رُوي عن سعيد بن المسيب، وأبي العالية وغيرهما، أن الحكمة في جعل عدّة الوفاة أربعة أشهر وعشراً، هي معرفة براءة الرّحم من الحمل.
ويدل عليه ما جاء في الحديث الصحيح: «إنَّ أحدَكم يُجمع خَلقُه في بطن أمه أربعين يوماً، ثم يكون علقةً مثل ذلك، ثم يكون مضغةً مثل ذلك، ثم يبعث الله مَلَكاً يُؤمر بأربع كلماتٍ ويقال لـه: اكتب عمله ورزقه وشقيٌّ أو سعيد. ثم ينفخ فيه الروح، فإنّ الرجل منكم ليعملُ حتى ما يكون بينه وبين الجنة إلا ذراع، فيسبق عليه كتابه فيعمل بعمل أهل النار. ويعملُ حتى ما يكون بينه وبين النار إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة»[1].
فهذه ثلاثة أربعينات بأربعة أشهر، والاحتياط بعشرٍ بعدها، لما قد ينقص بِعَدِّ الشهور، ثم لظهور الحركة بعد نفخ الروح فيه.
وبيان ذلك: أنَّ الله جعل عِدَّة المتوفّى عنها زوجها منوطة بالزمن الذي يتحرك فيه الجنين تحرّكاً بيِّناً، محافظة على أنساب الأموات، فهو سبحانه جعل عدّة المطلقة ما يدل على براءة رحمها دلالةً ظنية، وهي ثلاثة قروء كما تقدّم، لأن المطلِّق يعلم حال مطَلَّقته من طُهر وعدمه، لما يعلمه من حالها قبل الطلاق، فلو أنّها ادّعت عليه نسباً، وهو يوقن بانتفائه كان له في اللعان مندوحة.
أمّا الميت فلا يدافع عن نفسه، فجُعلت عدته زمناً يُقطع فيه بانتفاء الحمل، وهو "أربعة أشهرٍ وعشراً" وما بين استقرار النطفة في الرحم، إلى نفخ الروح في الجنين أربعة أشهر، كما هو مدلول الحديث السابق، وبما أنَّ الجنين يقوى تدريجياً بعد نفخ الروح فيه، جُعلت العشر الزائدة على الأربعة أشهر، لتحقق تحرك الجنين تحركاً بيِّناً، فإذا مضت هذه المدة الزمنية، حصل اليقين بانتفاء الحمل، إذْ لو كان حملٌ لتحرك لا محالة، وهو يتحرك
[1] البخاري، محمد بن إسماعيل: الجامع الصحيح، (بيروت: دار الفكر، د.ر، 1416هـ/1996م)، كتاب بدء الخلق، باب رقم 6، حديث رقم 3208، ج6، ص447.
السوال ما هو أكبر رقم فى القران؟؟
المفضلات