عبدالمجيد سعود البلوي
الخير والشر: دعاية أم حقيقة؟
عبدالمجيد سعود البلوي
نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
بين الخير والشر تنقسم البشرية في دعاوى الدفاع عن وجودها وتبرير مقاومتها أو عدوانها على الآخرين, المعيار الإنساني المطلق يفشل في كثير من الأحيان في توصيف الحال كما هو عليه, والسياسي الذي يسيطر على المجال العام هو الراعي الأول لمثل هذا الانقسام والمؤسس له في الذهنية الشعبية حين يجد أن مصالحه وطموحاته تحتمان عليه تعميق هذه الحدية الانشطارية بين الخير والشر, ليكون بذلك سياجا حديديا حول الأتباع, والذين سيكونون من أنصار الخير الذي يتمثل في السياسي، ومجموعته التي تمارس طقوسا إعلامية أشبه بطقوس الإرشاد الرسولي، تؤكد بواسطتها خيريتها المطلقة وتخلع كل ألقاب الشر والظلامية على الخصوم والمناوئين.
فعندما تتأمل كثيرا من السلوكيات السياسية المعاصرة تجد انه لا يمكن فهمها بعيدا عن هذه الرؤية الانقسامية لعالم الأخيار الأبرار والأشرار الفجار. وهي الرؤية التي تمتح من منابع ايديولوحية عميقة تعيد تفسير السلوك وتمنحه وصف الخير أو الشر بعيدا عن الحقائق الموضوعية والعوامل التاريخية المصاحبة له، وهو ما يعيدنا إلى مراجعة كل الادعاءات الفلسفية المعاصرة التي تحدثت عن موت الايديولوجيا ونهايتها.
الذي يتابع تصريحات الرئيس الأمريكي في نهاية عهده وهو يتحدث عن المهام العظيمة التي قام بها, ويعدد انجازات الحرب من اجل الحرية والديمقراطية, يكاد يذهل لقدرة هذه الايديولوجيا التي يؤمن بها الرئيس ومجموعته من المحافظين الجدد على تحويل اكبر عملية سطو مسلح على ثروات بلد، وقتل وتشريد الملايين من أبنائه، إلى أن تكون هي جوهر الخير ودرة تاج الفضيلة الإنسانية لأنها كانت أمرا ضروريا من اجل أن يكون هذا الشعب الذي اصبح اليوم مهجرا ومطاردا ومستباح الدم، شعبا حرا طليقا له حق الانتخاب والتصويت!!. وبعيدا عن القول الذي يرى في هذه الادعاءات ستارا إعلاميا لتغطية حقيقة السطو والقتل والنهب، إلا أنني أميل إلى أن الرئيس الأمريكي ومجموعة المحافظين الجدد مؤمنون كامل الإيمان بأنهم يقومون بأداء مهمة رسالية خيرية لمصلحة البشرية والعراقيين بشكل خاص، وأنهم يخلصونهم من الاستبداد والقمع والتطرف والعنف ويهبونهم الحرية والتقدم والديمقراطية ولا بأس لو كان الثمن لتحقق هذه القيم في نظرهم قتل وتشريد الملايين لان مصلحة المجموع لا يمكن لها أن تتحقق إلا بمثل هذه التضحيات، ومن هنا كان الرئيس بوش يتحدث عن تضحيات العراقيين التي ذهبت نتيجة لعدوان قواته على الاحتلال، على أنها قرابين كان لا بد منها على طريق الحرية الصعب والمكلف.
وقد سبق لأحد منظري الحرب على العراق وهو مفكر عراقي، أن وصف الصواريخ التي تنهمر على العراقيين، بأنها سيمفونية موسيقية.
إن التاريخ يحفل بهذه النماذج التي تسيطر عليها رؤية أيديولوجية تعيد بواسطتها تركيب السلوكيات والأفعال بما يمنحها براءة مطلقة ودائمة من الظلم والقسوة والجور ومن الخطيئة، فهي أيديولوجيات تقوم بدور التبرير للفعل قبل وقوعه، وتقوم بدور التطهير من أدرانه وتداعياته النفسية بعد حصوله.
«لامارا» احد قادة الثورة الفرنسية وبعد قتله عشرات الألوف من الفرنسيين وقف مستغربا من الذي يشكون بنزعته الإنسانية النبيلة وقال بكل ثقة في الدفاع عن جريمته البشعة التي يراها كل إنسان متحرر من الايديولوجيا الرهيبة التي أسرت عقلة وقلبه, (ما هذا الظلم؟ من الذي لا يستطيع أن يشهد بأنني أريد قطع بعض الرؤوس حباً في خلاص الكثيرين؟).
إن سكب الدم الإنساني وهدر حق النفس الإنسانية بالحياة الكريمة، يغدو من الخير المطلق الذي ينبغي تقديره والاحتفاء به. لأنه طريق الحرية الصعب والشاق والمحفوف بالمخاطر.
الرئيس الأمريكي كان أسيراً لهذه الرؤية التفسيرية المؤدلجة وهو يتلقى الحذاء الطائر من الصحافي العراقي منتظر الزيدي، فكان تفسيرا في غاية التبسيط والانشداد لرؤيته الأيديولوجية. هذا الفعل يراه العربي أعلى درجات الاهانة، كما يعبر عن أعلى درجات الغضب المكتوم وعدم الرضا اللامتناهي، إلا أن الرئيس الأمريكي لم ير فيه إلا دليلا على الحرية التي جاءت بها دباباته وطائراته وجيوشه العتيدة إلى بلاد الرافدين.
إلا أن السؤال الذي يبدو هنا، وقد اعتبر قذف الحذاء إحدى تجليات الحرية، لماذا لا تكون المقاومة المسلحة العراقية هي أيضا من لوازم الحرية وأحد تجلياتها ويتقبلها فخامة الرئيس بصدر رحب كما تقبل حذاء منتظر الزيدي؟

http://www.alyaum.com/issue/search.p...sP=0&sO=1&sS=1