(2)
المقدمة
الحمد لله رب العالمين ، الذي هدانا للإسلام والإيمان والإحسان ، والصلاة والسلام على سيدنا ومولانا محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعه أجمعين إلى يوم الدين .
حمداً لك يا رب الكون ، ويا خالق العقل والفكر والعلم والمعرفة والهداية والنور .
نحمدك يا خالق السماوات والأرض ومن فيهن ، ويا مالك الكون ومن فيه ، لا نعبد إلا إياك ولا نركع إلا بين يديك ، ولا رب لنا ولا خالق لنا سواك ... أنت الله الذي وهبت لنا عقولا نفهم بها ، وقلوبا نعي بها ، وصدورا ملأتها بمحبتك ورجاء رضائك .
إلهي ! .. أحمدك كل الحمد وأشكرك كل الشكر ، بأنك هديتني للإسلام وشرحت قلبي بنور الإيمان .
إلهي ! .. لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك ، على أنك وهبت لي عقلا يفكر ، وقلباً يعشق الحق ويبحث عنه ..
إلهي ! .. لك الحمد على عظيم منتك عليَّ ، فقد وهبت لي شجاعة ترجو الشهادة ، وجرأة للنطق بالحق ، ولئلا أخاف فيك لومة لائم ..
عزيزي القارئ ..
ما أضعه بين يديك ليس إلا بكاء على أيام ضلالتي في متاهات الجهل والبدع ... وتقريراً عن ظلم الطغاة وقتلة الحرية ، وأعداء العقل والبشرية ...
رسالة مؤلمة تكشف أيام الهداية والوصول إلى المعبود الحق الذي لا إله سواه ، ولا معبود إلا إياه ..
كلمات تتحدث عن ميلاد جديد ، وحياة جديدة ، في ظلال عقيدة صادقة .
ونبراس على الطريق الصحيح والصراط المستقيم ، صراط الذين أنعم الله عليهم من الأنبياء والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا ..
فإن كنت يا أخي القارئ ، تجد اضطر اباً وركاكة في أسلوبي ، وتفتقد أبياتاً شعرية تناسب المقام والمجال ، فأعتذر منك إذ لست أديباً أريباً ولا شاعرا مفوها ، وإنما هي خواطر وحديث عن أيام عشتها ، وضعتها بين هذه السطور لتنتقل إلى صدرك وإلى كل الصدور ...
كنت أشعر في قرارة نفسي بأنه يجب عليَّ أن أكتب شيئاً عن سيرتي الذاتية كمقدمة لتلك البحوث والدراسات في الجامعة و"الحوزة" التي أكلت من عمري سنين ، ثم ساقتني إلى الحق المبين ، وعلى تجاربي في السجن والتعذيب والهجرة ، وقبل هذا وذاك على الأسباب التي جعلتني أرتقي من وحل البدع ، لأقف على شموخ الحقيقة .
كتبتها لتكون تجربة واقعية بين يدي كل حر يريد أن يفكر حرا بعيدا عن قيود التعصب الأعمى والتقليد المميت ، ولتكون تجربة حية بين يدي كل من يبحث عن الحقيقة ويتعطش لها ، وكل من شمر عن أيادي الجد للبحث والتدقيق، والمدارسة والتحقيق في سبيل الوصول إلى طريق الهداية وسبيل الرشاد ..
عزيزي القارئ ...
كنت أتمنى أن تسمح لي صحتي ، وتتركني أمراضي أن أضعك أمام صورة واضحة تفصيلية دقيقة على كل ما جرى لي ، ولأكشف لك عن حقائق كثيرة أثرت فيَّ ، وجعلتني أفكر وأعيد النظر فيما كنت فيه من العقائد والأفكار ..
إلا أن الظروف المحيطة بي ، ووضعي الصحي لم يسمحا لي بشيء من ذلك ، لكن استجابة لطلب إخواني وأصحابي اضطر رت أن أضع هذه السطور المختصرة ، أملا في أن أكتب شيئاً تفصيلياً أكثر من هذا إذا مد الله لي في الحياة ، وعادت إليَّ الصحة والنشاط ..
حاولت أن أقدم صورة مختصرة عمَّا حدث لي في هذا الكتيب ، طعَّمتها بشيء من الشواهد والأدلة ، بلغة سهلة ميسرة على سبيل الحكاية العادية ، ولم أتبع أسلوب أهل الروايات والقصص الفنية ..
ولا أجد لهذا الكتيب وصفاً إلا أن أقول بأنه صورة مختصرة، تقدم لك الأسباب التي كسّرت قيود الجهالة والتعصب والتقليد في نفسي ، وأخرجتني من البدع والخرافات والأساطير إلى نور الإيمان . وتضع بين يديك ، كيف سقطت أسوار الجهالة من أمامي ، وذاب التقليد الأعمى والتعصب المميت من أمام عيني .
وتصور لك كيف استطعت تحت رعاية ربانية أن أهرب من ظلمات الإفراط ، وضلالة التفريط ومكر الشك والترديد ، لأتسلق جبال العلم والمعرفة ، ومن ثم أصل إلى أفق الحقيقة والهداية ..
ولا أنسى أن أؤكد بأن الخروج من ظلمات الشك والتردد والتعصب الأعمى، والإفراط والتفريط وهيلمان المذهب الذي يسقى بألوان من الأمطار الدعائية والإعلامية ، ويزين بشتى العبارات الجميلة والخطب الرنانة صباح مساء ، في بلد كإيران ضرب من المستحيل ، إلا إذا استعان المرء بالواحد الأحد الفرد الصمد ، الذي بيده مقاليد السماوات والأرض سبحانه وتعالى ، وصدق معه الوعد ..
أحمد الله -عز وجل-فاطر السماوات والأرض ، حمد الشاكرين على توفيقه إياي، ألا أركع أمام الحياة المادية وزخارفها التي هيأها لي أبي ، وألا أخضع للتعصب المذهبي والعقائد الخرافية التي ربتني عليها والدتي .. وعلى أنه وفقني إلى دراسة الحقيقة ورفع الشبهات وستائر الظلمة من أمامي ، وأوقفني على أن أدركت بأن هناك عالماً إسلامياً أوسع مما نحن فيه من البدع والضلال .. ومن ثم قادني إلى الحقيقة التي أعتز بها ، وستكون بإذن الله سببا لسعادتي في الدنيا والآخرة .
وها أنا أشعر بسعادة لا تضاهيها سعادة ، إذ شرح الله صدري للإيمان، فارتديت ثوب عقيدة أهل السنة والجماعة ، وعن علم ويقين وإيمان صادق نزعت ما كنت فيه من العقائد الشيعية ، والحمد لله رب العالمين .
أخي المسلم ، وأختي المسلمة :
ما ذكرته هنا يدور في فلك عالمين متضادين وعقيدتين متباينتين ، وأفكار لا تجمعهما إلا الدعايات الجوفاء لا غير ، مذهب أهل السنة والجماعة والعقيدة الشيعية .
وأقول وأصرح مرة بعد أخرى أنني لا أنتمي إلى أي حزب سياسي ، ولا أدعو من خلال كتابي هذا لأي مذهب ، أو رؤية سياسية ، وإنما أردت من خلالها وجه الله سبحانه وتعالى .
وأرجو الله - عز وجل -أن يتقبلها مني ، ويجعلها سبيل رشد وهداية لأهلي وأصدقائي وأمتي ..
كما أسأل الله - عز وجل -أن يهب شبابنا عقولا يفكرون بها ، وأن يوفقهم للتفكير الصادق والفهم الصحيح والانتخاب السليم ، إنه ولي ذلك والقادر عليه ..
مرتضى رادمهر
1/1/1381ش
الموافق ليوم الخميس 6/ محرم الحرام/1423هـ . ق . و19/ آذار/ 2002م
النسب والأسرة
أنا المسمى مرتضى رادمهر ابن الدكتور فرزاد رادمهر ، ولدت عام 1351ش (الموافق لـ 1392هـ، 1972م) في إحدى الضواحي الراقية من مدينة طهران عاصمة إيران .
مما أذكره من شجرة نسب أسرتي، حسب ما رواه لي والدي ومما هو مشهور في العائلة ، يرجع نسبنا إلى الأسرة المالكة من سلالة ملوك القاجار .
فقد كان جد والدي حفيداً لفخر الملوك وهو أخو الملك القاجاري ناصر الدين ، ولم تزل عائلة والدي تعتز بتقاليدها الملوكي مما ورثتها من الأسرة المالكة القاجارية من السنن والعادات الأشرافية ، وتحاول أن تنسجم مع كل ما هو غربي أو أوروبي .
أما والدتي الدكتورة السيدة عالية الحسيني ، فيرجع نسبها إلى السادات الحسينيين ، وهي تعتز كثيراً بتقاليدها المذهبية ، وتلتزم بجميع العادات والرسوم الموروثة حرفياً ، وإن كانت طبيبة مثقفة ، وفي الظاهر متنورة تعيش عصرها !
تتباين وجهات نظر عائلة والدي ، وعائلة والدتي تبايناً واضحاً ، وتكاد لا تلتقي في شيء ، فلكل عائلة اتجاهها الفكري الخاص ، وشخصيتها الاجتماعية الخاصة بها .
أما ما جمع بين والديَّ تحت سقف واحد ، فحكاية ترجع إلى أيام زمالتهما في كلية الطب ، فقد كان والدي ووالدتي يدرسان في كلية واحدة وفي نفس المرحلة الدراسية من نفس التخصص ، وكانا طالبين متفوقين نشيطين ذكيين مجتهدين ، يحصلان دائماً على المرتبة الأولى في الدراسة .
هذا التفوق العلمي والزمالة الدراسية والاحتكاك الكثير في المجتمع الجامعي ، أقام صلة احترام وود بينهما ، واستمرت الحكاية إلى أن وقفت على قصة الزواج التي جمعت بينهما في عش الزوجية .
لا شك أن الحكاية لم تكن بهذه البساطة ، فالتباين في الرؤية ، والتفكير الساذج بين الطبقات المختلفة في المجتمع لابد أن يلعب دوره ، فقد كانت عائلة الوالد تعتبر نفسها من الأسر الراقية ، والمثقفة ثقافة عالية ومن سادة المجتمع ، ولهذا وقفت سداً منيعاً تعارض هذا الزواج ، وقد اشتد الخلاف بين الأسرتين فكل منهما تعتز بثقافتها ونسيجها ، ولا ترى الثاني يضاهيها أو يماثلها ، مع كل هذا وذاك أصر الوالدان على موقفهما ، وفي النهاية تم الزواج رغم جميع الموانع والمخالفات ، لكن بقي ظلال هذا التباين الفكري والمنهجي بين العائلتين ، مما خلق جواً فكرياً وروحياً متوتراً ظل يؤثر في كل مواقف الأسرة وبرامجها .
حصل هذا الزواج في ظل تلك الظروف التي أشرت إليها ، وبدأت الأسرة الجديدة تخطو مسيرتها في الحياة بشكل طبيعي ، لكن بقيت آثار حكاية أخرى تلاحق الأسرة طوال مسيرتها ، لعلها جديرة بالذكر هنا .
في المرحلة الجامعية كان شخص آخر يسمى الدكتور منصور حكاكيان زميلا لوالدتي في الدراسة ، وقد كان من الأقارب القريبين لوالدتي ، ويبدو أنه كان يتمنى الزواج من والدتي ، وقد سعى في ذلك .
فيوم تم زواج والدتي من والدي ذهبت أحلام الرجل أدراج الرياح ، وحمل في نفسه بغضاً وحقداً شديداً على والدي ، وكان يسعى دائماً ليعرقل الجو على والدي ، وأن يتشاجر معه كلما وجد فرصة ، لعله يستطيع أن ينتقم منهما أو يشفي غليل صدره .
كان يحاول تشويه صورة الوالد في كل المجالس والمجامع العلمية ، ويثير الظنون والشكوك عليه في المجتمع الجامعي ، ويحاول أن يفسد عليه الجو بأي طريق أمكنه ..
كان وَقْع هذه المواقف الرخيصة على والدي كبيراً ، حتى اضطر أن يتنازل عن كل النجاح الذي حققه إذا كان برفقة حكاكيان ، فلقد كان عضواً في الهيئة العلمية في الجامعة ، وكان أستاذاً في كلية الطب ، وباحثاً في قسم المختبر والكشف العلمي ، فترك هذا كله ، بل ترك البلد وسافر إلى الخارج .
ومن الأشياء الطريفة التي حصلت في تلك الفترة ، أن الوالد استطاع بعد دراسات وتحقيقات كثيرة أن يصل إلى علاج لسرطان الرئة ، ولما سمع الدكتور "حكاكيان" بالموضوع حاول جاهدا أن يسرق تركيب صناعة الدواء من أبي ليسجله لنفسه ، لكن كل مساعيه باءت بالفشل ، فثار الحقد والكره الدفين في نفسه، من يوم أن خفقت آماله في الزواج من الوالدة ، فبدأ يفتري على الوالد ويسعى لتخريب سمعته والتطاول على شخصيته ، ولاسيما في المجامع العلمية والجامعية .
ضاقت الأرض على الوالد بما رحبت ، إلى أن اضطر في عام 1357ش (الموافق لـ 1978م، و1398هـ) للسفر إلى فرنسا لإكمال الدراسة في تخصص المخ والأعصاب .
قضى الوالد ثلاث سنوات في فرنسا ، وكان قد تزوج هناك بفتاة نصرانية تسمى السيدة الدكتورة "ماريلا" .
كانت زميلة له في الدراسة .
"ماريلا" كانت بنت الدكتور فريشتر(frishter) أحد أساتذة الوالد .
سألت "ماريلا" والدي يوماً : من أين أنت ؟ فأجابها الوالد بأنه من إيران .
ثم سألت ماريلا والدي ، هل هو محمدي أو مسلم ! وكان والدي يعرف أن ماريلا معجبة بمذهب المحمديين ـ أي السنة ـ فقال لها بأنه محمدي ، فصدقت الوالد وتم الزواج ؛ ولكن بعد فترة من الزمن أدركت ماريلا بأن الوالد ليس محمدياً بل شيعيا .
حاول الوالد أن يقنع زوجته بأنه محمدي ، لكن كل محاولاته فشلت ، وقالت له ماريلا بالحرف الواحد : إن المحمدية لا تعني أن المحمديين يعبدون محمداً ،أو أنهم جعلوه رمزاً جامداً في حياتهم يزينون بيوتهم وحياتهم بصوره وتماثيله ، وإنما المحمديون هم الذين جعلوا حياتهم وعاداتهم وتقاليدهم وفقاً لما كان يقوم به نبيهم محمد ، ويسمون بأهل السنة والجماعة .
وقالت لوالدي : أنتم أيها الإيرانييون تلعبون على كل الحبال ، وتحرفون الكلم عن مواضعه ! ولكم ألف وجه ووجه في الحياة ..
وهكذا فسخ هذا الزواج بعد فترة وجيزة .
بعد هذا ترك الوالد فرنسا وسافر إلى كندا .
وظل يعيش في الخارج مدة اثني عشر عاماً .
طوال هذه الفترة الطويلة التي قضاها الوالد في الخارج ، بقي على صلة دائمة بالأسرة عن طريق الاتصالات الهاتفية ، وكذلك سافرت أمي مرتين لزيارة الوالد هناك .
وفي فترة غياب الوالد كان والده ـ جدي ـ يرعى شؤون البيت ويهتم بنا .
كان الدكتور حكاكيان يزداد خبثاً على خبث ، ووصل به الأمر إلى درجة أنه أكثر من مرة وبطرق مختلفة طلب من والدتي أن تطلب من الوالد الطلاق ليتزوجها هو ! لكن والدتي كانت آية في الحياء والوفاء مما جعلت الدكتور حكاكيان يكاد يموت غيظا ، وتفشل خططه كلها .
في عام 1370ش( الموافق لـ 1991م ، 1411هـ) ، رجع الوالد إلى طهران مرة أخرى ، ودخل بقوة أكثر في المجتمع الجامعي والعلمي وبدأ يدرس في الجامعة .
وصلت الدكتورة "ماريلا" ـ مطلقة والدي ـ بعدما تزوجت من رجل آخر إلى طهران لزيارة والدي ، كانت على صلة جيدة ـ في دائرة الشؤون الأخلاقية ـ مع والدي ، كل يحترم الآخر .
كان من وفائها للوالد أنها أخذت تركيب دواء سرطان الرئة الذي كاد يضيع بين أوراق الوالد القديمة إلى أمريكا ، وبعد دراسات مختبرية عديدة أخرجت النتائج ضمن عدة بحوث ونشر في كتاب هناك ، وأرسلت الدكتورة "ماريلا" نسخة من الكتاب المزبور إلى الوالد ، وكان والدي دوماً يرجع الفضل في هذا النجاح إلى مطلقته الوفية المحترمة الدكتورة "ماريلا" النصرانية .
لم يسجل دواء سرطان الرئة باسم الوالد ، لكنه كان يعتز دوما أنه شارك في هذا العمل الإنساني العظيم .
غياب الوالد عن الأسرة والبلد طوال هذه الفترة الطويلة لم يكن أمراً هيناً بالنسبة لنا ، وقد ذاقت الأسرة الأمرين .
في غيابه ظل الناس الذين كانوا يعارضون هذا الزواج ، ويحفرون لنا الحفر ولا يكادون يسكتون عنَّا ، مما جعل جو البيت جوا متوترا دائما ، وجعلنا نعيش في اضطر اب وحيرة .
كانت ثمرة هذا الزواج ثلاثة أولاد ، ابنين وبنتا .
ما أريد أن أقوله هنا هو أن أسرتنا كانت مزيجا من ثقافتين مختلفتين ، بل متناقضتين تماما ، أو بعبارة أخرى حضارتين متعارضتين ، وأفكار تناقض بعضها بعضا ، وعادات وتقاليد لا تستطيع أن تهضم بعضها بعضا ، تجمعت تحت سقف واحد ، فعائلة الأب كانت رمزا للرؤية الغربية والانحلالية للحياة ، وعائلة الأم على رأس الهرم في الالتزام بالتقاليد والعادات المذهبية الجوفاء .. وكانت تحاول جاهدة أن تتفاهم رغم كل هذه التناقضات !
لم نكن نعاني من أي ضيق اقتصادي ، بل كنَّا نعيش في مرح وحب ، ولا ينقصنا شيء من متع الحياة ولا من الحب والحنان .
مما لاشك فيه أن من أماني كل أب وكل أم أن يعيش أولادهم في سعادة وصحة ، وأن يوفقوا في الحياة ، وكانت هذه أمنية والديَّ كذلك ، كان والدي وأسرته الكبيرة يتمنون أن أصبح طبيباً متخصصاً مشهوراً لكن أسرة والدتي كانت تحرص وتصر على أن أصبح عالم دين .
وإن كنت اليوم مطرودا من والديَّ وأسرتي وقد نبذوني بعيدا عنهم ، لكنني لا أستطيع أن أنسى تلك القبلات الحارة التي كانت تترجم حنان والدتي العزيزة على خدي ، ولا تلك النظرات التي كانت تمتلئ حبا وحنانا من عيون والدي العزيز ، ويعلم الله - عز وجل -أن لهما مكانا في صدري وأن قلبي يعتز بحبهما بعد حب الله - عز وجل -والعشق لعقيدتي وإيماني ، وأنني أحبهما حب الولد البار لوالديه ، حب ابن يحترق حزنا وألما وهو يرى والديه ينكران ويجحدان الحق الذي معه .
وإنني آسف جدا إذ أصبحت سببا في أن يترك والدي بلدهما للأبد واعتذر منهما أشد الاعتذار .
من الصبا إلى البلوغ
لم أزل أذكر يوم أن غادر والدي البلد ـ في الظاهر ـ لإكمال دراسته وللحصول على شهادة التخصص في الطب ، وفي الواقع هروباً من الجو الذي اختلقه له زميله وصديقه السابق الدكتور حكاكيان من تشويه لسمعته وبث الإشاعات والافتراءات عليه .
أذكر أن إدارة الأسرة من بعد الوالد وكلت إلى جدي ، ولا أذكر من تلك الأيام شيء آخر ذي بال ، إلا أنني أشعر بأن الجو في الأسرة كان جوا مضطربا عكرا ، يغشاه التضاد بين أفكار وتقاليد عائلتي والدي ووالدتي ، وأن غياب ظل الوالد كان في واقع الأمر صدى لتلك الإختلافات في الأفكار والأذواق ، وكل هذه كانت جديرة بأن تؤثر في تربية الأولاد وأخلاق الأسرة .
ومما أذكره من تلك الأيام يوم أن أخذت والدتي بيدي عام 1359ش(الموافق لـ 1978م/1400هـ)، وسجلت اسمي في مدرسة منطقة "نياوران" ـ وكانت تسمى في تلك الأيام مدرسة ياسمن ـ .
كنت في تلك الأيام صغيراً لا أشعر كثيراً بما يدور حولي ، لكنني أذكر جيدا أنني سعدت كثيرا بتسجيلي في تلك المدرسة ، وكدت أطير فرحا .. أيا كانت الظروف أكملت المرحلة الابتدائية في تلك المدرسة ولم يكن يتجاوز عمري اثنى عشر عاماً بعد ، وأذكر جيداً بأني في ذلك العمر كنت أجد نفسي أميل إلي الالتزام بالتقاليد الدينية والمذهبية .
لا أدري ماذا وكيف حدث ؟ لكنني أذكر بأنه طرحت في الأسرة قضية إكمال دراستي في الحوزة العلمية التي تسمى "ولي عصر" .
ولأنني كنت أميل إلى الجو المذهبي والالتزام الحاكم على الأسرة ، كنت أشعر بمدى اهتمام والدتي بهذا الجانب ، وكنت أشتاق إلى الجمع بين دروس المدرسة الإعدادية ودروس المدرسة الدينية .
في عام 1363ش(الموافق لـ 1984م/1404هـ) بدأت في الجمع بين دروس المدرسة الإعدادية العصرية وبين دروس المدرسة الدينية ..
يتبع
المفضلات