أن تقرن المعلومة المسموعة أو المتذوقة أو المشمومة بصورة مرئية .
وأعطِ نفسك وقتاً كافياً لاستيعاب الصورة بكل تفاصيلها من خلال التدقيق والتركيز والحرص .
وصقل الذاكرة وتقويتها أو إضعافها له أسباب خلقية تكوينية إمَّا وراثية وإمَّا بسبب صحة الأم أثناء الحمل وتغذيتها وما قد تتناوله من أدوية أو تستنشقه من غازات ، وله أسباب كسبية مثل تغذية المرء نفسه وتهوية المكان الذي يقيم ويمارس عملية التفكير والحفظ والاستذكار فيه ومثل التمارين التي سبق الحديث عنها في مبحث التركيز الذهني .
والقراءة لها الشأن الأكبر في اكتساب العلوم والمعارف والثقافات بل هي الوسيلة التقليدية لذلك والتي لا يعرف كثير من الناس غيرها ، وكلما طور الإنسان من طريقته وأساليبه في القراءة والتعامل مع الحرف كانت استفادته من ذلك أكبر .
والإنسان القارئ الذي يجعل القراءة جزءاً من حياته وتصبح هواية ملازمة له هو الذي يستطيع بعد فترة وجيزة من حياته أن يتميز على أقرانه في تفكيره وأسلوب تعامله مع الحياة بل وفي نظر الآخرين أيضاً ، وبإدمان القراءة سيصبح تناول الكتاب بالنسبة لك ليس وسيلة للعلم والمعرفة والثقافة والتجول في الكون فحسب بل سيصبح أيضاً متعة وترويحاً ونزهة لايدانيها شيء آخر على الإطلاق .
ولنزى كم من المعلومات يُمكنك استيعابها والحصول عليها بالقراءة ، إليك بعض هذه الأرقام :
يستطيع الإنسان أن يقرأ في الدقيقة (500) كلمة علماً أن البعض يستطيع أن يقرأ إلى حدود (900) كلمة لكن هذا نادر .
وأل (500) كلمة تساوي صفحتين من كتاب متوسط الحجم ، أي أن الإنسان يستطيع في ساعة من الزمن أن يقرأ مقدار 120 صفحة ، فإذا كان الكتاب المتوسط يبلغ 400 صفحة ، فهذا يعني أنك تحتاج إلى ثلاث ساعات وعشرين دقيقة لقراءته .
ولنفترض أنك تحتاج إلى أربع ساعات لقراءته فلو أعطيت كل يوم ساعة للقراءة لقرأت في كل أربعة أيام كتاباً أي في السنة يُمكنك أن تقرأ حوالي تسعين كتاباً .
وتأمل أي أثر سيكون في حياتك إذا قرأت في كل عام تسعة كتب مختارة فضلاً عن تسعين كتاباً ، كم يا ترى من الأوقات الثمينة تضيع مناً في اللهو والعبث والضياع ولا ندرك مقدار الخسارة فيها إلاً إذا غربت شمس الحياة وأذنت بالمغيب .
وأفضل أحوال القراءة هو أن تقرأ قراءة صامتة متمعنة في جو هادئ وارتياح نفسي ، وألا يكون بعد الأكل حتى الشبع مباشرة أو أثناء الشعور بالجوع الشديد ، وأن تكون الإضاءة والتهوية والحرارة والبرودة جيدة ومناسبة، وأن تكون الجلسة مريحة ومعتدلة، وحبذا أن يكون في يد القارئ قلم يخط به بعض الخطوط تحت العبارات المهمة ويكتب به بعض العناوين ويرقم به بعض الأرقام ويلخص بعض الأفكار وكذلك اختيار الوقت المناسب بعد النوم الكافي.
*******************************
صحتك
إن نفسك أمانة لديك والمحافظة عليها واجب عليك سواء في ذلك صحة الروح من الشبهات والجفاف الإيماني أو صحة العقل من الخرافات والأساطير أو صحة البدن من الأمراض والأوبئة والمحافظة على قوته وحيويته ، والمحاور التي يُمكن الحديث عن صحة البدن من خلالها هي :
قواعد عامة للصحة .
الغذاء .
النوم .
الرياضة .
قواعد عامة للصحة :
1. وثق علاقتك بالله وأنزل حاجتك به وحافظ على الأذكار المشروعة في الصباح والمساء والنوم والاستيقاظ وأمثال ذلك .
2. حذار من الإسراف ، فهو داء قاتل ، ولتعلم أن السمنة هي العدو اللدود لبدنك .
3. إذا شكوت من مرض فعالجه قبل استفحاله ، وإذا أمكن المعالجة والتداوي بالأشياء الطبيعية فلا تلجأ للكيماويات .
4. تجنب تعاطي المسكنات والمهدئات إلاَّ لحاجة ملحة .
5. التدخين هلاك محقق ، فما ظنك بالمخدرات أو المسكرات .
6. كن في سكن جيد التهوية ونظيفاً .
7. النظافة في كل شيء من أسباب السعادة في الحياة .
8. حافظ على التطعيمات والتحصينات الدورية .
9. احذر من وسوسة بعض الأطباء، ورُبَّما تكون أفضل الأطباء لعلاج نفسك أحياناً .
10. ليس هنا علاج سحري لكل مرض، وعليه فلابد من التكيف مع بعض الآلام .
11. احتسب كل ما يصيبك عند ربك لعل المرض مطهر لك من الذنوب .
الغذاء :
﴿ فَلْيَنْظُرِ الْأِنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ * أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبّاً * ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقّاً * فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبّاً *وَعِنَباً وَقَضْباً * وَزَيْتُوناً وَنَخْلاً * وَحَدَائِقَ غُلْباً * وَفَاكِهَةً وَأَبّاً *مَتَاعاً لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ ﴾.
قواعد ذهبية في التغذية والغذاء :
1. العقلاء يأكلون ليعيشوا ويعيشون لأهداف سامية ( الطعام لديهم وسيلة ) والشهوانيون يعيشون ليأكلوا فقط .
2. لا تأكل حتى تجوع ، فإدخال الطعام على الطعام داء قاتل .
3. نوِّع طعامك واجعل أكثره نباتياً وبخاصة من الفواكه والخضروات الطازجة ، وقلل من اللحوم والدهون ، وحبذا لو جعلت تناولك للحوم في الأسبوع مرة أو مرتين فقط .
4. ابتعد عن تناول المصنعات والمعلبات والمحفوظات قدر المستطاع .
5. لا تملأ بطنك ، نصيحة لم يجمع الأطباء على مثلها عبر العصور .
6. لا تتهاون في نظافة طعامك ، فالطعام الملوث سُمٌّ لا غذاء .
7. لا تأكل بين الوجبات ما لم يأمرك بذلك الطبيب .
8. أكثر من شرب الماء وتأكد من أنه نقي ، وحبذا لو عوَّدت نفسك على عدم الشرب أثناء الأكل وبعده مباشرة .
9. احذر من الإفراط في استعمال الملح والسكريات المصنعة فلذلك عواقب وخيمة على الصحة إذا تقدم العمر .
10. حبذا لو تركت شرب الشاء والقهوة والمشروبات الغازية أو قللت منها قدر الإمكان واستبدلت مكانها الماء النقي والعصيرات الطازجة .
11. كل بيمينك بعد غسلها وسمِّ الله ولا تأكل أو تشرب واقفاً لغير حاجة ، وبعد الفراغ نظف فمك ويديك واحمد الله .
النوم :
قال تعالى : ﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ مَنَامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَابْتِغَاؤُكُمْ مِنْ فَضْلِهِ ﴾ .
النوم أحد الأسرار الإلهية العجيبة التي أودعها الله في خلقه ، والتي لا يستغني عنها الإنسان بحال من الأحوال ، فبعد أن يبلغ التعب بالإنسان غايته والجهد مداه يتغشاه النوم ثم يستيقظ فإذا بحيويته قد تجددت ونشاطه ونظارته قد عادت والناس في تعاملهم مع النوم أصناف شتى .
وسأحاول في هذه الأسطر القليلة أن أشير إلى بعض القواعد المثلى في التعامل مع قضية النوم ليؤدي لك وظيفته ولا يكن وسيلة تعويق وتثبيط لك عن أداء ما أوجب الله عليك نحو ربك ونحو نفسك ونحو الحياة عموماً .
وإليك هذه القواعد :
1. لا تنس حق جسمك من الراحة مهما كانت الظروف ، فإن المنّبت لا أرضاً قطع ولا ظهراً أبقى ، فتحميل النفس ما لا تطيق من السهر تدمير لطاقتها وتعويق لعملها .
2. أفضل قاعدة في التعامل مع النوم عرفها الإنسان هي: نم مبكراً واستيقظ مبكراً.
3. لقد ثبت علمياً أن أفضل أوقات النوم ما كان بعد صلاة العشاء ، وأن الساعة من النوم في أول الليل تعادل ساعتين من آخره ولا يقوم مقامها ساعات من نوم النهار .
4. لا تنم بعد الأكل مباشرة . بل اجعل بينهما فترة من الاسترخاء .
5. أسوأ أوقات النوم ما كان في أول النهار أو بين العصر والمغرب ، ولكل قاعدة استثناء كما يقال .
6. لا تكن من الذين يقضون أغلب حياتهم في الفراش بل اذهب إلى الفراش عند الحاجة إلى النوم وغادره عند عدم الحاجة إليه .
7. لا تعود نفسك على عادات مستحكمة عند النوم مثل طبيعة الفراش ومقدار الضوء وعدم الإزعاج ، بل حاول أن تُكْسِب نفسك القدرة على النوم في أيّ ظرف .
8. يستطيع الإنسان أن يتعود على الاكتفاء بقدر قليل من النوم بالتدرج في ذلك .
9. لا تنس دعاء النوم والاستيقاظ ودوام ذكر الله كلما صحوت من نومك .
الرياضة :
إن من أفضل وسائل حفظ حيوية الجسد وقدرته على القيام بأعباء الحياة بالإضافة للتغذية الجيدة والنوم الكافي ممارسة الرياضة باعتدال وبالقدر الكافي .
والرياضة المعتدلة التي يمارسها الإنسان باعتبارها وسيلة من وسائل الحفاظ على قوة بدنه وصحته لا باعتبارها غاية وجود له في الحياة ، عليها يوالي ومن أجلها يعادي ، ويجعل كل شيء في الحياة من أجلها ، وهذه بعض التوجيهات العامة في التعامل مع الرياضة :
1. اجعل الرياضة جزءاً من برنامجك الذي لا تنساه في جميع أحوالك وأقل ذلك المشي والسباحة .
2. لا تدمن الرياضة فتصبح غاية لك لا وسيلة وتترك من أجلها حينئذٍ مسئولياتك تجاه ربك وعملك وعائلتك وتسبب لك إشكالات مع الآخرين .
3. استشر أخصائياً في تحديد تمارين منوعة لجميع الجسد شريطة أن تكون سهلة ولا تأخذ منك وقتاً ثم حافظ عليها في سفرك وحضرك .
4. لا تتردد في السباحة إذا تهيئت لك ، فهي من أفضل وأمتع الرياضات .
5. احذر من التمارين الخطرة والعفيفة ، فقد تؤذيك وتأثم بسببها .
6. لا تمارس الرياضة بعد الأكل مباشرة حين تشكو من شدة الجوع .
7. لا تنس مراقبة الله في أقوالك وأفعالك وأنت تمارس الرياضة .
يتبع ..
المفضلات