ومن تمام معرفة فضلهم أن يعقد المسلم قلبه على حبهم، ويثني عليهم بالخير، ويترضى عليهم،
ويحسن الظن بهم فيما شجر بينهم، فإنهم أحق الأمة أن يلتمس لهم أحسن المخارج.
وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من الوقيعة في أصحابه، معللاً ذلك بقصور غيرهم عن بلوغ شأوهم، فقال: (لا تسبوا أصحابي، فلو أن أحدكم أنفق مثل أحُد ذهَباً ما بلَغَ مُدَّ أحدِهِم ولا نصِيفهُ) أخرجه الشيخان عن أبي سعيد الخدري.
وقال الله تبارك وتعالى في كتابه: {لِلْفُقَرَاء الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً وَيَنصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ {8} وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ {9} وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ} (سورة الحشر 8- 10).
فذكر المهاجرين وأثنى عليهم بقصدهم في هجرتهم إلى طلب مرضاة الله ونصرته سبحانه ونصرة رسوله صلى الله عليه وسلم وشهد لهم بالصدق،
ثم ذكر الأنصار وأثنى عليهم بسبقهم للإسلام واتخاذ المدينة داراً لإيواء إخوانهم المهاجرين، محبين لهم مؤثريهم على أنفسهم
، وشهد لهم بالفلاح، ثم ذكر طائفة ثالثة تأتي من بعدهم، وأثنى عليها باستغفارها للمهاجرين والأنصار،
وسؤالها لله تعالى أن يطهر قلوبها من الغل على أحد منهم.
فينبغي أن يحرص كل مسلم على أن يكون على ما ذكر الله من حال الطائفة الثالثة وصفتها، كما روى ابن بطة العكبري فيما ذكره عنه
ابن تيمية في منهاج السنة النبوية، عن سعد بن أبي وقاص، رضي الله عنه،
قال: الناس على ثلاث منازل، فمضت منزلتان، وبقيت واحدة، فأحسنُ ما أنتم عليه كائنون، أن تكونوا بهذه المنزلة التي بقيت، ثم قرأ الآية الآنفة.
وأثبت هذا الموقف من الصحابة رضوان الله عليهم، كثير من العلماء المتقدمين في ترجمة عقيدة السلف،
من ذلك قول الإمام أبي جعفر الطحاوي في عقيدته: ونحب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا نفرط في حب أحد منهم،
ولا نتبرأ من أحد منهم، ونبغض من يبغضهم، وبغير الخير يذكرهم، ولا نذكرهم إلا بخير، وحبهم دين وإيمان وإحسان،
وبغضهم كفر ونفاق وطغيان، وقال أبو محمد ابن أبي زيد القيرواني في رسالته:
وأن لا يذكر أحد من صحابة الرسول إلا بأحسن ذكر، والإمساك عما شجر بينهم، وأنهم أحق الناس
أن يُلتمس لهم المخارج، ويظن بهم أحسن المذاهب.
المفضلات