الإعلام السعودي... إلى أين؟؟
ياسر بن علي الشهري


(1)
لا يمكن أن يُتصوّر أن الحكومات لا تضع الأنظمة والقوانين التي تعطيها المشروعية إذا ما أرادت الوقوف ضد وسائل الإعلام, بل إن بعض الحكومات تتلاعب بالقوانين والأنظمة لتحقيق ذلك. كما أن الإعلاميين (الصحفيين) يتحالفون ويبنون الصيغ التشريعية لحقهم في حماية أنفسهم ومؤسساتهم ونتاجهم وحرية تعميم أفكارهم!! وتتبّع مصالحهم وخدمتها. و"المعلنون" أيضا -أصحاب المصالح الاقتصادية- يضعون البنود في الاتفاقيات التي تضمن لهم حقوقهم ومصالحهم مع الحكومات ومع وسائل الإعلام.
وهنا تبرز المشكلة، فالعوامل الثلاثة -"الحكومات, الإعلاميون, المعلنون"- تؤثر تأثيراً بالغاً على عمل وسائل الإعلام, ويكون العامل الأهم والمستفيد الرئيس من الإعلام وهو المجتمع "الفرد - الجماعة" محيّداً عن دائرة التأثير في مضامين الإعلام التي يُفترض أن تتوجه لحاجاته الأساسية، وما يتوافق معها من رغبات.
وهكذا...., يكون المجتمع -بأصوله وقيمه وثقافته- ضحية تحالفات مصلحيه يتزايد تعقيدها كلما "انحدرت" إلى الدول والمجتمعات الفاقدة للأنظمة, ويتضخم خطرها كلما افتقد المجتمع إلى مؤسساته المدنية التي تعمل في المجتمعات الحديثة للحد مـــن التجاوزات, وبناء تصورات حول المرغوب وعكسه, وتتولى تفعيل التقاضــي والتحاكم إلى القضاء بين الأفراد ومؤسسات مجتمعهم.
(2)
المراقب للإعلام السعودي يرى أنه لم يعد يخضع لأي قوانين أو أنظمة عدا (عدم المساس بالمصالح السياسية "الظاهرة" للدولة)، أما غير ذلك فمتاح لمدى قدرة الإعلام على اختراق الذوق العام، والقدرة على ترويضه تدريجياً حتى يتوحّد الذوق المحلي مع الذوق العالمي، ويدخل تحت مظلة "الذوق الإنساني"! ومن الواضح أنه لم يعد هناك جهة تملك ضمانات لتنفيذ أي نظام على وسائل الإعلام السعودي إلا المؤسسة السياسية.
مما زاد الأمر سوءاً كثير من الأكاديميين والمهنيين –الإعلاميين- الذين يناقشون قضايا الحرية الإعلامية تحت مظلة جدلية الديموقراطية وحرية الإعلام: هل تشجع حرية الإعلام ديموقراطية أكبر, أم أن الديموقراطية الفاعلة تشجع حرية الإعلام؟, ويتجاهلون أن وسائل الإعلام لا يمكن أن تملك الاستقلالية المطلقة, (أي: الحرية المطلقة في تلقي المعلومات وإبلاغها دون التخوّف من العقوبات). وأنه لا يوجد إعلام لا تسيطر عليه مصالح, وإن اختلفت في أحجامها وأنواعها ودرجات التأثير.
كما يتضح من نقاشهم أن الربط بين الديموقراطية وحرية الإعلام يفتقد إلى المنهجية العلمية, ويلغي عوامل أخرى قد تكون أكبر تأثيراً، فالربط بين الديموقراطية وحرية الإعلام؛ يفترض أن الديموقراطية هي الحالة المثلى "الصحية" للنظام السياسي في المجتمعات البشرية! ومعلوم أن هذا الفهم وما يتبعه؛ فُرض تبعاً لزعامة المعسكر الغربي بصفته المفهوم الأصلح والأقدر، وليس لجودته كنظام.
كما يجب ألاّ نغفل النظرة العالمية "الرأسمالية" للإعلام التي تعد الإعلام وسيطاً للوصول إلى المستهلكين الحاليين والمرتقبين، حتى وإن استلزم الأمر تغيير ثقافات الشعوب "النامية" لتحويلهم إلى مستهلكين, وهذه الأمور جميعها كفيلة بتغيير مفاهيم الحرية الإعلامية.
(3)
الذين يتحدثون عن حرية الإعلام السعودي -دون اعتبار لطبيعة الثقافة والنظام السياسي- يتجاهلون أكثر من عشرين مليون مواطن "مسلم" يعيشون على أرض هذه البلاد الطاهرة, والغالب من هؤلاء الناس لا يعاني من إرهاب الإعلام المحلي والفضائي على قيمهم وأخلاقهم وحسب, بل يفتقرون إلى الوسائل التي توصل صوتهم إلى صانع القرارات التي تؤثر على حياتهم, ويُضاف إلى ذلك, عمل وسائل الإعلام المحلية على تزوير هذا الصوت وتحميله ما لم يقل!
ليس هناك شك في أن تقدماً قد تحقق في التواصل بين الحكومة والشعب, إلاّ أن هذا التواصل يتعرض لعمليات تشويه وفلترة متعمدة ومتعددة أفقدته وهجه وحقائقه التي يحملها بين الطرفين, وبراهين ذلك وأدلته كثيرة، أكتفي منها بالتغطيات الصحفية لمؤتمرات الحوار الوطني؛ إذ يمكن كشف الإطار المصمم لاحتواء كافة المعلومات المنشورة في الصحف المحلية عن تلك المؤتمرات من خلال دراسة تغطيات صحيفتين أو أكثر لأحد المؤتمرات.
(4)
من الواضح أن العقوبة التي يخشاها الإعلاميون تتعلق بالجانب السياسي فقط, أما الجوانب الدينية والاجتماعية والثقافية فلوسائل الإعلام الاستقلالية المطلقة في ذلك, بل يُعدّ بعض منظري الحرية الإعلامية الوصول إلى هذه الحالة تقدماً إيجابياً بهدف الفصل بين مصالح الدولة والمجتمع من جهة، وبين المجتمع ومؤسساته التي يُفترض أن تعمل لخدمته -الإعلام إبرازها أبرزها- من جهة أخرى. ومخالفة الأصل الذي تكون فيه مصالح وسائل الإعلام مرتبطة بمصالح الجمهور، وتهدف إلى حمايته فكرياً وثقافياً, وكل ذلك مرتبط بمصالح الدولة، كما في الأسس التي قام عليها النظام وكافة مكوناته وعناصره.
إن الدولة هي الطرف الأهم في مثلث عوامل استمرار واستقرار وسائل الإعلام، فالنظام هو أساس شرعية عمل هذه الوسائل, ويأتي الجمهور في الطرف الثاني, والمعلنون ثالثاً, وهنا يتضح أن نظام الإعلام يجب أن يقوم على احترام الأطراف الثلاثة، والدولة هي المسؤولة عن الوصول بالإعلام إلى هذه الحالة دون اعتبار لـ"أغاني" الحرية الزائفة التي لم يتوقف منظروها عن المطالبة بتكبيل الصوت الديني! –أو المؤسسة الأم لكافة مؤسسات المجتمع بحسب أسس النظام السعودي!!
لقد أخفقت وسائل إعلامنا السعودية في تحقيق التوازن بين هذه الأطراف الثلاثة، وهنا يمكن التأكيد على أن الزاوية الأهم في هذا المثلث الصعب؛ هي النظام (الدولة) وبتوافقها مع تطلعات الطرف الثاني الجمهور "الضحية" يمكن أن تتضافر مع سياسات المعلنين لبناء واقع إعلامي مميز، ولكن يبدو أن تراخي الجهة المشرفة على تنفيذ النظام -السياسة الإعلامية للمملكة- في حماية المجتمع السعودي "المسلم" سيؤدي إلى مزيد من الانفلات حتى تلتفت الدولة لذلك، وتصلح ما يمكن إصلاحه.
(5)
بينت التجارب أن استقلال وسائل الإعلام عن الدولة أمر غير وارد, بل ينظر الشعب إلى أن الإعلام مقيد بسياسة الدولة ومصالحها, وإذا ما فكّرنا تفكيراً منطقياً فسوف نحسب كل نتاج هذا الإعلام على الدولة لما تملكه من القدرة على السيطرة والضبط، ولما يربط هذه المؤسسات من المصالح الخاصة والقوية معها.
إن الإعلام السعودي يكاد يكون الأبرز في تهميش الرأي العام, بدليل التباين الكبير بين صورة المجتمع عبر مناشطه المتنوعة وصورته في وسائل الإعلام, ويمكن الجزم بأن وسائل الإعلام المحلي ناقل لآراء النخب المزيفة إلى الجمهور العام، كما أنها تتلاعب بصياغة الموضوعات والمناقشات العامة التي يتبناها المجتمع, وأكتفي بمثال واحد فقط يكشف التلاعب بأولويات المجتمع, وضيق دائرة الحوار والمتحاورين, وتغييب القدوات أو النماذج المثالية حول القضايا الاجتماعية, والدعوات الصريحة إلى سلوك اجتماعي أقل ما يُقال في حقه أنه سلوك غير سليم, ذلكم هو موضوع المرأة وتحت غطاء الحرية!! أو حرية تعميم الفكر الشخصي للإعلامي!

لاتنسوني من خالص الدعـــاء اخوكم الزاد