الثانية عشرة: اختلفوا أيضا في معنى دخول الباء عليه، هل دخلت على معنى الأمر؟ والتقدير: ابدأ بسم الله. أو على معنى الخبر؟ والتقدير: ابتدأت بسم الله؛ قولان: الأول للفراء، والثاني للزجاج. فـ(باسم) في موضع نصب على التأويلين. وقيل: المعنى ابتدائي بسم الله؛ فـ(بسم الله) في موضع رفع خبر الابتداء. وقيل: الخبر محذوف؛ أي ابتدائي مستقر أو ثابت بسم الله؛ فإذا أظهرته كان بسم الله في موضع نصب بثابت أو مستقر، وكان بمنزلة قولك: زيد في الدار. وفي التنزيل: فلما رآه مستقرا عنده قال هذا من فضل ربي فـ(عنده) في موضع نصب؛ روي هذا عن نحاة أهل البصرة. وقيل: التقدير ابتدائي ببسم الله موجود أو ثابت، ف (باسم) في موضع نصب بالمصدر الذي هو ابتدائي.
الثالثة عشرة: بسم الله ، تكتب بغير ألف استغناء عنها بباء الإلصاق في اللفظ والخط لكثرة الاستعمال، بخلاف قوله: اقرأ باسم ربك فإنها لم تحذف لقلة الاستعمال. واختلفوا في حذفها مع الرحمن والقاهر؛ فقال الكسائي وسعيد الأخفش: تحذف الألف. وقال يحيى بن وثاب: لاتحذف إلا مع بسم الله فقط، لأن الاستعمال إنما كثر فيه.
الرابعة عشر: واختلف في تخصيص باء الجر بالكسر على ثلاثة معان؛ فقيل: ليناسب لفظها عملها. وقيل: لما كانت الباء لا تدخل إلا على الأسماء خصت بالخفض الذي لا يكون إلا في الأسماء. الثالث: ليفرق بينهما وبين ما قد يكون من الحروف اسما؛ نحو الكاف في قول الشاعر: ورحنا بكا بن الماء يجنب وسطنا
أي بمثل ابن الماء أو ما كان مثله.
الخامسة عشرة: اسم، وزنه افع، والذاهب منه الواو؛ لأنه من سموت، وجمعه أسماء، وتصغيره سمي. واختلف في تقدير أصله، فقيل: فعل، وقيل: فعل. قال الجوهري: وأسماء يكون جمعا لهذا الوزن، وهو مثل جذع وأجذاع، وقفل وأقفال؛ وهذا لا تدرك صيغته إلا بالسماع. وفيه أربع لغات: اسم بالكسر، واسم بالضم. قال أحمد بن يحيى: من ضم الألف أخذه من سموت أسمو، ومن كسر أخذه من سميت أسمى. ويقال: سم وسم، وينشد: والله أسماك سما مباركا آثرك الله به إيثاركا
وقال آخر: وعامنا أعجبنا مقدمه يدعى أبا السمح وقرضاب سمه مبتركا كل عظم يلحمه
قرضب الرجل: إذا أكل شيئا يابسا، فهو قرضاب. (سمه) بالضم والكسر جميعا. ومنه قول الآخر: باسم الذي في كل سورة سمه
وسكنت السين من (باسم) اعتلالا على غير قياس، وألفه ألف وصل، وربما جعلها الشاعر ألف قطع للضرورة؛ كقول الأحوص: وما أنا بالمخسوس في جذم مالك ولا من تسمى ثم يلتزم الاسما
السادسة عشرة: تقول العرب في النسب إلى الاسم: سموي، وإن شئت اسمي، تركته على حاله، وجمعه أسماء، وجمع الأسماء أسام. وحكى الفراء: أعيذك بأسماوات الله.
السابعة عشرة: اختلفوا في اشتقاق الاسم على وجهين: فقال البصريون: هو مشتق من السمو وهو العلو والرفعة، فقيل: اسم لأن صاحبه بمنزلة المرتفع به. وقيل: لأن الاسم يسموا بالمسمى فيرفعه عن غيره. وقيل: إنما سمي الاسم اسما لأنه علا بقوته على قسمي الكلام: الحرف والفعل؛ والاسم أقوى منهما بالإجماع لأنه الأصل؛ فلعلوه عليهما سمي اسما؛ فهذه ثلاثة أقوال.
وقال الكوفيون: إنه مشتق من السمة وهي العلامة؛ لأن الاسم علامة لمن وضع له؛ فأصل اسم على هذا (وسم). والأول أصح؛ لأنه يقال في التصغير سمي وفي الجمع أسماء؛ والجمع والتصغير يردان الأشياء إلى أصولها؛ فلا يقال: وسيم ولا أوسام. ويدل على صحته أيضا فائدة الخلاف وهي:
الثامنة عشرة: فإن من قال الاسم مشتق من العلو يقول: لم يزل الله سبحانه موصوفا قبل وجود الخلق وبعد وجودهم وعند فنائهم، ولا تأثير لهم في أسمائه ولا صفاته؛ وهذا قول أهل السنة. ومن قال الاسم مشتق من السمة يقول: كان الله في الأزل بلا اسم ولا صفة، فلما خلق الخلق جعلوا له أسماء وصفات، فإذا أفناهم بقي بلا اسم ولا صفة؛ وهذا قول المعتزلة وهو خلاف ما أجمعت عليه الأمة، وهو أعظم في الخطأ من قولهم: إن كلامه مخلوق، تعالى الله عن ذلك! وعلى هذا الخلاف وقع الكلام في الاسم والمسمى وهي:
التاسعة عشرة: فذهب أهل الحق - فيما نقل القاضي أبو بكر بن الطيب - إلى أن الاسم هو المسمى، وارتضاه ابن فورك؛ وهو قول أبي عبيدة وسيبويه. فإذا قال قائل: الله عالم؛ فقوله دال على الذات الموصوفة بكونه عالما، فالاسم لكونه عالما وهو المسمى بعينه. وكذلك إذا قال: الله خالق؛ فالخالق هو الرب، وهو بعينه الاسم. فالاسم عندهم هو المسمى بعينه من غير تفصيل.
قال ابن الحصار: من ينفي الصفات من المبتدعة يزعم أن لا مدلول للتسميات إلا الذات، ولذلك يقولون: الاسم غير المسمى، ومن يثبت الصفات يثبت للتسميات مدلولات هي أوصاف الذات وهي غير العبارات وهي الأسماء عندهم. وسيأتي لهذه مزيد بيان في (البقرة) و(الأعراف) إن شاء الله تعالى.
الموفية عشرين - قوله: الله هذا الأسم أكبر أسمائه سبحانه وأجمعها، حتى قال بعض العلماء: إنه اسم الله الأعظم ولم يتسم به غيره؛ ولذلك لم يثن ولم يجمع، وهو أحد تأويلي قوله تعالى: هل تعلم له سميا أي من تسمى بأسمه الذي هو الله . فالله اسم للموجود الحق الجامع لصفات الإلهية، المنعوت بنعوت الربوبية، المنفرد بالوجود الحقيقي، لا إله إلا هو سبحانه. وقيل: معناه الذي يستحق أن يعبد. وقيل: معناه واجب الوجود الذي لم يزل ولا يزال؛ والمعنى واحد.
بنت ابوها
المفضلات