قطوف من سيرة عالم
د. محمد بن سعد الشويعر
العالم هو الشيخ الفاضل إمام الحرم الشريف حقبة من الزمن ورجل العلم والتربية، عبدالله عبدالغني خياط وبين يديّ كتابان: الأول: (لمحات من الماضي) يمثل سيرة حياته، وعمله ومن ارتبط به من العلماء، وهو بقلمه وأصدق السير ما كان بخط المترجم له، أو إملائه، يقع هذا الكتاب في (399) صفحة من القطع المتوسط، مع الفهارس، صادر عن دارة الملك عبدالعزيز بالرياض برقم (154).....
....الثاني: (الشيخ عبدالله عبدالغني خياط الخطيب في المسجد الحرام) من تأليف محمد علي حسن الجفري، صادر عن مؤسسة عكاظ للصحافة والنشر، ضمن سلسلة الأعلام، التي تتبناها عكاظ، ويقع الكتاب في (158) صفحة من القطع الصغير، ولم يوضع له رقم، فكأنه سلسلة شهرية لكن جاء في صفحة الغلاف اليمنى الداخلية إعلان من سلاسل عكاظ الأربع وهي: الأعلام والترجمة وكتاب الأسرة، والكتاب التوثيقي، وتحتها عبارة يجوز الاقتباس أو النقل من هذا الكتاب شريطة الإشارة إلى المصدر..
ولا شك أن الشيخ عبدالله خياط، رحمه الله، من الأعلام الشهيرة، وله مكانة في النفوس، ومحبة في سماع صوته بقراءته المسجلة المتميزة، وكُلٌّ يحب أن يعرف شيئاً عن هذا الشيخ الذي أنزل الله محبته في قلب من يعرفه، ورآه، ومن لا يعرفه إلا بالذكر وهذه - إن شاء الله - من البشارة للمؤمن، ولكن ماذا نأخذ، وماذا ندع، من حديقة ملأى بالزهور؛ يقول الجفري: وبعد فهذا رجل قضى في مجال التعليم سبعين سنة، فهو بحق أستاذ الأستاذة وتخرج على يديه الأمراء ولكنه اختار لنفسه التعريف التالي: كان إماماً وخطيباً للمسجد الحرام مدة ثلاثين عاماً، فذلك شرف ليس بعده شرف، وكان قارئاً للقرآن الكريم، بترتيل جميل يشجي القلوب، ويحرك الشعور، وكان داعية إلى الله بحكمة ولين، كل ذلك وهو قد ارتبط بالمسجد الحرام في مكة المكرمة، منذ نعومة أظفاره (ص 11 - 13).
وعندما رشحه طاهر الدباغ مدير المعارف العالم مديراً لمدرسة الأنجال بالرياض كان الدباغ يزور المدرسة الفيصلية التي يعمل فيها الشيخ عبدالله خياط، ويتفقد أوضاعها، ويراقب مديرها عبدالله الخياط، كان بين الدباغ وإبراهيم الشّورى نوع من الحساسية، بحكم عملهما في مجال واحد، فاستدعى السيد الدباغ، الشيخ عبدالله وقال له: قيل لي إنك محسوب على الشورى، - لأنه سلفه في الإدارة - ولكني لم أرَ منك إلا خيراً، طوال سنوات تعاملي معك.. فأوضح لي: فقال الشيخ عبدالله الأستاذ الشّورى: هو أستاذي وتتلمذت عليه، ومن حقه عليَّ أن أفي بعهده، وأن أخلص لشخصه، أما سيادتكم فرئيسي ومن واجبك عليَّ أن أتعاون معك، ولا أخرج عن أمر فيه مصلحة للمدرسة، رأيْتَه فأمرت به.
فرشحه بعد هذه الإجابة لإدارة مدرسة أنجال الملك عبدالعزيز بالرياض لكنه تردد فاستشار صهره والد زوجته الشيخ: محمد عبدالرزاق حمزة، فقال له: الحركة بركة والماء الراكد لا يبرح أن يتعفن، وإن بقاءك في الحجاز كمدير مدرسة، لا يرفع من شأنك، فاحزم أمرك، وتوكل على الله، ولن يخيِّبك الله أبداً. وكان ذلك في عام 1356هـ (ص 63 - 64).
وعندما يتحدث عن نفسه، فإنه يضع صورته بيده كما قال الجفري: حيث يقول: ولدت بمكة عام 1326هـ، من أصل عربي، يعود إلى مدينة حلب بالشام، ودرست العلوم الأولية في مدرسة الخياط بمكة على عهد الحكومة الهاشمية، درست المنهج الثانوي في المدرسة الراقية، وحفظت القرآن في المدرسة الفخرية، التحقت بالمعهد السعودي بمكة، وأخذت الشهادة منه عام 1350هـ، أول وظيفة عضو في هيئة الأمر بالمعروف بمكة ثم الإدارة للمدرسة الفيصلية بمكة فإدارة مدرسة أنجال الملك عبدالعزيز ووكيلاً لكلية الشريعة بمكة، وخطيباً للمسجد الحرام عام 1373هـ، فعضواً في هيئة كبار العلماء بتاريخ 8-7-1391هـ صدر لي عدة مؤلفات - ذكر بعضها - (ص 89).
أما كتابه (لمحات من الماضي) فقد تصدّره تقديم من دارة الملك عبدالعزيز، رحمه الله، تشيد فيه بمكانة الشيخ عبدالله والأهمية في اختياره من منشورات الدّارة، تلاه تعريف بالكاتب والكتاب بقلم عضو مجلس الشورى الدكتور عبدالعزيز بن الشيخ عبدالله وأورد شواهد على مكانته عند الملك عبدالعزيز وأنجاله ومن ذلك ما نقله عن مقال لسمو الأمير نايف نشر في عكاظ ومنه: (إن فضيلة الشيخ الجليل عبدالله خياط، كان معلماً وأباً لي ولكثير من أبناء الوطن فقد علمني أموراً في ديني ودنياي.. رحم الله الملك عبدالعزيز، حين اختاره معلماً لأبنائه، ولقد أدركت أخيراً حسن الاختيار وأهدافه، فقد كان فضيلته - رحمه الله - سلفياً عالماً وصادقاً في كل حياته، ونظيفاً كالثلج في قمم الجبال).
هذا نموذج لمشاعر أبناء الملك عبدالعزيز النبيلة تجاه معلمهم، وهو ليس بمستغرب عليهم فقد تربوا في بيئة نقية، أساسها الوفاء ومكارم الأخلاق (ص 10).
أما المقدمة بقلمه فقال: هذه اللمحات ولا أقول الذكريات لأن الذكريات أكثر شمولاً، استيعاباً لشتى الاتجاهات تصور واقع رجل وهن منه العظم، وبلغ من الكبر عتياً، شرب من كأس الحياة حلوه ومرّه، فكان مع الحلو من الشاكرين، ومع المرّ من الصابرين.. ثم قال: عاصر خمسة من ملوك آل سعود، أسود الشّرى، وحماة الحمى، فحظي بتقديرهم جميعاً وصحب الأمراء صحبة المُعلِّم للمُتعلِّم، وكان له معهم مواقف، لا تغيب عن ذهنه أبداً، كانت التضحية فيها شعار المعلم والمتعلم.
جالس العلماء وأخذ عن علمهم، وخالط الأدباء فاقتبس من أدبهم، وكان من ثمار ذلك أن شارك العلماء في أرفع مجالسهم الوظيفية، وشاطر الأدباء في مجالاتهم الأدبية، فكانت له جولات علمية أدبية في جميع وسائل الإعلام في الخطابة والصحافة والإعلام، وانتهى به الأمر إلى الانطواء والعزلة لست أدري أكان ذلك بسبب تقدمه في السن فقد انصرف عن المجاملات، والمحاولات في الجري وراء الشهرة، والحرص على حبِّ الظهور كدأب الناس أو أكثرهم، أخذاً بقول الشاعر في شطر بيته (ونبه الناس إلى رتبتك)، أم كان الانزواء والانطواء قناعة بالماضي، ولترك الشوط لغيره؟. فلكل زمان رجال ومع انزوائه وانطوائه ما برح يعلل النفس بالآمال الطويلة العريضة في الحياة (ص 20).
وقد جعل الفصل الأول: عن النشأة والتعلم والفصل الثاني عن إطار الحياة العملية، حيث صدر الأمر في 12-2-1352هـ إسناد إدارة المدرسة التحضيرية بحارة الباب إليه.. ثم تدرّج من مدرسة الاصطياف إلى إدارة مدرسة الأمراء بالرياض، وتحدث عن عمله في هذه المدرسة عاماً فعام من 1356هـ - 1372هـ كتقرير مفصّل.
وارتبط حديثه عن الطريق من الحجاز في مكة إلى نجد في الرياض، بصعوبته ذلك الوقت، إلى ما علق بذهنه عن حركة الإصلاح الديني، الذي قام به الإمامان: محمد بن سعود، ومحمد بن عبدالوهاب، وترحَّم عليهما ودورهما في الحماس لنشر السلفية، وتنقية العقيدة مما علق بها لأنه رحمه الله سلفي، يأسى على من يميل عن السلفية، ونقاوة العقيدة ص 76.
ورغم أن سفره في السيارات إلا أنه لم يعزب عن باله المعاناة في طريق صحراوي كثير الرمال، وسيارات عرضة للعطل مع حرارة الصيف.
وفي الفصل الثالث: انطباعات ومشاعر حيث لا ينسى المعروف إلا لئيم، والعواطف التي عناها من الملوك الخمسة فقد غمره بعواطفهم وسخائهم، وأحبوه وأحبهم، وقد أفاض في هذا الجانب ص 253 - 280، وهذا من الاعتراف بالفضل لأهل الفضل.
من حذق جالينوس
جاء في كتاب آداب الملوك لأبي منصور: عبدالملك بن محمد الثعالبي: أن جالينوس اليوناني كان يجمع إلى حِذقه، بعلاج الأبدان من أمراضها، الحذق بعلاج الأخلاق، من أدوائها، وله مقالة في تعريف الإنسان عيب نفسه عمدتها أن يختار صديقاً لبيباً، ناصحاً راجح العقل وافر الحلم.
فيوليه تصفح أحواله، وتتبع أعماله، ليمضي منها له الحميد، ويرده عن الذميم والملوك أحوج إلى هذا من الرَّعايا، لأن أوامرهم ممتثلة، وبوادرهم غير مستدركة، ومعارضتهم لا تسهل، وردهم عن النَّزوات والجمحات، لا يمكن، وبهذا السبب قرَّب فضلاؤهم أهل العقول، واختصوا أولي الألباب، وجعلوهم كالأزمّة، لينهوهم عن منكرات الأمور ويرشدوهم إلى معروفاتها، وليضيئوا لهم في ظل الحيرة، ويكشفوا عنهم لكْنة الشبهة.
وليس يستغني عنهم أحد منهم، وإن كان زائداً في الفضل عليهم لأنه إذا اشتهى الشهوة المحظورة أو تحركت له الشهوة المحذورة فقد دخلت عليه آفة في رأيه، يحتاج معها إلى من يداويه منها، كما يحتاج إلى من يعالجه عند العلة التي تعرض لبدنه.
وإذا كان الإنسان قد علم أنه مركب من شيئين: أحدهما: شريف وهو النفس والآخر دنيء وهو الجسم، فاتخذ للدنيء منها أطباء يعالجونه، من أمراضه التي تعروه، ويواظبون عليه، بأقواته التي تغذّيه، ويتعاهدونه بأدويته التي تنقيه، ويريك أن يفعل بالشيء الشريف، مثل ذلك فقد أساء الاختيار عن بينة، وأتى بالغلط على بصيرة، وأطباء هذه النفس هم الأفاضل، وأقواتها الغادية، هي الآداب المأخوذة عنهم وأدويتها المنقية هي النواهي، والمواعظ المسموعة منهم (آداب الملوك 195 - 196).
http://213.136.192.26/2007jaz/jun/22/ar6.htm
المفضلات