بحث عن العيون عبر العصور..؟؟

السلام عليكم
إذا أردنا أن نتقصى أخبارالعين في الكتب السماوية نجد ما جاء في التوراة:
«العين بالعين والسن بالسن»
وأماّ الديانات السماوية الأخرى فكانت أكثر رحمة. فجاء في "إنجيل متى":
«سمعتم أنه قيل العين بالعين والسن بالسن.
أما أنا فأقول لكم لا تقاوموا الشرير، بل من لطمك على خدك الأيمن فقدم له الآخر».

أما في القرآن الكريم فهناك العديد من الآيات التي جاء فيها ذكر العين مثل ما جاء في "سورة الأنعام": «قد جاءكم بصائر من ربكم فمن أبصر فلنفسه ومن عمي فعليها وما أنا عليكم بحفيظ».

وقال الدكتور "سمير انطاكي" أخصائي أمراض العين وسألناه عنها فقال:

«العين كأداة للرؤية هي أفضل وأدق جهاز بصري عرفه العالم، ورغم كل ما تم من تطور في العلوم البصرية إلا أننا لم نصل ولن نصل إلى صنع جهاز بدقة ومواصفات العين البشرية، لذا اهتم بها الأطباء منذ أقدم العصور وكانت "الكحالة" أي علم طب العين من أبرز وأهم فروع الطب على الإطلاق عند الفراعنة وعند سكان بلاد ما بين النهرين وعند الصينيين والهنود ومن ثم عند الإغريق فالعرب فالأوروبيين.

فكانت هناك أسماء لامعة لكحالين عرب خلدهم التاريخ لما قاموا به من ترجمة للتراث الطبي الإغريقي إلى السريانية والعربية ولما زادوا عليه من معلومات وابتكارات وتقنيات واكتشافات نقلها عنهم الغرب فيما بعد. فكان لهم دور هام في تطور هذا الفرع كما في غيره من فروع الطب البشري».

في مصر القديمة: «وصف المصريون القدماء الكثير من أمراض العين وعرفوا العديد من الأعشاب للمداواة العينية، كما استعملوا أدوية من أصل معدني أو حيواني، وعرفوا بعض الطرق الجراحية.

ولقد استفاد الإغريق كثيراً من الطب المصري القديم.
وأول طبيب عيون معروف في العالم، كان في مصر، وهو "بيبي عنخ إيري"
الذي جاء اسمه ورسمه على لوحة حجرية من السلالة الرابعة أي في العام/ 4600/ ق. م.

أما في بلاد ما بين النهرين، فقد أهدى "حمورابي" ملك "بابل" في العام/ 1800/ ق.م إلى البشرية ..

تكبير الصورة شريعته، التي فرض فيها عقوبة صارمة على الطبيب الذي يعالج مرضاً
لا يتقن طرق معالجته، فيؤدي تدخله هذا إلى ضياع البصر.

وهذه القوانين مكتوبة على لوحة من حجر "الديوريت" الأسود و
هي محفوظة في متحف "اللوفر" في "باريس"، وقد تم اكتشافها في العام/ 1902/
وهي مكتوبة باللغة الأكادية، وقد قام بقراءتها أحد أفراد البعثة آنذاك وهو "الأب شيل".

وكانت أجور طبيب العيون التي حددها "حمورابي" مرتفعة جداً.
فمثلاً كان يتقاضى الطبيب على عملية "الساد" عشرة شيكل وهي تساوي
معاش عشرة أشهر لعامل متوسط، أوكلفة بناء بيت مساحته مئتا مترٍ مربع.

وكانت العقوبة صارمة في حال ضياع العين "إن عالج الطبيب إنساناً حراً
واستعمل المبضع لفتح عينه وأدى ذلك إلى وفاة المريض أو تضرُر العين تُقطع يدُهُ».

أما في الجزيرة العربية فقد كانت هناك طبيبة عيون ذاع صيتها وعمت شهرتها،
وهي "زينب طبيبة بني أود" والتي عاشت قبل الإسلام.

أما في العصر الإسلامي فلقد نبغ العديد من أطباء العيون العرب بينما كان الغرب قابعاً في الظلمات، وبرزت أسماء هامة ولامعة في سماء الطب العربي وبخاصة في طب العيون وقدم هؤلاء خدمات جلى لهذا الاختصاص وللبشرية، ومن أبرزهم:

"يوحنا بن ماسوية" و"حنين بن اسحق" أحد عباقرة الترجمة، وقد ألف العديد من الكتب أهمها كتاب "العشر مقالات في العين" وهو أقدم كتاب في طب العيون أُلِّف على الطريقة العلمية. كما أن له كتاباً آخراً مهماً هو"المسائل في العين" ويحوي على مئتين وسبعَ عشرةَ مسألة مع أجوبتها.
وكان "حنين" أهمَّ مرجعٍ اعتمد عليه الكحالون العرب.

وهناك "ثابت بن قره" وهو أول من عالج العين الحولاء المصابة بالغطش
أو الكسل الوظيفي عند الأطفال بتغطية العين السليمة.

وهناك "ابن النفيس" صاحب كتاب في الكحالة سمّاه "المهذب في الكحل المجرب" وفيه يشرح عملية الإبصار. وهو مَن صحح خطأ "جالينوس" في تصالب العصبين البصريين. أما العلاّمة والفيزيائي "الحسن بن الهيثم" الملقب بالخازن فهو العالم الذي يعود إليه شرف اكتشاف
تكبير الصورة الآلية الحقيقية التي يتم بها الإبصار. وهو من طوّر علم البصريات بشكل هام.
وتُرجم كتابه الشهير "المناظر" إلى اللاتينية في القرن الثالث عشر.

وكان الرازي" أشهر وأكبر أطباء الإنسانية، وصاحب كتاب "الحاوي".
وهو أول من وصف تضيّق الحدقة نتيجة تعرضها للنور.

و ذكر حادثة طريفة حيث أصيب "الرازي" في آخر حياته بالساد فجيء له بكحال لقدحه فسأله عن تشريح العين فلم يعرف فرفض "الرازي" أن يجري له العملية. ويُقال إنه رفض العملية قائلاً:
«إنني رأيتُ في الحياة ما فيه الكفاية».

كما حدثنا "د. أنطاكي" عن تجميل العيون عبر التاريخ:
«فقد تنبهت النساء منذ أقدم العصور إلى أن إضافة مساحيق سوداء إلى الرموش وحواف الأجفان وطلاء الأجفان ببعض المساحيق الملونة، يضفي جمالاً على جمال وسحراً على سحر لإبراز هذه اللآلىء التي رصع بها الخالق وجوههن. فلقد استُعمِلَت أدوات التجميل منذ ثلاثة آلاف سنة قبل الميلاد وعند المصريين القدامى.

وقد بلغ التزيُّن أوجه في عهد "كليوبترا" في القرن الأول قبل الميلاد.
ويُقال أن "كليوبترا" كانت أول امرأة ألفت كتاباً عن الاعتناء بجمال المرأة
وابتكرت وصفاتٍ للتجميل.

وكانت أهم وسائل التجميل آنذاك الحنة والكحل. الحنة لصبغ أطراف الأصابع
وباطن الكف وأصابع القدمين، والكحل لتجميل الحواجب والجفون.
ولعل المصريين الفراعنة هم أول من ابتكروا الكحل ومارسوا فن التكحل،
وترى ذلك جلياً في نقوشهم للملكة "نفرتيتي" والأميرة "نفرت".

وكلمة كحل تعني"كبريت الأنتموان" أو "الأثمد" وهو أسود.
ولا شك أنه كان يُستعمل لتجميل العين وعلاجها في آنٍ واحد.

وقد استعملت "كليوبترا" الماسكارا واستعملت الأزرق للجفن العلوي والأخضر للجفن السفلي.
كما أن الكحل استعمل في بلاد "سومر" كوسيلة لإظهار العين أكبر وأجمل».

أما عند العرب فقد عُرف التكحيل عند الجواري قبل الإسلام.
وانتشر الكحل بعد الإسلام مع كثرة السبايا وبلغ في العصر العباسي أوجه.
ولم يكن استعمال الكحل في سبيل التَجمُل مقتصراً على النساء،
فكان البدو يستعملونه ويطلون به أطراف الجفون لدرء البهر من شمس الصحراء.
كما كان يُستعمل لعلاج الرمد.

ومن هنا أتت العديد من الأمثال المتعلقة بالكحل مثل:
"أجا يكحلها قام عماها"
و" بيسرق الكحل من العين".
وحين راجعنا موسوعة "خير الدين الأسدي"
بحثاً عن الأمثال حيث نذكر العين في حديثنا اليومي، فوجدنا:

"للموافقة على شيء ما نقول:
مو على عيني" أو "من عيني هي قبل هي"
أو"تكرم عيونك".
أما للمجاملة فنقول:
"أبوس عينك"، "ياعيوني يا حبيبي"، "يا عيني عليك".

كما يأتي ذكرها ومع الأسف لشتم الناس والإساءة إليهم فيقال:
"يبلاك بالعمى في عيونك"
أو للتهديد "بقلع لك عينك "
وهي عبارات نستنكرها.
أننا نستعمل العين في وصف الناس كأن نقول عن الإنسان المتنبه :
"عيونه عشرة عشرة"
أو للإنسان التائه الشارد "عنده عين في الشرق وعين في الغرب".
ومن الأمثال التي يأتي فيها ذكر العين:

- طعمي التم بتستحي العين

- عينه في الطبق ودانه لمن ذعق

- مات وعيونه بتغزل عالستات

- القرد بعين أمه غزال

- لا عين تشوف ولا قلب يحزن

- عيني فيه وتفو عليه... حبيبي زين واجاه رمد العين.

- كرمال عين تكرم مرج عيون

ومن بساتين الشعراء نجد الكثير مما قيل في العين،
ولقد فتنت العيون ألباب الشعراء والكتاب والفنانين منذ بدايات الأزمان
فتغنوا بها وبسحرها ووصفوها أجمل وصف.

فهذا "جرير" يقول:
إن العيون التي في طرفها حورٌ/ قتلننا ثم لم يحيين قتلانا
يصرعن ذا اللب حتى لا حراك به/ وهن أضعف خلق الله إنسانا

وقال "بشار بن برد":
حوراءٌ إن نظرت إليـ/ ك سقتك بالعينين خمرا

أما صريع الغواني "مسلم بن الوليد" فيقول:
نبارزُ أبطالَ الوغى فنبيدهم / ويقتلنا في السلم لحظ الكواعبِ
ليت سهامُ الحربِ تفني نفوسنا/ ولكن سهام فوِّقت بالحواجب

وهكذا ما انفك الشعراء منذ تلك الأيام إلى الآن
يتغنون بالعيون الجميلة وبسحرها وجاذبيتها.

وفي ختام حديثنا نقول مع من قال في جارة الوادي:
وتعطلت لغةُ الكلام وخاطبت / عينيَّ في لغةِ الهوى عيناكِ..
ولكم تحيات
ماجد البلوي