451 - " من بلغه عن الله شيء فيه فضيلة فأخذ به إيمانا به ورجاء ثوابه أعطاه الله ذلك وإن لم يكن كذلك " .
قال الألباني في السلسلة الضعيفة:

موضوع .
أخرجه الحسن بن عرفة في " جزئه " ( 100 / 1 ) وابن الأبار في " معجمه " ( ص 281 ) وأبو محمد الخلال في " فضل رجب " ( 15 / 1 - 2 ) ، والخطيب ( 8 / 296 ) ، ومحمد بن طولون ( 880 - 953 ) في " الأربعين " ( 15 / 2 ) عن فرات بن سلمان ، وعيسى بن كثير ، كلاهما عن أبي رجاء ، عن يحيى بن أبي كثير ، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن ، عن جابر بن عبد الله الأنصاري مرفوعا .
ومن هذه الطريق ذكره ابن الجوزي في " الموضوعات " ( 1 / 258 ) وقال :
" لا يصح ، أبو رجاء كذاب " .
وأقره السيوطي في " اللآليء " ( 2 / 214 ) ، وأنا لم أعرف أبا رجاء هذا ، ثم وجدت الحافظ السخاوي صرح في " المقاصد " ( ص 191 ) بأنه لا يعرف . وكذا قال فى " القول البديع " ( ص 197 ) .
وأما قول المؤرخ ابن طولون :
" هذا حديث جيد الإسناد ، وأبو رجاء هو فيما أعلم محرز بن عبد الله الجزري مولى هشام ، وهو ثقة ، وللحديث طرق وشواهد ذكرتها في كتابي " التوشيح لبيان صلاة التسبيح " . فهو بعيد جدا عن قواعد هذا العلم .
فإن محرزا هذا إن سلم أنه أبو رجاء ، فهو يدلس ، كما قال الحافظ في " التقريب " وقد عنعن ، فأنى لإسناده الجودة ؟ على أنني أستبعد أن يكون أبو رجاء هو محرز هذا ، لأسباب : منها أنهم ذكروا في ترجمته أن من شيوخه ، فرات بن سلمان ، والواقع في هذا الإسناد خلافه ، أعنى أن فرات بن سلمان هو راوى الحديث عنه ، إلا أن يقال : إنه من رواية الأكابر عن الأصاغر ، وفيه بعد . والله أعلم .
ويؤيد أنه ليس به ، أنني رأيت على هامش " جزء ابن عرفة " : " العطاردي " إشارة إلى أن هذا نسبه ، ولكن لم يوضع بجانبها حرف " صح " إشارة إلى أن هذه النسبة هي من أصل الكتاب سقطت من قلم الناسخ ، فاستدركها على الهامش كما هي عادتهم ، فإذا لم يشر إلى أنها من الأصل ، فيحتمل أن تكون وضعت عليه تبيينا وتوضيحا ، لا على أنها من الأصل ، ولعلنا نعثر على نسخة أخرى لهذا الجزء فنتبين حقيقة هذه الكلمة . والله أعلم .
ثم رأيت الحديث قد أخرجه الحافظ القاسم ابن الحافظ ابن عساكر فى " الأربعين " للسلفي ( 11 / 1 ) من الطريقين عن أبى رجاء به وقال :
" وهذا الحديث أيضا فيه نظر ، وقد سمعت أبي رحمه الله يضعفه " .
ثم أورده ابن الجوزي من رواية الدارقطني بسنده عن ابن عمر ، وفيه إسماعيل بن يحيى ، قال ابن الجوزي : " كذاب " ، ومن رواية ابن حبان من طريق يزيع أبي الخليل عن محمد بن واسع ، وثابت بن أبان ( كذا الأصل ، ولعله ابن أسلم ، فإني لا أعرف فى الرواة ثابت بن أبان ) عن أنس مرفوعا . وقال ابن الجوزى :
" بزيع متروك " .
قلت : قال الذهبي فى ترجمته :
" متهم ، قال ابن حبان : يأتي عن الثقات بأشياء موضوعة كأنه المتعمد لها " .
وقال في " الضعفاء " :
" متروك " .
وفى " اللسان " للحافظ ابن حجر :
" وقال الدارقطني : كل شيء يرويه باطل . وقال الحاكم : يروى عن الثقات أحاديث موضوعة " .
قلت : ومن طريقه أخرجه أبو يعلى ، والطبراني في " الأوسط " بنحوه ، كما فى " المجمع " ( 1 / 149 ) ، وسنذكره بعد هذا . ثم إن السيوطي تعقب ابن الجوزي ، فساق لحديث أنس طريقا آخر فيه متهم أيضا ، كما يأتي بيانه في الحديث الذي بعده ، وذكر كذلك طريقا أخرى لحديث ابن عمر من رواية الوليد بن مروان عنه ، وسكت عنه ، والوليد هذا مجهول ، كما قال ابن أبى حاتم ( 4 / 2 / 18 ) عن أبيه ، وكذا قال الذهبي ، والعسقلاني . ثم إن فيه انقطاعا ، فإن الوليد هذا روى عن غيلان بن جرير ، وغيلان لم يروعن غير أنس من الصحابة ، فهو من صغار التابعين ، فالوليد على هذا من أتباعهم لم يدرك الصحابة ، فثبت انقطاع الحديث .
ومن عجائب السيوطي أنه ساق بعد هذا قصة عن حمزة بن عبد المجيد .
خلاصتها : أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم في المنام فسأله عن هذا الحديث ، فقال : " إنه لمني وأنا قلته " .
ومن المقرر عند العلماء أن الرؤيا لا يثبت بها حكم شرعي ، فبالأولى أن لا يثبت بها حديث نبوي ، والحديث هو أصل الأحكام بعد القرآن .
وبالجملة ، فجميع طرق هذا الحديث لا تقوم بها حجة ، وبعضها أشد ضعفا من بعض ، وأمثلها - كما قال الحافظ ابن ناصر الدين في " الترجيح " - طريق أبي رجاء ، وقد عرفت وهاءها ، ولقد أصاب ابن الجوزي في إيراده إياه في " الأحاديث الموضوعة " ، وتابعه على ذلك الحافظ ابن حجر ، فقال ، كما سبق في الحديث الذي قبله : " لا أصل له " .
وكفى به حجة فى هذا الباب ، ووافقه الشوكاني أيضا كما سيأتي في الحديث الذي بعده .
ومن آثار هذا الحديث السيئة أنه يوحي بالعمل بأي حديث طمعا في ثوابه ، سواء كان الحديث عند أهل العلم صحيحا ، أو ضعيفا ، أو موضوعا ، وكان من نتيجة ذلك أن تساهل جمهو ر المسلمين ، علماء ، وخطباء ، ومدرسين ، وغيرهم ، فى رواية الأحاديث ، والعمل بها ، وفي هذا مخالفة صريحة للأحاديث الصحيحة في التحذير من التحديث عنه صلى الله عليه وسلم إلا بعد التثبت من صحته عنه صلى الله عليه وسلم كما بيناه في المقدمة .
ثم إن هذا الحديث وما في معناه كأنه عمدة من يقول بجواز العمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال ، ومع أننا نرى خلاف ذلك ، وأنه لا يجوز العمل بالحديث إلا بعد ثبوته ، كما هو مذهب المحققين من العلماء ، كابن حزم ، وابن العربي المالكي ، وغيرهم - فان القائلين بالجواز قيدوه بشروط :
منها أن يعتقد العامل به كون الحديث ضعيفا .
ومنها : أن لا يشهر ذلك ، لئلا يعمل المرء بحديث ضعيف ، فيشرع ما ليس بشرع ، أو يراه بعض الجهال فيظن أنه سنة صحيحة . كما نص على ذلك الحافظ ابن حجر في " تبيين العجب بما ورد فى فضل رجب " ( ص 3 - 4 ) قال : " وقد صرح بمعنى ذلك الأستاذ ابن عبد السلام وغيره ، وليحذر المر من دخوله تحت قوله صلى الله عليه وسلم : " من حدث عني بحديث يرى أنه كذب فهو أحد الكذابين " ، فكيف بمن عمل به ، ولا فرق في العمل بالحديث في الأحكام ، أو في الفضائل ، إذ الكل شرع .
قلت : ولا يخفى أن العمل بهذه الشروط ينافي هذا الحديث الموضوع ، فالقائلون بها ، كأنهم يقولون بوضعه . وهذا هو المطلوب - فتأمل .
ثم رأيت رسالة ابن ناصر الدين في صلاة التسابيح التي نقلت عنها تجويده لإسناد هذا الحديث قد طبعت بتعليق المدعومحمود بن سعيد المصري ، وقد شغب فيها علينا ما شاء له الشغب - كما هي عادته - وتأول كلام العلماء بما يتفق مع جدله بالباطل ، ومكابرته الظاهرة لكل قاريء ، ولا مجال الآن للرد عليه مفصلا ، فحسبي أن أسوق مثالا واحدا على ما نقول :لقد تظاهر بالانتصار للتجويد المشار إليه ، فرد إعلالي للحديث بتدليس محرز ، إن سلم بأنه هو أبو رجاء ، فزعم ( ص 32 و33 ) بأن محرزا إنما يدلس عن مكحولا فقط ، وبذلك تأول ما نقله عن ابن حبان أنه قال :
كان يدلس عن مكحول ، يعتبر بحديثه ما بين السماع فيه عن مكحول وغيره .
فتعامى عن قوله : وغيره ، الصريح في أنه إذا لم يصرح بالسماع عن مكحول وعن غيره ، فلا يعتبر بحديثه ، كما تعامى عن قول الحافظ المتقدم : " كان يدلس " ، فإنه مطلق يشمل تدليسه عن مكحول وغيره .
وإنما قلت : تظاهر .... لأنه بعد تلك الجعجعة رجع إلى القول بضعف الحديث فقد تشكك ( ص 36 ) أولا في كون أبي رجاء هو محرز بن عبد الله المدلس وثانيا خالف ابن ناصر الدين بقوله :
ولكن الحديث فيه نكارة شديدة توجب ضعفه ، فإنه يؤدي للعمل بكل ما يسمع ، ولوكان موضوعا أو واهيا ، ما دام في الفضائل .
قلت : فقد رجع من نقده إياي بخفي حنين بعد أن سرق ما جاء في استدراكه الأخير من قولي المتقدم قريبا :
" ومن آثار هذا الحديث السيئة أنه يوحي بالعمل بأي حديث طمعا في ثوابه . . . " إلخ .
أفلا يدل هذا على بالغ حقده وحسده ومكابرته ؟ بلى ، هناك ما هو أعظم في الدلالة ، فانظر مقدمتي لكتابي " آداب الزفاف " طبع المكتبة الإسلامية في عمان ، تر العجب العجاب .
والخلاصة : أن العلماء اتفقوا على رد هذا الحديث ما بين قائل بوضعه أو ضعفه ، وهم : ابن الجوزي ، وابن عساكر ، وولداه ، وابن حجر ، والسخاوي ، والسيوطي ، والشوكاني ، ( وهم القوم لا يشقى جليسهم ) .

وأما الطريق الأخرى التي سبقت الإشارة إليها من حديث أنس ، فهي :


452 - " من بلغه عن الله فضل فأخذ بذلك الفضل الذي بلغه ، أعطاه الله ما بلغه وإن كان الذي حدثه كاذبا " .
قال الألباني في السلسلة الضعيفة:.
موضوع
أخرجه البغوي في " حديث كامل بن طلحة " ( 4 / 1 ) ، وابن عبد البر في " جامع بيان العلم " ( 1 / 22 ) ، وأبو إسماعيل السمرقندي في " ما قرب سنده " ( 2 / 1 ) ، وابن عساكر في " التجريد " ( 4 / 2 / 1 ) من مخطوطة الظاهرية مجموع ( 10 / 12 ) من طريق عباد بن عبد الصمد عن أنس مرفوعا .
قلت : وعباد متهم ، قال الذهبي :
وهاه ابن حبان وقال : حدث عن أنس بنسخة كلها موضوعة .
ثم ذكر له الذهبي طرفا من حديث ثم قال : فذكر حديثا طويلا يشبه وضع القصاص ، ثم ذكر له آخر ثم قال : فهذا إفك بين .
قلت : ومع أن ابن عبد البر قد ذكر الحديث بإسناده وذلك يبرئ عهدته منه ، فقد اعتذر عن ذكره بقوله :
أهل العلم بجماعتهم يتساهلون في الفضائل فيروونها عن كل ، وإنما يتشددون في أحاديث الأحكام ، وقد تعقبه المحقق الشوكاني فأجاد ، فقال في " الفوائد المجموعة " ( ص 100 ) :
وأقول : إن الأحكام الشرعية متساوية الأقدام لا فرق بينها ، فلا يحل إذاعة الأصل : إضاعة شيء منها إلا بما يقوم به الحجة ، وإلا كان من التقول على الله بما لم يقل ، وفيه من العقوبة ما هو معروف ، والقلب يشهد بوضع ما ورد في هذا المعنى وبطلانه ، وقد روي الحديث بلفظ آخر ، وهو :

453 - " من بلغه عن الله فضيلة فلم يصدق بها لم ينلها " .
قال الألباني في السلسلة الضعيفة:

موضوع .
رواه أبو يعلى في " مسنده " ( 6 / 163 ) وابن عدي في " الكامل " ( ق 40 / 2 ) عن بزيع أبي الخليل الخصاف عن ثابت عن أنس مرفوعا ، وقال : لا أعلم رواه غير بزيع أبي الخليل .
قلت : وهو متهم بالوضع كما تقدم قبل حديث ، وذكره الهيثمي في " المجمع " ( 1 / 149 ) من حديث أنس وقال :
رواه أبو يعلى ، والطبراني في " الأوسط " ، وفيه بزيع أبو الخليل وهو ضعيف .قلت : بل هو متهم ، كما قال الذهبي ، وتقدمت عبارة ابن حبان وغيره في ذلك قبل حديث .