وعن البعد الإعلامي لإثارة القبلية أكد الدكتور الحمود على أن علماء الإعلام والاتصال الانساني لا يختلفون حول حقيقة التأثير الثقافي والاجتماعي لوسائل الإعلام والاتصال على اتجاهات الناس وسلوكياتهم، على الرغم من اتفاقهم حول صعوبة قياس ذلك التأثير الناتج عن التعرض للمضامين الإعلامية والاتصالية.
وقال: من هنا، يمكن الإقرار بأن كل ما يهدد مصلحة "المجموع الوطني" يعد أمراً خطيراً ينبغي مواجهته وترشيده، وإذا كان الصالح الوطني في الحفاظ على القواسم المشتركة بين أبناء الوطن الواحد، فأن قيام وإنشاء وسائل إعلام تخدش تلك القواسم، وتسعى لإضعافها في مقابل بناء أطر أخرى تستند إلى المفهوم التقليدي للمجتمع الإنساني، وتقوم على الأبعاد القبلية يعد أمراً خطيراً جداً.
وأضاف أنه سواء كانت وسائل الاتصال من الوسائل الحديثة كالفضائيات أو المواقع الالكترونية، أو كان نشاطاً تقليدياً كالمراهنات والمهرجانات ونحوها مما يقوم على أسس قبلية أو عرقية لا تجمعها المصلحة الوطنية الكلية، فإن النواتج ستكون تهديد محتمل للوحدة الوطنية.
وأشار إلى أن قراءة أشكال ومضامين عدد من وسائل الإعلام ذات النزعة القبلية تؤكد أن الإطار "المصلحي" لتلك المشروعات يقوم على ذات الإطار الذي تشكلت فيه القبلية في زمن مضى، وإذا كان العداء بين القبائل يقوم عندما يتم تهديد مصالحها الذاتية، فإن منافذ الإعلام المشابهة تقود الشيء ذاته.
وقال الدكتور الحمود إنني أعتقد أن ضعف الخبرات العربية بشكل عام في حماية ورعاية "الصالح الوطني الكلي" وراء ظهور بعض السلوكيات المهددة لذلك الصالح، ربما بحسن نية، ولكن بالتأكيد هو استناد للمخزون الأكثر ترسخاً في أعماق "العربي" وهو المخزون القبلي في مقابل "فكرة" المجتمع أو "الوطن" التي قد لا تكون بذات الرسوخ والعمق في الذات العربية.
الفزعة القبلية بين الطلاب
ومن جانب آخر شهدت بعض المدارس في التعليم العام تزايداً ملحوظاً للنعرات القبلية بين الطلاب، حيث امتدت هذه المواقف من الكتابة على طاولات الدراسة وجدران المدرسة وتبادل الألفاظ داخل الفصل لتصل إلى حد الاشتباكات بالأيدي بين بعض الطلاب خارج أسوار المدرسة، مستخدمين في ذلك بعض الآلات الحادة والعصي، لتتحول هذه الألفاظ والنعرات القبلية إلى قضايا جنائية بين عدد من الشباب المراهقين الذين لم يعوا خطورة ما أقدموا عليه، ولم ينههم أحد عن سوء هذا العمل.
وفي هذا الخصوص يقول الأستاذ محمد بن عبدالله الجضعي المرشد الطلابي بمتوسطة عمورية بحي العريجا - غرب مدينة الرياض -، ان ظاهرة إثارة النعرات القبلية بين الطلاب موجودة، ولا يمكن انكارها ولكنها تختلف من مرحلة دراسية وأخرى، ومن مدرسة لأخرى بحسب طبيعة التنشئة الاجتماعية للطلاب وسكان الحي الذي يقطنونه.
وأضاف: ان النعرات القبلية بين الطلاب تتركز غالباً في الافتخار بالقبيلة التي ينتسب إليها الطالب، والانتقاص من قيمة القبيلة أو القبائل الأخرى، وهو مما يثير حفيظة البعض، ليبدأ تبادل الألفاظ وتنتهي ب "المضاربات" خارج سور المدرسة.
وأشار إلى ان الاشتباك لا يقف بين طالب وآخر، وإنما يمتد بسبب "الفزعة" ليشمل عدداً من الطلاب الذين ينتسبون لكل قبيلة.
وقال: قبل عدة أيام حضر إليّ ولي أمر أحد الطلاب ليسأل عن ابنه ومستواه الدراسي، وأخبرته انه ابنه جيد دراسياً، ولكن مشكلته أن لديه نزعة قبلية مفرطة تجعله يقبل في كل وقت "نداء الفزعة" من أبناء عمومته وقبيلته الموجودين في المدرسة، وذلك عند الاشتباك مع أي طرف خارج المدرسة، مشيراً إلى أن والد الطالب رد عليه قائلاً: ما ذكرته صحيح، وهذا ما أعانيه من ابني، حيث حصل له حادثان بسبب "الفزعة القبلية" الأولى كسر في اليد، والأخرى في القدم، وأنا أخشى عليه من عواقب هذا النوع من الفزعات في المرات المقبلة.
وأضاف الجضعي من هنا يتضح خطورة ترسيخ المفاهيم الخاطئة حول القبيلة والقبلية في المجتمع، مؤكداً على ان لكل انسان الحق في ان يعتز بقبيلته، ولكن لا تصل إلى حد الانتقاص من الآخرين، أو التفاخر عليهم، أو الاساءة إلى أحد سواء باللفظ أو الاعتداء الجسدي، مشيراً إلى ان الدين الاسلامي نهى عن العصبية القبلية، فالرسول صلى الله عليه وسلم حذر من ذلك، وقال "دعوها فانها ممتنة".
وأشار إلى أن واجبنا في الارشاد والتوجيه داخل المدرسة ان نوعي الطلاب من خطورة العصبية القبلية، كما نستدعي أحياناً لبعض منهم ممن لديه نزعة قبلية مفرطة ونتناقش معهم، ونبين لهم خطورة ذلك عليهم شخصياً وان العصبية للقبيلة هو في الواقع يسيء إلى القبيلة التي ينتسب إليها الطلاب، كما يسيء إلى الوطن الكبير الذي نحتمي في ظله جميعاً كمواطنين نفخر بوحدتنا.. وتكاتفنا.. وتعاوننا على البر والتقوى.. وكل ما يخدم مجتمعنا في حاضره ومستقبله.
غداً.. الحلقة الثالثة