المطلب الرابع : التعاون على البر والتقوى والبعد عن التفرق والانقسامات :
إن سلاح الأمم في بناء مجدها، وإثبات وجودها، وتثبيت دعائم الأمن والاستقرار بها، وتحقيق أهدافها الحاضرة والمستقبلة، هو سلاح الائتلاف والاتحاد والتعاون والوفاق، وترك النزاع والتمزق والانقسام والتناحر جانباً.
وقد أمر الله جل شأنه بالتمسك والاعتصام بحبله وبالتعاون على الخير وأوصى به وحذّر من الفرقة والتمزق وأثنى على وحدة الأمة وندد باختلافها، قال تعالى: {وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ}[1]
وقال تعالى: { وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ }[2]
وحذّر سبحانه وتعالى من الخلاف في الدين والتفرقة في فهمه شيعاً متناحرة ومتلاعنة، قال تعالى: {وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكْفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُواْ الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ * وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}[3]
وقد حثّ رسول الله r على تعاون المؤمنين على الخير، ودعا إلى الاتحاد والتضامن بين أفراد المجتمع ونبّه على ضرورة التزام واجب الأخوة، وحذّر عن كل شيء يمس هذه الفضائل ويسبب التمزق والتنازع والانقسام والتمرد.
يقول r: " مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى"[4] .
ويقول r: " من خرج عن الطاعة، وفارق الجماعة فمات، مات ميتة جاهلية".
فالمواطنون الصالحون في نظر الإسلام شأنهم التعاون على البر والتقوى والتناصر والتكاتف على مصالحهم الخاصة والعامة، أما التفرقة والتخاذل والتمزق والانقسام والتناحر، فإن الإسلام يحاربها، لأنها من عوامل انهيار الأمم، وبقدر ما بين المواطنين حكاماً ومحكومين في الدولة من حسن صلات وتوثيق علاقات، تكون قوتهم، واستقرار أمنهم وثبات ملكهم وقيامه خالداً وإن كثرت الزلازل والمحن، وتوالت العواصف، وإن كان التخاذل والتدابر والتقاطع والعصيان وتبديل عُرَى الإخاء وانصراف كل إلى نفسه وشهوته كان الضعف والانحطاط والفشل والجور والتمزق وعدم استقرار الأمن.
الخاتمة :
وأخيراً نذكر أنه بالشكر تدوم النعم... ويتمثل ذلك في شكر المنعم –الله جل وعلا ثم شكر ولاة الأمر الذين وفقهم الله وحقق تلك النعم على أيديهم، ومامن نعمة جاءت للخلق من أهل السموات والأرض إلا من الله جلّ وعلا: {وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ}[5] ، وهي تستوجب أن نتحدث بالشكر عنها {وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ}[6] (11) سورة الضحى.
نحن في المملكة العربية السعودية أحق شعب على وجه الأرض بشكر النعم وتقديرها، التي أنعم الله بها علينا، ويأتي في مقدمة هذه النعم نعمة الأمن، والاستقرار التي حبانا الله بها وميّز بها بلادنا.
ومن النعم التي أنعم الله بها علينا أنه جعل بلادنا مهبط الوحي، ومنبع الرسالات، وجعلها أرضاً مقدسة، فيها بيت الله، وفيها مسجد رسوله r.
ومن النعم التي أنعم الله بها علينا أن هيّأ لنا بمنه وكرمه حكومة تطبّق شرع الله وتحافظ على مقاصد الشريعة الإسلامية وتسعى إلى الإصلاح، وتنشر الإسلام الحق في أرض الله وتقوم بواجب الدعوة إلى الله في مشارق الأرض ومغاربها بالحكمة والموعظة الحسنة .
نسأله سبحانه أن يرزقنا شكر نعمه على الوجه الذي يرضاه عنا، إنه ولي ذلك والقادر عليه، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
كتبه : محمد بن مطلق المعيقلي .
[1] سورة آل عمران الآية 103
[2]سورة المائدة الآية2
[3] سورة آل عمران الآيات 105و106و107
[4] رواه البخاري
[5] سورة النحل آية 53
[6] سورة الضحى آية 11
المفضلات