الأسباب التي تدعو لتحديد النسل
أولاً: من المعلوم عند الجميع أن مساحة الأرض محدودة والصالح منها لسكن الناس وللزراعة والإنتاج ممّا يحتاجه الناس محدود. و نجد كثيراً من بلاد المسلمين -بنغلادش مثلاً- قد استُنفِذت بها كل الموارد الطبيعية و الأراضي القابلة للزراعة، مع زيادة كبيرة للسكان أدت لفقر مدقع و مجاعة دائمة و تخلف شامل في كل النواحي. و زيادة السكان لا تزيد البلاد إلا فقراً.
و هذه الهند و الصين بدأتا كلاهما تجربة النهوض في نفس الوقت. و على الرغم من كون الهند أكثر ديمقراطية و انفتاحاً فإن عدم تحديد النمو السكاني جعل الهند تبقى متخلفة من المنظور العام، بعكس الصين التي حققت بسبب تمكنها من السيطرة على النمو السكاني أعلى نمو اقتصادي في العالم.
وأخرج الإمام أحمد عن أبي هريرة: «مَا أَخْشَى عَلَيْكُمُ الْفَقْرَ، وَلَكِنْ أَخْشَى عَلَيْكُمُ التَّكَاثُرَ. وَمَا أَخْشَى عَلَيْكُمُ الْخَطَأَ وَلَكِنْ أَخْشَى عَلَيْكُمُ الْعَمْدَ». وأخرجه ابن حبان في صحيحه (8|16)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (10|236): «رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح»، وقال الحاكم في مستدركه (2|582): «هذا حديث صحيح على شرط مسلم». وأخرج الإمام أحمد عن أبي هريرة أيضاً: «ليس الغني عن كثرة العرض، ولكن الغني غنى النفس. والله ما أخشى عليكم الفقر ولكن أخشى عليكم التكاثر. ولكن أخشى عليكم العمد».
ثانياً: أن الفطرة وضعت حداً مناسباً لتنظيم النسل والمنع من تضخيمه في جميع أنواع الأحياء حتى الإنسان. و كمثال مصغر على ذلك قبيلة تعيش حول بئر ماء فلما تضاعف عدد أفراد القبيلة جف البئر و لم يعد يكف فمات الكثير من العطش مما حدد نمو القبيلة.
ثالثاً: أن طبقات الناس متفاوتة غنىً وفقراً، فلهذا وجب الحد من التناسل صيانةً للأسرة مما يتهدّدها من خطر كثرة الأولاد وإنقاذاً للأمة مما يتوقع لها من البلاء وشدة الأزمات.
رابعاً: أنّ تحديد النسل يحفظ للمرأة صحتها وجمالها. و هذا ثابت و معروف في العلم و الطب. فكثرة الإنجاب ترهق المرأة و تذهب جمالها و تقصر معدل عمرها.
خامساً: أن المطلوب هو النوعية و ليس الكثرة. فأن نحصل على ذرية قليلة يعتني بها آبائها خير العناية لتصبح بعد ذلك النخبة القائدة خير من ذرية كثيرة ضعيفة لا تملك قوت نفسها.
أخرج أحمد وأبو داود بإسناد حسن أن رسول اللّه r قال: «يوشك الأمم أن تداعى عليكم، كما تداعى الأكلة إلى قصعتها». فقال قائل: ومن قِلّةٍ نحن يومئذٍ؟ قال: «بل أنتم يومئذٍ كثيرٌ، ولكنكم غثاءٌ (ما يحمله السيل من وسخ) كغثاء السيل. ولينزعنَّ اللّه من صدور عدوكم المهابة منكم، وليقذفنَّ اللّه في قلوبكم الوهن». فقال قائل: يا رسول اللّه، وما الوهن؟ قال: «حبُّ الدنيا وكراهية الموت». فلم تغن عنا كثرتنا شيئاً في هذا العصر، و إنما أصبحنا كالغثاء الذي يحمله السيل، كثير وافر لكنه لا يفعل شيئاً.
هذه بالطبع بعض الأسباب التي تدعو لتحديد النسل. و إلا فإن الأحكام الشرعية تؤخذ من القرآن و السنة، و القول بالتحريم لا بد له من دليل شرعي صريح حتى يؤخذ به.
المفضلات