هل صار الولاء والبراء محرجا ؟


الشيخ عبدالعزيز ال عبداللطيف



لا يزال التغيير "المرتجل" في مناهج المواد الشرعية بالتعليم العام محل استنكار الناصحين وأهل الاختصاص، ولن أتحدث في هذه المقالة عن هذه الارتجالية المكشوفة في هذا التبديل و"الكتمان" ومصادمتها لمشروعات قائمة لتطوير المناهج في وزارة التربية والتعليم، كما لن أتحدث عن الهدر المالي الواقع بسبب هذا التصرف، فقد استنزفت ملايين الريالات في كتب قد طبعت ووصلت مستودعات إدارات التعليم، ولن أتحدث عما يورثه هذا الحذف من تأكيد وترسيخ نظرة الغرب – وأذنابهم – أن المناهج السابقة تصنع "الإرهاب" و"التفجير"! سيكون حديثي في هذه المقالة عن موضوع الولاء والبراء، وهل صار أمراً محرجاً يستحيا من تعليمه وتدريسه فضلاً عن تطبيقه وتحقيقه؟




لقد بُلينا – في هذه الأيام – بأقوام يتوارون خجلاً من إيراده وتقريره، وربما تأوّلوا بانهزامية ظاهرة وتأويلات مستكره.
إن الحب والبغض أمر فطري لا انفكاك عنه، فكل إنسان سواءً كان برّاً أو فاجراً مؤمناً أو كافراً لديه هذه الغريزة الفطرية والنزعة البشرية من مشاعر الحب والبغض، وهذا أمر معلوم مشاهد، فالكافر يحب ويبغض، كما أن المؤمن يحب ويبغض، لكن الكافر يحب كل ما يهواه فقد يحب الكفر والفجور والاستبداد والخمر والظلم، وأما أهل الإيمان فهم يحبون ما يحبه الله تعالى من الإيمان والتوحيد والعدل والعفاف، كما يبغضون كل ما يبغضه الله _تعالى_ من شرك وظلم وفواحش.



فهؤلاء الذين يتباكون على مشاعر الكراهية والعداء، ويطالبون بإزالتها واستئصالها، حقاً إنهم لا يخالفون الثوابت الشرعية فحسب، بل يصادمون الفطرة الإنسانية ويخالفون الطبيعة البشرية.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: "أصل كل فعل وحركة في العالم من الحب والإرادة، كما أن البغض والكراهة أصل كل ترك" (جامع الرسائل، قاعدة في المحبة 2/193).
ويقول في موضع آخر: "إذا كانت المحبة والإرادة أصل كل عمل وحركة.. عُلِم أن المحبة والإرادة أصل كل دين، سواء كان ديناً صالحاً أو ديناً فاسداً". (المرجع السابق 2/217، 218).

إن الحب في الله والبغض في الله ولوازمهما من الولاء والبراء ليس إيماناً فحسب، بل هو أوثق عرى الإيمان كما ثبت في الحديث عن رسول الله _صلى الله عليه وسلم_، وعقيدة الولاء للمؤمنين والبراءة من الكافرين من الفرائض الشرعية المعلومة من الدين بالضرورة، كما أن الولاء والبراء من أعظم الضمانات وأقوى الحصون في حفظ الناشئة من الانحدار في مهاوي التغريب ومفاسد الانفتاح الإعلامي والعالمي.




ألا فليتق الله _تعالى_ أرباب تبديل المناهج والعامدين إلى إقصاء شعرة الولاء والبراء، وليتذكّروا أنهم موقفون بين يدي الله _تعالى_ وسائلهم عما صنعوه.
ويقال لأرباب اللجان "المبدِّلة": أبلغ بكم العجز وقصور العلم ألا تجدوا طريقة ملائمة في تدريس الولاء والبراء وتقريبه للناشئة؟
أو تظنون أن الولاء والبراء لا ينفك عن الإرهاب والتفجير؟ - فذلك ظن السوء – فإما أن يحذف الموضوع كله، أو يبقى الولاء والبراء بما لا انفكاك عنه كما توهمتم..!
قد كان يسوغ لكم أن تختاروا أمراً ثالثاً به يزول المحذور المتوقع والإشكال المتوهم، وهي أشبه ما تكون بضوابط وتنبيهات في هذا الموضوع، وقد أشار فضيلة الشيخ صالح الفوزان إلى المداراة مثلاً.



ويمكن أن يلحق بتلك الضوابط الفرق بين عداوة الكافرين وبين البر والإقساط، وأن عداوتهم لا تنافي العدل والبرّ معهم، كما حرّره القرافي في الفروق.

كما أن من الضوابط المهمة: التفريق بين حال القوة لأهل الإسلام، وبين حال ضعفهم ففي القوة لهم أن يبادروا بالجهاد لأعداء الله _تعالى_، وفي حال الضعف لهم أن يأخذوا بآيات الصبر والصفح والعفو كما قرره ابن تيمية في (الصارم المسلونقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي/413).
وكما يُنهى عن التشبه بهم ويغلّظ على من فعل ذلك، لكن قد يجوز ذلك في حال غلبة وقوع الضرر منهم كما وضحه ابن تيمية في (الاقتضاء).



إن الحب والبغض أمر فطري لا انفكاك عنه، فكل إنسان سواءً كان برّاً أو فاجراً مؤمناً أو كافراً لديه هذه الغريزة الفطرية والنزعة البشرية من مشاعر الحب والبغض،

كما أن تقرير مسائل الولاء والبراء أمر جليل، لكن تطبيقها على الواقع يحتاج إلى مراعاة تحقيق المناط، وكذا تطبيقها على الأفراد يحتاج إلى مراعاة عوارض الأهلية كالجهل والتأوّل ونحوهما.
أحسب أن هذه الضوابط ونحوها أليق وأنسب من هذا الحذف والإقصاء.

وإذا كان أرباب التبديل والكتمان قد خافوا أن يصنع الولاء والبراء تفجيراً وإرهاباً، فقد خرّجت هذه المدارس مئات الألوف من الناشئة ولم يكونوا إرهابيين ولا مفجّرين، ولو فرضنا – جدلاً – أن واحداً من تلك الألوف المؤلفة قد درس الولاء والبراء وساء فهمه ثم أعقب ذلك إرهاب وتفجير.. أفيسوغ أن تبدّل المناهج لأجل هذا الواحد – المفترض – ونهمل تلك الألوف المؤلفة؟





وهبّ – مرة أخرى – أن شعيرة الولاء والبراء أورثت تفجيراً، أفيجوز أن نعالج الخطأ بالخطأ، وأن نتداوى بالتي هي الداء؟ إن الخطأ يعالج بالصواب والبدعة ترد بالسنة.

إن ما صدر من هذه التصرفات المرتجلة من أجل إقصاء موضوع الولاء والبراء، وما تبعها من هدر مالي ومخالفات نظامية وتجاوزات إدارية، وتكرار في موضوعات.. كل ذلك يكشف عن سوء تدبير وحرمان من التوفيق، ولا غرو في ذلك فإن التأييد والتوفيق والتسديد إنما يناله من حقق هذا الأصل، كما قال _سبحانه_: "لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْأِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ" (المجادلة: من الآية22).



قال شيخ الإسلام ابن تيمية في شأن هذه الآية: "فهذا التأييد بروح منه لكل من لم يحب أعداء الرسل وإن كانوا أقاربه، بل يحب من يؤمن بالرسل وإن كانوا أجانب، ويبغض من لم يؤمن بالرسل وإن كانوا أقارب، وهذه ملة إبراهيم" (الجواب الصحيح 1/256).
ويقول في كتاب آخر: "وليعتبر المعتبر بسيرة نور الدين زنكي، وصلاح الدين، ثم العادل، كيف مكّنهم الله وأيّدهم، وفتح لهم البلاد، وأذلّ لهم الأعداء، لما قاموا من ذلك بما قاموا به، وليعتبر بسيرة من والى النصارى، كيف أذلّه الله _تعالى_ وكبته" (مجموع الفتاوى 28/143).

وأخيراً فإن على الدعاة وطلاب العلم أن يعنوا بتقرير وتحقيق هذا الأصل من خلال عدة محاور، منها: الأخوة الإيمانية، وسلامة الصدر تجاه أهل الإيمان، وحقوق المسلم على أخيه، وأحكام التشبه بالكفار، وصور موالاة الكفار وأحكامها، ومفاسد الدعوة إلى تقارب الأديان أو ما يسمى بالاعتراف بالتعددية المذهبية الفكرية، فلقد كان سلفنا الصالح يجتهدون في إظهار الإسلام والسنة لا سيما عند خفائها واندراسها، ومن ذلك أن الإمام سفيان الثوري – رحمه الله – كان يقول: "إذا كنتَ بالشام فاذكر مناقب عليّ، وإذا كنتَ بالكوفة فاذكر مناقب أبي بكر وعمر" أخرجه أبو نعيم في (الحلية 7/260).



حيث غلب النصب – بغض عليّ رضي الله عنه – على بلاد الشام آنذاك، كما ظهر التشيع في الكوفة.
ورُئي عمر بن مرّة الجملي بعد موته، فقيل له: ما فعل الله بك؟ فقال: غفر لي بمحافظتي على الصلوات في مواقيتها، وحبّي علي بن أبي طالب، "فهذا حافظ على هاتين السنتين حين ظهر خلافهما، فغفر الله له بذلك، وهكذا شأن من تمسّك بالسنة إذا ظهرت البدعة" (منهاج السنة النبوية 8/239).
وأظهر الإمام أحمد بن حنبل – رحمه الله – في بغداد تحريم النبيذ من غير العنب مما يسكر كثيره، فألّف كتاب الأشربة، حتى إن الرجل يدخل بغداد، فيقول: هل فيها من يحرم النبيذ؟ فيقولون: لا، إلا أحمد بن حنبل. (انظر نظرية العقد لابن تيمية ص84).




اللهم اجعلنا سلماً لأوليائك حرباً على أعدائك، وبالله التوفيق.

http://www.almoslim.net/articles/show_arti...main.cfm?id=221