وحنا في انتظارك ... اخوي موسى
موسى بن ربيع
يعطيك العافيه اخي الغالي
الله يعطيكـ العافيه يا اخي الغالي سليمان الجذلي على هذا التوقيع
وجعله الله في موازين حسناتك
وحنا في انتظارك ... اخوي موسى
اللهم ارحم والدي واغفر لهما
الله يعطيك العافية أخ / موسى البلــــــــــــويالمشاركة الأصلية كتبت بواسطة موسى بن ربيع البلوي
وأعجبتني جداً طريقة شرح المدرس لهم في اللغة العربية (أفكر أطبقها على الطالبات)![]()
وصــــــــــدق الكاتب في قوله /
رعى الله تلك الأيام ببساطتها و عفويتها ، و بالروابط الإنسانية التي كانت تربط المطوف بحجاج بيت الله .
بارك الله فيكم وبإنتظــار البقية ..
إنْ تَلَبَّسَ قَلَمِيْ فِيْ يَوْمٍ مَاْ رِدَاْء الأَنَاْنِيْةِ 00سَأَكْسُرُه00( العَاصِفْة )
أخي / ابن بطيحان .. شكراً و تابعنا .
أخي فايز / دائما متواجد .
أختنا / عاصفة الشمال .. لقد أبحرت مع كتاب الدكتور كثيراً و قد لامس كثيراً من طعم الذكريات .
شكراً لك إضافتك و تعقيبك .
...............
شكراً للجميع التواجد و المتابعة .
و في إحدى السنوات مع بداية الخمسينيات الميلادية بلغ السيل الزبى و طفح الكيل بالوالد . في ذلك الموسم جاءتنا مجموعة من الحجاج كان لبعض أفرادها آراء محددة في شعائر الحج لا تقبل النقاش ، و اشتراطات لا يسهل تلبيتها . و بلغ الاختلاف في وجهات النظر حداً أدى بالوالد إلى أن يعلن لحجاجه بأنه تارك للطوافة إلى الأبد ، و على الحاضر أن يعلم الغائب بهذا القرار و قبل أن يعلن عن قراره ذلك جمعنا ، أسامه و هو ابن اثني عشر عاماً و أنا بعد في العاشرة ، لكي يأخذ رأينا في قراره حتى لا يقول أحدنا فيما بعد إننا حرمنا من الطوافة و ما تحمله من رزق .
قبل وفاة الوالد سألته عن شعوره إثر اعتزاله الطوافة ، و هو يرى موسم الحج يموج بالحركة و النشاط .قال : إنه كان شعوراً ممضاً تغلب عليه بالانكباب على تأليف كتابه ( تاريخ مكة ) .
حديث الذكريات يجرني إلى الحديث عن ملامح المجتمع المكي قبل نصف قرن ، كانت الحياة امتداد طبيعياً لمئات خلت من السنين ، البيت الكبير الذي يضم بين جنباته أكثر من جيل ، و الروابط الأسرية القوية ، و الحياة البسيطة التي لم تعرف بعد الكهرباء و روافدها ، و فجأة تبدأ عجلت التغيير في الدوران ، ببطء في البداية ثم يتسارع إيقاعها . تدخل الكهرباء فتغير وجه الحياة ، و تسهم وسائل النقل الحديث في وصل مجتمع مكة التقليدي بالمجتمعات الأخرى المحيطة به .ويتسع العمران في أرجاء المملكة و تنداح دائرته ، و ينزح أبناء مكة إلى حيث أسباب الرزق .
قبل أن تتسارع عجلة التغيير كنا نعيش كما عاش أجدادنا و آباؤهم ، تضيء أمسياتنا الثريات ، و الفوانيس و الاتاريك ، و نعد طعامنا على مواقد الفحم و الغاز و نجلب الماء إلى بيوتنا في قرب السقاءين و صفائحهم و نتبرد في أيام الصيف القائظ بالشراشف نبللها بالماء و نلتحف بها .
أمسيات الصيف الحارة نقضيها على الأسطح ، و قد يخرج الرجال إلى ضواحي مكة للسهر و المبيت .
درجنا على أن نتحسر على الأيام الخالية ، و قد يعزو البعض ذلك إلى حنين الإنسان إلى ماضيه . و لكني أضيف بان أيام زمان كان لها طعم و لون و رائحة .
كان سكان الحي أكثر تآلفاً مما عليه اليوم ، أذكر عندما انتقلنا من بيتنا في حارة الشامية إلى بين آخر في قاعة الشفا أننا أمضينا أياماً لا نوقد في بيتنا ناراً لإعداد الطعام ، فقد كان الجيران يتناوبون إرسال الطعام إلينا .و أرانا اليوم نسكن الحي من أحياء المدينة فيمضي الشهر و يتلوه شهراً آخر و الجار لا يكاد يعرف جاره ، فالكل مشغول بنفسه .
كان أصدقاء الوالد ( البشكة ) يمضون أمسياتهم في بيتنا ، جلسات سمر تزخر بأحاديث الأدب و الشعر و قضايا المجتمع ، و لا ينقضي الشهر إلا وقد أجمعوا أمره على ( خرجة ) إلى ضاحية من ضواحي مكة يمضون فيها الليلة و الليلتين . و نحن الصغار في ركابهم .كم شهدت حدة و بحرة و وادي فاطمة و الجموم و الخرار ، من ليالي السمر . و كم صدحت في جنباتها الآنسة، و إذا قيل الآنسة فهي أم كلثوم في حفلاتها الشهرية .
كانت ( بشكة ) الوالد يتميز أفرادها بشيء غير قليل من الثقافة العامة و الاهتمام بشؤون الأدب و الفكر ، فكانت مناقشاتهم تثير مخيلاتنا نحن الصغار ، فإذا فرغوا منها التفوا حول نديم لهم يضفي على مجلسهم ألوناً من الفكاهة و المرح ، نديم ( البشكة ) الشيخ أحمد البصام أعجوبة عصره في خفة ظله و قدرته على التمثيل و المحاكاة و رواية الحكايات و النوادر و الطرف ، موهبة فطرية لا أخالها تتوفر في أكثر الفنانين المعاصرين ، زرته و أخي أسامة قبل سنوات و قد تجاوز الثمانين من العمر ، فأمضينا معه ساعة من زمن نستمع إلى رواياته و حكاياته و كأننا في عالمٍ مسحور .
أحد وسائل الترفيه في هذه الأمسيات كانت السينما شبه الصامتة ، ذلك أن الفلم تنصب لعرضه ملاءة بيضاء ، و آلة العرض تعمل على موتور كهربائي متهافت ، يكفي لعرض الصورة أو إبراز الصوت ، و يقع الاختيار على الصورة فيستمتع الجمع بلون من ألوان السينما الصامتة .
تهل علينا أيام عيد الفطر و نحن صبية صغار فنروح نزهو كالطواويس بثيابنا الجديدة ، نزور مع أبائنا بيوت الأقارب و الجيران و كل سنة و انتم طيبون . مهمة ثقيلة لا يخفف منها إلا ما نحشو به جيوبنا من حلويات و قروش العيدية ، فإذا إذن لنا انفلتنا مسرعين إلى برحة أبن عباس أو برحة القزاز في الطائف ، نصرف قروشنا تلك التي جمعناها على ( المدارية ) و ( المراجيح ) و ( الطراطيع ) .
أنظر اليوم إلى أعيادنا و قد استبدلنا بالزيارات المحادثات التليفونية و بطاقات المعايدة و الفاكسات و أخيراً الرسائل الالكترونية . و أنظر فأرى أطفالنا متقرفصين بالساعات أمام الفضائيات و الانترنت تنقلهم إلى عوالم من حيال بعيداً عن التآلف الاجتماعي الذي كانت تتيحه لنا ( أيام زمان ) .
أيام الزفاف مناسبات يلتقي فيه الأهل و الجيران و الأصدقاء . الساحة أمام البيت تصطخب بالحركة و الحياة . في طرف منها يجمع ( الرفد ) من الخرفان و أكياس الرز و الدقيق و صناديق الشاي ، هدايا الأهل و الخلان . و في الطرف الآخر ينصب الطباخ و مساعدوه أدواتهم يعدون ولائم العرس . و البيت تتلألأ غرفة و أبهاؤه بالأتاريك العلاقي أو لمبات الكهرباء و الأطفال يتسابقون و الكبار يتسامرون .
و اليوم ألقت صالات الأفراح و الفنادق بظلالها على هذه الصورة الحية النابضة و حولت ليالي الفرح إلى لقاء ، فعشاء ، فوداع .
مرة أخرى لست أفاضل ، و لكني أعود فأقول إن ( أيام زمان ) كان فيها عطر و مذاق جميلان .
انتقل إلى جانب آخر من جوانب الحياة أيام زمان . الراديو ( أبو بطارية ) بدأ يدخل بيوتنا على استحياء ، ثم أصبح له مركز الصدارة .
حوله تتحلق الأسرة و يرهف له الكبار السمع ، عل بيتنا كان من أوائل البيوت التي أدخلت الراديو في مكة . إذ كان والدي يستعين به في تسجيل نشرات الأخبار تلقى بالسرعة الإملائية فينقلها إلى صحيفته صوت الحجاز .
نشأت في بيت فيه مكتبة حافلة ، فكان من البديهي أن أغدو ( دودة كتب ) غذى الوالد رحمه الله نزعة القراءة و اقتناء الكتب فيّ و في أخي أسامه ابتكر لنا حصالات من صناديق صغيرة ندخر فيها القرش و القرشين من مصروفنا اليومي ، نصرفها في نهاية الشهر في شراء كتاب .لم يكن الوالد يهتم بواجباتنا المدرسية اهتمامه بقراءتنا ، و عله يعكس في ذلك تجربته الشخصية ، فدراسته لم تتعدى الابتدائية ن و لكنه ربى نفسه و ثقفها بالقراءة الحرة .كان يشرف على قراءتنا و يوجهها ، و يعنى بشرح ما غمض علينا منها ، كما كان يشجعنا على الكتابة و يصحح أخطاءنا فيها . لم يتردد قط في إعطائنا ما يزيد عن مصروفنا اليومي لشراء كتاب . المرة الوحيدة التي لم يشجعني فيها على شراء كتاب عندما عرف أنه ( بدائع الزهور في وقائع الدهور ) و عندما قرأت الكتاب بعد سنوات وجدته مليئاً بالخزعبلات و الأساطير فعذرت الوالد .
مع نهاية الدراسة الابتدائية كنت قد قرأت روايات تاريخ الإسلام لجورجي زيدان ، و عدداً لا بأس به من البطولات الأسطورية لعنترة بن شداد ، و سيف بن ذي يزن و الأميرة ذات الهمة . كانت الحكاية تستغرقني و تأخذني معها إلى عالم مسحور من الخيال فأغيب فيه عن الواقع .
بطلي المفضل كان فيروز شاه بن الملك ضاراب . كيف لا و هو يتصدى وحده للجيش اللجب فيفنيه عن آخر ، و إذا نزل بسيفه على عدوه شطره و فرسه إلى نصفين . و لم تكن حبيبته عين الحياة لتقل عنه شجاعة و إقداماً ، فوحدها كانت تتصدى لمائة رجل أو يزيدون مدججين بالسلاح .
في الستينات الميلادية عثرت على نسخه من هذه الملحمة الأسطورية في القسم العربي بمكتبة ميونخ في ألمانيا ، فاستعرتها و حاولت أن أسترجع طفولتي بقراءتها ، و اعترف بأني عجزت عن الاستمرار في القراءة بعد الصفحات الأولى ، فقد صدمني اللامعقول .
في مرحلة تالية انتقلت إلى روايات الجيب و عشت مع أبطالها ردحاً من الزمن ، يأتي على رأسهم أرسين لوبين اللص الظريف الذي يأخذ من الأغنياء ليعطي الفقراء . روبين هود العصر الحديث . كم كان يثير خيالي باقتحاماته و جراءته و شجاعته ، و علّي كنت أعوض هزالي و ضعفي البدني يوم ذاك بما كان يتميز به الأبطال الأسطوريون من قوة و اقتحام .
كانت القراءة السمة الغالبة بين الفتية في جيلي ، هي ملهاتنا و تسليتنا ، تجمعنا منتديات و لقاءات يأتي على رأسها المسامرات الأدبية تعقد مساء كل خميس بعد صلاة المغرب في مدرسة تحضير البعثات ، يتبارى فيها المدرسون و الطلاب في تقديم المسرحيات و إلقاء الأشعار ز الأزجال و الخطب .
و إلى جانب المسامرات الأدبية كانت تجمعنا ندوات سندباد . لا أدري كيف بدأت فكرتها ، و لكننا وجدناها و قد انتشرت في كل حي م أحياء مكة ، يجتمع في منتدياتها الصبية و الفتيان يتحاورون و يتساجلون ويتبارون في إلقاء الخطب و عرض مسرحيات بدائية ينقصها التوجيه .
يتبع ...
التعديل الأخير تم بواسطة موسى بن ربيع البلوي ; 03-14-2006 الساعة 11:36 PM
فاحــــــــت من خلال سطوره روعة الذكريات الجميلــــــــة
مُتــــــــــــابعين أخي / موســــــــــى البلوي
بانتظـــــــــــــار البقية ... مع خالص الشكــــــــــر.
التعديل الأخير تم بواسطة عاصفة الشمال ; 03-16-2006 الساعة 12:04 AM
إنْ تَلَبَّسَ قَلَمِيْ فِيْ يَوْمٍ مَاْ رِدَاْء الأَنَاْنِيْةِ 00سَأَكْسُرُه00( العَاصِفْة )
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)
المفضلات